صناعة الأقليات الدكتور أحمد راسم النفيس كاتب وباحث من مصر على عكس التصور الراسخ في الفكر السياسي السائد والقائل بأن وراء كل أزمة مؤامرة فإننا نعتقد أن لكل أزمة جذور وأسباب وتراكمات من سوء التصرف وانعدام البصيرة وافتقاد القدرة على المصارحة والاعتراف بوجود خطأ يحتاج إلى تصحيح ومعالجة في وقت لم يعد يجدي فيه لا الإصرار ولا المكابرة. الوجه الآخر لهذا الفكر السياسي هو غياب تحديد دقيق وواضح للمصطلحات وعلى سبيل المثال فإن الأزمة العراقية الراهنة أفرزت إلى عالم الأخبار مصطلح (الطائفية) من دون أن يشرح لنا أحد ماذا تعني كلمة طائفة أو طائفي ومتى تكون الطائفية مذمومة أو محمودة؟؟. ماذا نعني بصناعة الأقليات؟؟: يقول لنا علم الأخلاق أن كل خطيئة ترتكب لا بد أن يقابلها ثمن مدفوع وأن هذا الثمن يتناسب طرديا مع حجم الخطيئة المرتكبة فكلما ازداد حجم الجريمة كلما كان الثمن المدفوع باهظا. لقد ارتكز النظام السياسي (الإسلامي) في صياغته الأولى على تأسيس أغلبية مساندة ومؤيدة في مقابل وضع الرافضين لهيمنة الفئة الحاكمة في موضع الأقلية الشاذة والرافضة للحق الذي يمثله هذا النظام السياسي. ولما كانت نقطة البدء في صياغة هذا النظام دينية بامتياز فقد حرصت تلك النظم على تأسيس (شرعية دينية رسمية) مقابل (لا شرعية دينية) يتميز بها الطرف المقابل. لهذه الأسباب يتعين علينا أن نفرق بين الخلاف القائم بين المذاهب والأفكار في إطارها النظري البحت والطريقة التي جرى بها تناول هذا الخلاف من الناحية السياسية وكيف ارتدت أدوات السياسة ثوب الدين والفكر لتصبغ بصبغتها العقل والأخلاق في مجتمعات شاءت لنا الإرادة الإلهية أن نولد ونعيش فيها. في هذا الإطار يمكننا التأمل في مصطلح الطائفية والأغلبية والأقلية والأقليات!!!. الدين ثابت لا يتغير من حيث هو وحي إلهي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد أما عندما يتعلق الأمر بالفهم البشري للدين وانقسام المؤمنين حول طريقة تنزيل النص الإلهي على الواقع الإنساني أي المذاهب الفقهية والعقلية والسياسية والاجتماعية فهو متغير بكل تأكيد. الخطأ الذي ارتكبته هذه النظم الحاكمة طيلة هذه العصور هو أنها حاولت تجميد وتثبيت المتغير الفقهي من أجل إدامة السلطوي وهو بطبيعته عرض زائل لا يمكن له أن يبقى أو يدوم مهما طال به الزمان. ربما هان الوضع لو بقي الأمر في إطار الجدل الدائر حول بعض المسائل الفقهية المتعلقة بالصيام والصلاة والزواج إلا أن الأثر المدمر لمحاولة تثبيت المتغير (الفقهي) واستخدامه كرافعة لمنع وقوع التغيير أو إدامة ما هو بطبيعته غير قابل للخلود والدوام وهو (النظام السياسي) قادت إلى ما هو أسوأ وهو تجميد الحراك الفكري والاجتماعي في مجالين حيويين بل وضروريين لإبقاء تلك المجتمعات حية وفاعلة: المجال الأول: هو مجال الإبداع الفكري والعقلي ومن ثم التطور الحضاري للمجتمعات الإسلامية التي بقيت بسبب سد باب الاجتهاد راكدة لا تتحرك ولا تتقدم في حين خطا العالم من حولنا خطوات واسعة في هذا الاتجاه من خلال إبقاء باب الجدال الفكري بالتي هي أحسن مفتوحا أو حتى من خلال الاشتباك الدموي حيث يحق لهذه الشعوب أن تفخر بأنها ضحت ودفعت الثمن من أجل الدفاع عن الحرية العقلية وتوأمها التقدم العلمي والحضاري. المجال الثاني: هو مجال التعددية السياسية التي يحتاجها أي مجتمع من أجل صحته ونهضته وبقائه وهو ما نزعم أن مجتمعاتنا ما زالت بعيدة عن إدراك أهميته باعتباره ضرورة لبقائها هي وليس منحة تمنح لمن جرى إقصاؤهم وتهميشهم طيلة هذه القرون من خلال