وجيرتها، فتدخل في زمرة تلك الجيرة بغير حساب. وشاءت مصادفة من المصادفات أن يساق إليها ركب الحسين بعد أن حيل بينه وبين كلّ وجهة أُخرى، فاقترن تأريخها منذ ذلك اليوم بتأريخ الإسلام كلّه. ومن حقّه أن يقترن بتأريخ بني الإنسان حيثما عرفت لهذا الإنسان فضيلة يستحقّ بها التنويه والتخليد. فهي اليوم حرم يزوره المسلمون للعبرة والذكرى، ويزوره غير المسلمين للنظر والمشاهدة، ولكنّها لو أُعطيت حقّها من التنويه والتخليد، لحقّ لها أن تصبح مزاراً لكلّ آدمي يعرف لبني نوعه نصيباً من القداسة وحظّاً من الفضيلة ; لأنّنا لا نذكر بقعة من بقاع هذه الأرض يقترن اسمها بجملة من الفضائل والمناقب أسمى وألزم لنوع الإنسان من تلك التي اقترنت باسم كربلاء بعد مصرع الحسين فيها. فكلّ صفة من تلك الصفات العلويّة التي بها الإنسان إنسان وبغيرها لايحسب غير ضرب من الحيوان السائم.. فهي مقرونة في الذاكرة بأيام الحسين (رضي الله عنه) في تلك البقعة الجرداء. وليس في نوع الإنسان صفات علويات أنبل ولا ألزم له من الإيمان والفداء والإيثار ويقظة الضمير وتعظيم الحقّ ورعاية الواجب والجلد في المحنة والأنفة من الضيم والشجاعة في وجه الموت المحتوم.. وهي ـ ومثيلات لها من طرازها ـ هي التي تجلّت في حوادث كربلاء منذ نزل بها ركب الحسين، ولم تجتمع كلّها ولا تجلّت قط في موطن من المواطن تجلّيها في تلك الحوادث، وقد شاء القدر أن تكون في جانب منها