ينصر هذا المُلك فإنّما يطلب منه أن ينصر ملكاً ينكر كلّ دعواه ولا يحمد له حالة من الأحوال. ولا تنس ـ بعد هذا كلّه ـ أنّ هذا الملك كان يقرّر دعائمه في أذهان الناس بالغضّ من الحسين في سمعة أبيه وكرامة شيعته ومريديه. فكانوا يسبّون عليّاً على المنابر وينعتونه بالكذب والمروق والعصيان، وكانوا يتحرّون أنصاره حيث كانوا، فيقهرونهم على سبّه والنيل منه بمشهد من الناس، وإلاّ أصابهم العنت والعذاب وشهّروا في الأسواق بالصلب والهوان. فمجاراة هذه الأُمور كلّها في مفتتح ملك جديد معناه: أنّها سنّة قد وجبت واستقرّت الجيل بعد الجيل بغير أمل في التغيير والتبديل. فمن أقرّ هذه السنّة في مفتتح هذا الملك الجديد فقد ضعف أمله وضعف أمل أنصاره فيه يوماً بعد يوم، وازداد مع الزمن ضعفاً كما ازدادت حجّة خصومه قوّة عليه. هذه هي البواعث النفسيّة التي كانت تجيش في صدر الحسين يوم دعاه أولياء بني أُميّة إلى مبايعة يزيد والنزول عن كلّ حقٍّ له ولأبنائه ولأُسرته في إمامة المسلمين كائناً من كان القائم بالأمر وبالغاً ما بلغ من قلّة الصلاح وبطلان الحجّة. وهي بواعث لا تثنيه عن الخروج، ولا تزال تلحّ عليه في اتّخاذ طريق واحد من طريقين لا معدل عنهما، وهما: الخروج إن كان لابدّ خارجاً في وقت من الأوقات، أو التسليم بما ليست ترضاه له مروءة ولا يرضاه له إيمان.