استخدام السلاح المزدوج (الحديد والنار وتوأمه الحق الإلهي أو الفرقة الوحيدة الناجية من النار). الآن يبدو واضحا أن عالمنا الإسلامي مصاب بأنيميا الفكر وهزال العقل وهو يجني الثمار المرة لسياسة (صناعة الأقليات)... سياسة القياس العددي للمذاهب والأفكار وكأن العقائد والأفكار هي وثمار البطيخ سواء بسواء في حين كان يتعين على أنصار تلك السياسة أن ينتبهوا أن الأفكار هي جواهر وأحجار ثمينة لا تقاس بعددها بل تقاس بقيمتها وأثمانها. أحد أبرز الأدلة على أن العقائد والأفكار لا تقاس بالأعداد هو الدور الذي تقوم به المقاومة الإسلامية في لبنان وهي المقاومة التي ينهض بعبئها حزب الله الذي يمثل قطاعا رئيسيا من شيعة لبنان الذين يمثلون بدورهم أقلية عددية من الشعب اللبناني الذي هو أقل الشعوب العربية عددا ورغم كل هذا فإن تأثيره الإيجابي الفكري والسياسي ودوره النضالي شكل قوة ضغط هائلة من أجل توحيد الأمة الإسلامية الممزقة والمهلهلة على عكس بعض القوى الأخرى التي أنفقت عشرات المليارات من أجل اتمام هذا التمزيق ودفع الأمور نحو الاقتتال الداخلي الطائفي الذي مثل خطرا داهما على وحدة الأمة خلال الفترة الماضية. الخطيئة الأولى.. التقسيم السبعيني لأمة لا إله إلا الله أحد أبرز هذه الخطايا تمثل في تقديم تصور مفاده انقسام الأمة الإسلامية إلى أكثر من سبعين فرقة كلها في النار عدا واحدة هي الناجية. اجتهد البعض في مطابقة هذا التصور على حالة التنوع والانقسام الفكري والفقهي الموجود في أرض الواقع وهو اجتهاد لا يعدو أن يكون خدمة مجانية قدمها هؤلاء لأصحاب الأهواء السياسية ومشروعهم الرامي لتقسيم المسلمين إلى أغلبية وأقلية. إنها مرة أخرى صناعة الأقليات التي اعتبرها البعض أمرا مشروعا رغم فداحة الثمن المدفوع!!. أغلبية لم تكن يوما ما حاكمة ولكن حُكم باسمها أغلب فترات القرون الماضية وأقلية (متمردة) على النظام السياسي ومن ثم على (الشريعة الإسلامية) ومن ثم فهي خاسرة في الدنيا و(الآخرة)!!. لقد أسهم (علماء الفرق) بقسط وافر في تكريس هذا الانقسام عندما (اجتهدوا) في تقسيم المسلمين إلى أكثر من سبعين فرقة يحلمون برؤيتهم جميعا في النار إلا واحدة هي بالتأكيد من يؤيد هذه النظم السياسية الحاكمة. الرواية المذكورة (انقسم اليهود والنصارى...) لا تصمد طويلا أمام النقد العلمي وخاصة إذا قمنا بعرضها على كتاب الله عز وجل. الإيمان كما يقول علماء الدين (اعتقاد بالجنان وقول باللسان وعمل بالأركان) وهو ما لا يختلف عليه أحد من الناحية النظرية أما من الناحية الواقعية فقد ظهر نوعان متقابلان من الانحراف. الأول هو الإرجاء والقول (بأنه لا يضر مع الإيمان ذنب) وهي نظرية أموية بامتياز!!. والنظرية المقابلة هي نظرية الخوارج التي تعتمد مبدأ التكفير بالذنب والتي أطلقت سهامها على البر والفاجر وأقضت ولا زالت تقض مضاجع المجتمعات العربية القديمة والمعاصرة. لقد مثلت أطروحة التقسيم السبعيني لأمة لا إله إلا الله سلاحا عقائديا يمكن استخدامه لتكفير المعارضة السياسية بالجملة فكل الخارجين على الجماعة الحكومية هم أهل فرقة وفتنة وفرقة ضالة ينبغي أن تصطلي بنار النظام في الدنيا وغضب الله في الآخرة لعل هذا يشكل رادعا يمنع من تسول له نفسه التفكير في الاحتجاج والتمرد. إنها إذا نظرية الإرجاء السياسي حيث يقول ابن أبي الحديد شارح نهج البلاغة (قال شيخنا أبو عبد الله أول من قال بالإرجاء المحض معاوية وعمرو بن العاص كانا يزعمان أنه لا يضر مع الإيمان معصية ولذلك رد معاوية على من قال له حاربت من تعلم وارتكبت ما