الغدر كما سـمّـاها([383])، ولا محلّ عنده لإهدار الدماء وهو ينعى على الدولة القائمة أنّها تهدر الدماء بالشبهات. ولقد رأى مسلم أنّ حقّ صاحبه في الخلافة قائم على شيء واحد وهو إقبال الناس إليه طائعين ومبايعتهم إيّاه مختارين. فأمّا وقد تفرّقوا عنه رهبة من السلطان أو ضعفاً في اليقين، فالرأي عنده أن يكتب إلى صاحبه يعلمه بانفضاض الناس عنه ويثنيه عن القدوم، ولا حقّ له عليهم بعد ذلك حتّى يثوبوا إليه. وقيام الخلافة على هذا الاختيار عقيدة لا نفهمها نحن الآن، ولكن قد يفهمها يومئذ من كان على مقربة من عهد النبوّة وعهد الصدّيق والفاروق. فقد كان الصراع بين الحسين ويزيد أوّل تجربة من قبيلها بعد عهد النبوّة وعهد الخلفاء الأوّلين. لم يكن الصراع بين علي ومعاوية على هذا الوضوح الذي لا شبهة فيه بين الحقّ والباطل وبين الفضيلة والنقيضة. لكنّه في بيعة الحسين كان قد وضح وضوح الصبح لذي عينين. وكان ذلك ـ كما قلنا ـ أوّل تجربة من قبيلها بعد عهد الفداء في سبيل العقيدة والإيمان.. بعد العهد الذي كان الرجل فيه يخرج من ماله وينفصل من ذويه ويتجرّد لحرب أبيه وأخيه وبنيه إن خالفوه في أمر الإسلام.. بعد العهد الذي كان القليل فيه من المسلمين يصدّون الكثير من