ما ترمز إليه الأرض من انحدار وانحطاط، والثانية تتسامى بإنسانيته إلى حيث صفات الله([96]). وجود هاتين النزعتين يخلق تناقضاً وجدلاً داخل النفس الإنسانية، وينعكس ليخلق تناقضاً وصراعا في العلاقات الاجتماعية. ولا يمكن حل هذا التناقض وهذا الصراع إلا في إطار رسالة الأنبياء، من هنا كانت ولادة البشرية على ظهر الأرض متزامنة مع ظهور النبوة. والنزعة المتسامية في نفس الإنسان هي تعبير عن التيموس الأفلاطوني، ولكن هذا التيموس هو أيضاً أساس الصراع في رأي هيغل كما ذكرنا. وهذا صحيح إذا لم تكن المسيرة البشرية على طريق الأنبياء، لأنه (ما لم ينتصر أفضل النقيضين في ذلك الجدل الإنساني فسوف يظل هذا الإنسان يفرز التناقض تلو التناقض، والصيغة بعد الصيغة، حسب الظروف والملابسات، وحسب الشروط الموضوعية ومستوى الفكر والثقافة)([97]). من هنا فان الشيوعية التي بشرت بحل التناقضات البشرية، والليبرالية الديمقراطية التي يبشر بها أصحابها اليوم في ظل العولمة لا تستطيع أن تحل هذا التناقض، بل إن المجتمع سيفرز ألواناً من التناقضات حسب ظروف العصر ومستواه الثقافي. وثورة الطلبة التي أشار إليها فوكوياما وهذه المظاهرات الصاحبة في أوربا ضد العولمة هي من أمارات ذلك الصراع، وليس الأمر كما يعلله فوكوياما بأنه (متعة النضال)!