تعلم فقال وثقت بقوله تعالى إن الله يغفر الذنوب جميعا) ج2 ص114 شرح النهج. ولذا فنحن لا نسلم بصحة رواية التقسيم السبعيني لأنها تجعل النجاة من النار مجرد انتماء إلى فرقة وليست بالعمل الصالح على عكس العديد من آيات القرآن الكريم التي تجعل النجاة من النار تبعا للأعمال دون الاكتفاء بالأقوال: (فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره). (فمن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا كفران لسعيه وإنا له كاتبون). بل أن الدليل القرآني المحكم الذي لا يحتمل التأويل يوسع دائرة الرحمة الإلهية إلى غير المسلمين حتى بعد بعثة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم. (لَيْسُواْ سَوَاءً مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَآئِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللّهِ آنَاء اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ * يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُوْلَـئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ* وَمَا يَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلَن يُكْفَرُوْهُ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ) آل عمران 113-115. (وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَن يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُمْ و َمَآ أُنزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لِلّهِ لاَ يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ ثَمَنًا قَلِيلاً أُوْلَـئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ إِنَّ اللّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ) آل عمران 199 (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالصابِئونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وعَمِلَ صَالِحًا فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ) (المائدة 69) وإذا كانت مفاتيح الرحمة الإلهية قد اتسعت لتشمل كل هؤلاء فلماذا يصر البعض على التقسيم السبعيني لأمة لا إله إلا الله فاتحا الباب أمام التكفير والتفسيق والتضليل بالجملة أو بالفرقة؟!. إن هذا المنهج لا يعني بحال من الأحوال أننا لا نرى ثمة خلافات فكرية أو فقهية بين المسلمين تستوجب استمرار الحوار والمناقشة ولكننا نرفض منطق الحكم قبل المداولة وتلك الأحكام الجاهزة التي ترمي هذا بالضلال وهذا بالكفر وربما استبان بعد التمحيص أن الحق هو في الجانب الآخر!!. والواقع أننا لا نكاد نرى اختلافا بين الغالبية العظمى من المسلمين في تلك الأصول فلا أحد ينكر فريضة الصلاة أو الزكاة أو الصيام أو الحج ولا أحد ينكر أن محمدا صلى الله عليه وآله هو خاتم الأنبياء والمرسلين بمن فيهم العصاة من المسلمين. الخطيئة الثانية سد باب الاجتهاد. منذ نعومة أظافرنا ونحن نسمع عن سد باب الاجتهاد من دون أن يخبرنا أحد عن مكان (باب الاجتهاد) هذا وهل هو بجوار باب زويلة ومن الذي قام بسده ولماذا لا يقدرون على فتحه؟؟!!. الاجتهاد العلمي والفقهي فرع على حرية الرأي والاعتقاد سواء فيما يتعلق بالمقدمات أو النتائج. المقدمات هي مصادر البحث التي يتعين على الباحث المجتهد أن يفتش عنها بلا قيد ولا شرط ولا محظورات مذهبية باستثناء الأمانة العلمية والأخلاقية إذ كيف يمكن أن يكون هناك اجتهاد فقهي من دون مناقشة أصول الفقه والخلاف بين المذاهب وأدلة كل مذهب على حدة من دون سب ولا شتم ولا بصق يومي في وجه المخالف في الرأي والمذهب. ومن