فبعث الوليد إلى مروان بن الحكم يستشيره، وكان مروان يريد الخلافة لنفسه، ولكنّه علم ـ بعد موت معاوية وقيام يزيد ـ أنّ الأمر اليوم أمر بني أُميّة، فإن خرج منهم فقد خرج منهم أجمعين، فنصح للوليد نصيحة ذات وجهين: ظاهرها الشدّة في الدعوة ليزيد، وباطنها السعي إلى الخلاص من يزيد ومنافسيه. فقال: « أرى أن تبعث الساعة إلى هؤلاء النفر، فتدعوهم إلى البيعة. أمّا ابن عمر فلا أراه يرى القتال، ولكن عليك بالحسين وعبد الله بن الزبير فإن بايعا، وإلاّ فاضرب أعناقهما ». وضرب عنق الحسين وابن الزبير معناه الخلاص مـن أعظم المنـافسين ليزيد، ثمّ الخلاص من يزيد نفسه بإثارة النفوس وإيغار الصدور عليه ! * * * وقد ذهب رسول الوليد إلى الحسين وابن الزبير، فوجدهما في المسجد، فعلم الحسين ما يراد منه، وجمع طائفة من مواليه يحملون السلاح، وقال لهم ـ وهو يدخل بيت الوليد ـ: « إن دعوتكم أو سمعتم صوتي قد علا فاقتحموا عليَّ بأجمعكم، وإلاّ فلا تبرحوا حتّى أخرج إليكم ». فلمّا عرضوا عليه البيعة ليزيد قال: « أمّا البيعة فإنّ مثلي لا يعطي بيعته سرّاً، ولا أراك تقنع بها منّي سرّاً ». قال الوليد: « أجل ».