باب أولى فالباحث المجتهد يحتاج للحرية فيما يتعلق بالنتائج التي سيتوصل إليها أو سيعلنها والتي قد تتعارض مع وجهة النظر السائدة في الرأي العام وما هو مألوف أو ما هو مطلوب سماعه من ذلك الباحث أو ذلك المفكر أو الفقيه. جاء العصر المملوكي ليكرس حالة الجمود الفكري والمذهبي التي أسس لها السابقون ويوقف دوران حركة الاجتهاد الفقهي والجدل العقلي عند حدود الاقتباس من المذاهب الأربعة حيث قام باستبعاد كل ما عداها غلقا لأبواب الجدل والنقاش الفكري وحرية الرأي في إطار تكريس مذهب للسلطة وصناعة أكثرية موالية. إنه أي باب الاجتهاد أو الحرية الفكرية والعقلية هو (باب الريح) الذي جرى سده عملا بالحكمة المملوكية الثمينة (الباب اللي ييجيلك مِنَّ الريح سِدَّه واستريح)!!. يقول المقريزي في خططه الجزء الرابع: لما قام هارون الرشيد بالخلافة وولى القضاء أبا يوسف صاحب أبي حنيفة بعد سنة سبعين ومائة لم يقلد ببلاد العراق وخراسان والشام ومصر إلاّ من أشار به القاضي أبو يوسف. وكذلك لما قام بالأندلس الحكم المرتضى بن هشام بن عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك بن مروان بن الحكم بعد أبيه في سنة ثمانين ومائة اختص بيحيى بن كثير الأندلسيّ فنال من الرياسة والحرمة ما لم ينله غيره وعادت الفتيا إليه وانتهى السلطان والعامّة إلى بابه فلم يُقَلد في سائر أعمال الأندلسَ قاض إلا بإشارته فصاروا على رأي مالك بعدما كانوا على رأي الأوزاعيّ وكانت إفريقية الغالب عليها السنن والآثار إلى أن قدم عبد الله بن فروج أبو محمد الفارسيّ بمذهب أبي حنيفة ثم غلب أسد بن الفرات بن سنان قاضي إفريقية بمذهب أبي حنيفة ثم لما ولي سحنون بن سعيد التنوخيّ قضاء أفريقية بعد ذلك نشر فيهم مذهب مالك وصار القضاء في أصحاب سحنون دولًا يتصاولون على الدنيا تصاول الفحول على الشول إلى أن تولى القضاء بها بنو هاشم وكانوا مالكية فتوارثوا القضاء كما تتوارث الضياع ثم إن المعز بن باديس حمل جميع أهل إفريقية على التمسك بمذهب مالك وترك ما عداه من المذاهب فرجع أهل إفريقية وأهل الأندلس كلهم إلى مذهب مالك رغبة فيما عند السلطان وحرصًا على طلب الدنيا إذ كان القضاء والإفتاء لا يكون إلاّ لمن تسمى بالفقه على مذهب مالك فاضطرّت العامّة إلى أحكامهم وفتاواهم ففشا هذا المذهب هناك. انتصار الأحناف على الشافعية في العراق!! كما فشا مذهب أبي حنيفة ببلاد المشرق حيث أن أبا حامد الاسفراينيّ لما تمكن من الدولة أيام الخليفة القادر بالله اتفق معه على استخلاف أبي العباس أحمد بن محمد البارزيّ (الشافعي) بدلا من ابن الأكفاني الحنفيّ قاضي بغداد فأجيب إليه بغير رضى الأكفانيّ فصار أهل بغداد حزبين وقدم بعد ذلك أبو العلاء صاعد بن محمد قاضي نيسابور ورئيس الحنفية بخراسان فثارت بينهم وبين أصحاب أبي حامد فتنة ارتفع أمرها إلى السلطان فجمع الخليفة القادر الأشراف والقضاة وأخرج إليهم رسالة تتضمن: أن الاسفراينيّ أدخل على أمير المؤمنين مداخل أوهمه فيها النصح والشفقة والأمانة وكانت على أصول الدخل والخيانة فلما تبين له أمره ووضح عنده خبث اعتقاده فيما سأل فيه من تقليد البارزيّ (الشافعي) الحكم بالحضرة من الفساد والفتنة والعدول بأمير المؤمنين عما كان عليه أسلافه من إيثار الحنفية وتقليدهم واستعمالهم صرف البارزيّ وأعاد الأمر إلى حقه وأجراه على قديم رسمه وحمل الحنفيين على ما كانوا عليه من العناية والكرامة والحرمة والإعزاز وتقدّم إليهم بأن لا يلقوا أبا حامد ولا يقضوا له حقًا ولا يردوا عليه سلامًا وخلع على أبي محمد الأكفاني وانقطع أبو حامد عن دار الخلافة وظهر السخط عليه والانحراف عنه وذلك في سنة 393 هـ. الوضع في مصر!! وما زال مذهب مالك ومذهب الشافعيّ يعمل بهما أهل مصر ويولى القضاء من كان يذهب إليهما أو إلى مذهب أبي حنيفة إلى أن جاء القائد جوهر من بلاد إفريقية في سنة 358هـ بجيوش المعز لدين الله أبي تميم معدّ وبنى مدينة القاهرة. فمن حينئذ فشا بديار مصر مذهب الشيعة وعُمِلَ به في القضاء والفتيا وأنكر ما خالفه ولم يبق مذهب سواه وقد كان التشيع بأرض مصر معروفًا قبل ذلك. قال أبو عمرو الكنديّ في كتاب الموالي عن عبد الله بن لهيعة أنه قال: قال يزيد بن أبي حبيب: نشأت بمصر وهي علوية فقلبتها عثمانية. وما زالت شيعة عليّ بمصر إلى أن ورد كتاب المتوكل على الله إلى مصر يأمر فيه بإخراج آل أبي طالب من مصر إلى العراق فأخرجهم إسحاق بن يحيى الختليّ أمير مصر فخرجوا لعشر خلون من رجب سنة 236هـ وقدموا العراق فأخرجوا إلى المدينة في شوّال منها واستتر من كان بمصر على رأي العلوية حتى أن يزيد بن عبد الله أمير مصر ضرب رجلًا من الجند في شيء وجب عليه فأقسم عليه بحق الحسن والحسين إلا عفا عنه فزاده ثلاثين درة ورفع ذلك صاحب البريد إلى المتوكل فورد الكتاب على يزيد بضرب ذاك الجنديّ مائة سوط فضُر بها وحُمل بعد ذلك إلى العراق في شوّال سنة 243هـ وتتبع يزيد الروافض فحملهم إلى العراق ودل في شعبان على رجل يقال له محمد بن عليّ بن الحسن بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب أنه بويع له فأحرق الموضع الذي كان به وأخذ فأقرّ على جمع من الناس بايعوه فضُرب بعضهم بالسياط وأخرج العلوي هو وجمع من آل أبي طالب إلى العراق في شهر رمضان. ومات المتوكل في شوّال فقام من بعده ابنه محمد المستنصر فورد كتابه إلى مصر بأن لا يقبل علويّ ضيعة ولا يركب فرسًا ولا يسافر من الفسطاط إلى طرف من أطرافها وأن يمنعوا من اتخاذ العبيد إلا العبد الواحد ومن كان بينه وبين أحد من الطالبيين خصومة من سائر الناس قبل قول خصمه فيه ولم يطالب ببينة وكتب إلى العمال بذلك ومات المستنصر في ربيع الآخر وقام المستعين فأخرج يزيد ستة من الطالبيين إلى العراق في رمضان سنة 250هـ ثم أخرج ثمانية منهم في رجب سنة 251هـ. وفي إمارة هارون بن خمارويه بن أحمد بن طولون أنكر رجل من أهل مصر أن يكون أحد خيّرًا من أهل البيت فوثبت إليه العامّة فضرب بالسياط يوم الجمعة في جمادى الأولى سنة 285هـ. وفي صفر سنة 365هـ جلس عليّ بن النعمان القاضي بجامع القاهرة المعروف بالجامع الأزهر وأملى مختصر أبيه في الفقه عن أهل البيت ويعرف هذا المختصر بالاقتصار وكان جمعًا عظيمًا وأثبت أسماء الحاضرين. ولما تولى يعقوب بن كلس الوزارة للعزيز بالله نزار بن المعز رتب في داره العلماء من الأدباء والشعراء والفقهاء والمتكلمين وأجرى لجميعهم الأرزاق وألف كتابًا في الفقه ونصب له مجلسًا وهو يوم الثلاثاء يجتمع فيه الفقهاء وجماعة من المتكلمين وأهل الجدل وتجري بينهم المناظرات وكان يجلس أيضًا في يوم الجمعة فيقرأ مصنفاته على الناس بنفسه ويحضر عنده القضاة والفقهاء والقراء والنحاة وأصحاب الحديث ووجوه أهل العلم والشهود فإذا انقضى المجلس من القراءة قام الشعراء لإنشاد مدائحهم فيه وجعل للفقهاء في شهر رمضان الأطعمة وألف كتابًا في الفقه يتضمن ما سمعه من المعز لدين اللّه ومن ابنه العزيز باللّه وهو مبوب على أبواب الفقه يكون قدره مثل نصف صحيح البخاريّ ملكته ووقفت عليه وهو يشتمل على فقه الطائفة الإسماعيلية وكان يجلس لقراءة هذا الكتاب على الناس بنفسه وبين يديه خواص الناس وعوامّهم وسائر الفقهاء والقضاة والأدباء وأفتى الناس به ودرّسوا فيه بالجامع العتيق وأجرى العزيز باللّه لجماعة من الفقهاء يحضرون مجلس الوزير ويلازمونه أرزاقًا تكفيهم في كلّ شهر وأمر لهم ببناء دار إلى جانب الجامع الأزهر فإذا كان يوم الجمعة تحلقوا فيه بعد الصلاة إلى أن تـُصلّى صلاة العصر وكان لهم من مال الوزير أيضًا صلة في كلّ سنة وعدّتهم خمسة و ثلاثون رجلًا وخلع عليهم العزيز بالله في يوم عيد الفطر وحملهم على بغال. وفي شهر ربيع الأوّل سنة 385هـ جلس القاضي محمد بن النعمان على كرسي بالقصر في القاهرة لقراءة علوم أهل البيت على الرسم المتقدّم فمات في الزحمة أحد عشر رجلًا. وفي جمادى الآخرة من هذه السنة فتحت دار الحكمة بالقاهرة وجلس فيها القرّاء وحُملت الكتب إليها من خزائن القصور ودخل الناس إليها وجلس فيها القرّاء والفقهاء والمنجمون والنحاة وأصحاب اللغة والأطباء وحصل فيها من الكتب في سائر العلوم ما لم يُر مثله مجتمعًا وأجرى على من فيها من الخدّام والفقهاء الأرزاق السنية وجُعل فيها ما يُحتاج إليه من الحبر والأقلام والمحابر والورق. وما برح حتى قدمت عساكر الملك العادل نور الدين محمود بن زنكي من دمشق عليها أسد الدين شيركوه وولى وزارة مصر للخليفة العاضد لدين اللّه أبي محمد عبد اللّه بن الأمير يوسف بن الحافظ لدين اللّه ومات فقام في الوزارة بعده ابن أخيه السلطان الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب في جمادى الآخرة سنة أربع وستين وخمسمائة وشرع في تغيير الدولة وإزالتها وحجر على العاضد وأوقع بأمراء الدولة وعساكرها وأنشأ بمدينة مصر مدرسة للفقهاء الشافعية ومدرسة للفقهاء المالكية وصرف قضاة مصر الشيعة كلهم: وفوّض القضاء لصدر الدين عبد الملك بن درباس المارانيّ الشافعيّ فلم يستنب عنه في إقليم مصر إلا من كان شافعيّ المذهب فتظاهر الناس من حينئذ بمذهب مالك والشافعيّ واختفى مذهب الشيعة والإسماعيلية والإمامية حتى فقد من أرض مصر كلها وكذلك كان السلطان الملك العادل نور الدين محمود بن عماد الدين زنكي بن آق سنقر حنفيا فيه تعصب فنشر مذهب أبي حنيفة رحمه اللّه ببلاد الشام ومنه كثرت الحنفية بمصر وقدم إليها أيضا عدة من بلاد الشرق وبنى لهم السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب المدرسة السيوفية بالقاهرة ومازال مذهبهم ينتشر ويقوى وفقهاؤهم تكثر بمصر والشام من حينئذ. وأما العقائد فإن السلطان صلاح الدين حمل الكافة على عقيدة الشيخ أبي الحسن عليّ بن إسماعيل الأشعريّ تلميذ أبي علي الجبائيّ وشرط ذلك في أوقافه التي بديار مصر. فاستمرّ الحال على عقيدة الأشعري بديار مصر وبلاد الشام وأرض الحجاز واليمن وبلاد المغرب أيضًا لإدخال محمد بن تومرت رأي الأشعريّ إليها حتى أنه صار هذا الاعتقاد بسائر هذه البلاد بحيث أن من خالفه ضرب عنقه والأمر على ذلك إلى اليوم ولم يكن في الدولة الأيوبية بمصر كثير ذكر لمذهب أبي حنيفة وأحمد بن حنبل ثم اشتهر مذهب أبي حنيفة وأحمد بن حنبل في آخرها. فلما كانت سلطنة الملك الظاهر بيبرس البندقداريّ ولي بمصر والقاهرة أربعة قضاة وهم شافعيّ ومالكيّ وحنفيّ وحنبليّ. فاستمرّ ذلك من سنة 665هـ حتى لم يبق في مجموع أمصار الإسلام مذهب يعرف من مذاهب أهل الإسلام سوى هذه المذاهب الأربعة وعقيدة الأشعري وعودي من تمذهب بغيرها وأنكر عليه ولم يولّ قاض ولا قبلت شهادة أحد ولا قدّم للخطابة والإمامة والتدريس أحد ما لم يكن مقلدًا لأحد هذه المذاهب وأفتى فقهاء هذه الأمصار في طول هذه المدّة بوجوب اتباع هذه المذاهب وتحريم ما عداها والعمل على هذا إلى اليوم. انتهى النقل عن المقريزي. هذه هي الطريقة التي انتقلت إلينا من خلالها تلك التراتبية الرباعية المذهبية ولله در المقريزي حينما قال (حتى لم يبق في مجموع أمصار الإسلام مذهب يعرف من مذاهب أهل الإسلام سوى هذه المذاهب) وهو كلام العارف الخبير بأنها جميعها مذاهب في إطار الإسلام ولا يمكن أن تكون خارجة عنه. مشكلة الأعراق: الوجه الآخر لأزمة العالم الإسلامي وإذا كان العالم الإسلامي قد فشل في التعامل المنطقي مع أزمة التباين المذهبي فلا شك أنه كان أكثر فشلا في معالجة مأساة الأقليات العرقية مثل مأساة الأكراد شرقا والأمازيج غربا. من الناحية النظرية البحتة ما كان يتعين أن يكون لهذه الأزمة وجود في إطار منظومة الفكر الإسلامي التي قامت على أساس المساواة بين البشر (كلكم لآدم وآدم من تراب) (إن أكرمكم عند الله أتقاكم) و(لا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى) إلا أن الانفصام المزمن بين المبادئ الإسلامية السامية والممارسات اليومية للنظم السياسية الحاكمة في العالم الإسلامي أدت إلى ظهور الأيديولوجيات القومية في إطار عنصري يسعى لتغليب عرق من الأعراق حتى ولو كانت أصالته العرقية موضع شك وتساؤل على بقية الأعراق وها نحن الآن وقبل الآن نرى المتلاسنين السياسيين في بلد مثل العراق يسعون لتأجيج هذه الصراعات فيسمون خصومهم المذهبيين والسياسيين تارة بالفرس وتارة أخرى بالصفويين ويسعون لحصر الشرف والنقاء في ذواتهم السياسية أو المذهبية الضيقة وتلك لعمر اله قاصمة الظهر. الدين الإسلامي العظيم الذي قرر قاعدة المساواة بين البشر أصبح الآن مبتلى بأناس يرون أنفسهم دوما فوق الجميع من دون أن يقدموا دليلا أو برهانا واحدا على استحقاقهم لهذه الفوقية الأخلاقية المدمرة لهم ولمجتمعاتهم والتي كلفتهم العديد من الحروب والمشاريع الفاشلة والتي لا تختلف شيئا عن هذا الذي أعجبته نفسه (وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا * وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَن تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا * وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِن رُّدِدتُّ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِّنْهَا مُنقَلَبًا) الكهف (34- 36). أزمة الأقلية أم الأكثرية أم أزمة سياسية؟؟ المتأمل لأوضاع العالم الإسلامي الراهنة يرى أنها تراوح مكانها الذي كانت فيه منذ تلك العصور الغابرة والمتغير الفوقي لا يواكب على الإطلاق تلك المتغيرات المتسارعة التي جرت وسيجري المزيد منها في البناء الأساسي التحتي لتلك المجتمعات. البناء التحتي هو أس البناء!!. وعلى سبيل المثال فإن التواجد الشيعي في أغلب بلدان العالم العربي لا يمثل ظاهرة غير مسبوقة في هذه المجتمعات بل هو قديم قدم هذا التاريخ الذي عرضنا جانبا منه فيما سبق من سطور. وكان على المعنيين بالأمر ألا يكرروا نفس الأخطاء التي مارسها من سبقهم وقادت الجميع إلى اللحظة الراهنة بكل ما فيها من محن ومصائب وأزمات. ما هو الفارق الجوهري بين ورقة الأقليات التي حاول نابليون أن يستثمرها إبان الغزو الفرنسي نهاية القرن الثامن عشر ونفس الورقة التي يسعى الغرب الآن لاستثمارها والإفادة منها بغزو أو بدون غزو مع فارق جوهري هو أن اقتصادنا وثقافتنا بل وجيوشنا تعتمد الآن على هذا الغرب وهو ما لم يكن قائما قبل مائتي عام. أوضاعنا الراهنة: الآن يبدو واضحا كم العيوب والمثالب التي أفرزتها سياسة صناعة الأقليات في عالمنا الإسلامي وهي عيوب تتضاءل إلى جوارها كل المكاسب التي أحرزها القوم في مرحلة من مراحل التاريخ. أحد هذه العيوب والمثالب هو فتح الباب أمام التدخل الأجنبي بذريعة الحفاظ على الحريات الدينية ومنع انتهاك حقوق الإنسان. وعلى الذين يلومون من يحتمي بالأجنبي أن يسألوا أنفسهم لماذا تخلى الوطن عن حمايتهم بل ولجأ إلى مطاردتهم من دون جرم ارتكبوه إلا اختلافهم في الرأي والمذهب مع الاتجاه السائد في أوطانهم. هاهو عراق الأمة العربية الإسلامية الجريح شاهد على ذلك الجرح الذي ينزف دما من دون أن يقدم أحد مبادرات تتلاءم مع حجم الفاجعة التي يعاني منها الجميع بمن فيهم أولئك الذين يتلذذون برؤية دماء إخوانهم تسيل أنهارا من دون أن يكون لديهم أي رغبة في صنع شيء لوقفها. سمعنا ولا زلنا نسمع تلك الاتهامات المتبادلة عن الطائفية من دون أن يشرح لنا هؤلاء ماذا يقصدون بالطائفية؟؟. هل يعد احترام الحق في ممارسة الخصوصية الثقافية نوعا من الطائفية؟؟. هل يعد الحصول على الحق في تمثيل سياسي عادل ومتكافئ بغض النظر عن اللون أو العرق أو الدين والمذهب نوعا من الطائفية؟!. ومتى نسمع تعريفا لتلك التي يسمونها طائفية أو حتى اتهامات أكثر وضوحا من تلك الاتهامات الهلامية؟؟. ومتى كان سعي البعض لمواجهة المخالفين في المذهب من شركاء الدين والعقيدة عملا غير طائفي يمكن تسويقه أو الدفاع عنه مهما كانت المبررات والدوافع.؟؟!! الآن بدا واضحا أن سياسة صنع الأقلية ومحاربتها من خلال أغلبية مصنوعة تحميها مجموعة من القوانين وإجراءات الحماية لم تعد ذات جدوى تماما كما لم تعد سياسات الحماية ذات جدوى في مجال التجارة والاقتصاد كما أصبح واضحا ألا بديل عن أسلوب الحماية النشط للدين والثقافة والمذهب والأفكار بعد أن سقطت وتلاشت وانهارت كل الحواجز الحدودية في مواجهة الفضائيات والشبكة الدولية للمعلومات. الأمر ليس قاصرا بحال من الأحوال على الجدل المذهبي الدائر بين أبناء أمة الإسلام فهناك الآن جدل نشط يدور بين الديانات. في عالم الفكر كما في عالم الاقتصاد ولن يكون البقاء إلا للأصلح والأقدر على المواجهة والصمود والثبات ومقارعة الحجة بالحجة لا بالشتائم والصراخ وا إسلاماه والإسلام في خطر وصادروا هذا الكتاب واقتلوا هذا المؤلف!!. الحاجة الملحة إلى مصالحة مع الذات يعلم الجميع أن النار تأتي من مستصغر الشرر وأن السرطان الذي يقضي على حياة الإنسان يبدأ بخلية واحدة وأن أمراض المناعة الذاتية التي تدمر الجسد الإنساني تبدأ هي الأخرى بهذه الطريقة. فما بالنا نستخف بهذا الكم من الشرر والنيران الذي يحيط بنا من كل جانب والذي يهددنا بحرائق في كل مكان لا تبقي ولا تذر لواحة للبشر. المصالحة مع الذات لا تعني تلك المصالحات الفوقية التي يبرمها البعض هنا وهناك وإنما التعامل بواقعية أخلاقية مع الآخر المسلم وتكريس قاعدة الأخوة الإسلامية وتضييق المساحة المتاحة أمام هواة زرع الفتن وبث الشقاق وإشعال الحروب بين أبناء الأمة الواحدة وهم الذين لا يختلفون كثيرا عمن ذمهم الله تعالى بقوله (كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله ويسعون في الأرض فسادا والله لا يحب المفسدين). أيها السادة لم نعد في حاجة إلى مزيد من المجاملات التي لا تغني ولا تسمن من جوع. أيها السادة لقد تدهورت أوضاعنا وتردت وتقلصت مساحة الاجتهاد العقلي والفكري بسبب تلك السدود المضروبة بين المذاهب والأفكار. الأمم لا تحميها حواجز ولا مدرعات بل تحميها عقول أبنائها الواعية والمتفتحة والمستنيرة والتي تربت على الحوار والجدال بالتي هي أحسن.