دور العالم الاسلامي في دعم قضايا المسلمين في الاقطار غير الإسلاميّة وحلّ مشاكلهم (دور منظمة المؤتمر الاسلامي والمؤسسات الاسلامية) الشيخ مصطفى أحمد سيسي الأمين العام لاتحاد الجمعيات الاسلامية- السنغال مقدمة: بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على سيد البشرية ونبي الرحمة سيدنا محمد(ص)، وعلى آله الأخيار، وصحبه الأبرار . يشرفني أن أعبر عن أسمى آيات التقدير والعرفان للدولة الاسلامية الإيرانية، على الجهود المتضافرة التي مازالت تبذلها منذ قيام الثورة الاسلامية العارمة عام 1979م، من أجل وحدة المسلمين رغم اختلاف جنسياتهم وانتماءاتهم العرقية والسياسية. وفي هذا الصدد، أُسس «المجمع العالمي لتقريب المذاهب الإسلامية» للوقوف سدّاً منيعا أمام التيّارات العقائدية والسياسيّة المعادية للدين الإسلامي الحنيف، والتي تسعى إلى تفرقة المسلمين منتهجة في ذلك المبدأ الاستعماري «فرّق تسدْ». إنـّنا في إفريقيا نتابع بكلّ اهتمام ما تقوم به إيران الشقيقة لحماية كرامة الإسلام والمسلمين على الصعيد العالمي، ونقدّر خدماتها الجليلة في مناصرة قضايا الأمّة من أجل إقرار السلام في جميع أنحاء المعمورة، طبقا للمبادئ الإسلامية السمحة، التي تدعو إلى التعايش السلمي والتعاون بين جميع أبناء البشرية: )يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ( (الحجرات:13). بالإضافة إلى ذلك فإنّ المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية، يتـّخذ مبادرات مفيدة لتمكين اللقاء والحوار بين المجموعات الإسلامية، للقضاء على المفارقات بينها، ولإقرار التوافق والتقارب بينها حول الأهداف السامية المشتركة. ومن هنا يأتي هذا (المؤتمر الدولي للوحدة الإسلامية) بهذا العنوان الهام: «المسلمون في الأقطار غير الإسلامية: حقوقهم، واجباتهم، مشاكلهم وحلولها» إن هذا العنوان يشمل جميع المسائل التي تمتّ إلى حياة الأمة بصلة، وحاجتها إليها ماسّة. لذا علينا – كقيادات إسلامية – أن نعمل دائما في جدّ على حماية الإسلام والمسلمين في كل مكان، خاصّة في هذا العصر الذي يتعرّض فيه هذا الدين لهجمات شرسة من قبل الذين يناصبون العداء لهذه الأمة الإسلامية. فمنذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001م في نيويورك تضافرت جهود قادة الغزو الفكري في سعي حثيث إلى تحطيم الثقافة الإسلامية، وإلى شنّ حرب شاملة على ما أسموه بـ «الإرهاب»، دون أن يفرّقوا في هذه المعركة الغاشمة بين العنف والتطرف وبين الدفاع عن الحقّ ومطالبة العدالة. أيّها العلماء الأفاضل، وحماة الدين الحنيف، وقادة الأمة الإسلامية! إنّني اخترت أن أتناول في هذه الورقة موضوعا من «المحور الرابع: التفاعل بينها وبين العالم الإسلامي» بعنوان: (الدور الذي يمكن أن يلعبه العالم الاسلامي في دعم قضاياها وحلّ مشاكلها» ودور منظمة المؤتمر الإسلامي والمؤسّسات الإسلامية في دعم الأقليات والجاليات). توطئة: يجب أن نكون على تصوّر كامل للأوضاع التي يعيشها إخواننا المسلمون في الأقطار غير الإسلامية للقيام بالواجب حيالها. وتتلخّص هذه النقطة في أنّ المسلمين في الأقطار غير الإسلامية تزداد حالتهم سوءاً وتعقيدا منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر في نيويورك، وقد اتّخذت بعض الدول والمؤسّسات تلك الأحداث ذريعة لمحاربة الدين الإسلامي الحنيف، وبالتالي فإن المسلمين في بعض الدول الغربية يعانون من حالات القمع والتعسف في مجال الأمن والإعلام، فيفقد بعضهم أدنى حقوقهم في الحرية وفي ممارسة طقوسهم الدينية علنا: بحيث تغلق المساجد وتمنع التجمعات العامة، ويجلى الأئمة الأجانب، ويمنع حجاب المرأة المسلمة. في سياق محاربة الإسلام على مستوى بعض الجهات الغربية: تختص بعض مؤسّساتها في شنّ هجمات شرسة ضدّ الإسلام والمسلمين، فتعمل بوسائلها الإعلامية لتشويه صورة الإسلام، بوصف رجاله بالعنف الهمجي والتطرف، وبتصوير مبالغ للنزاعات في العالم الإسلامي، وبذلك تحكم على الإسلام وتقدمه كدين معادٍ للقيم الإنسانية. وهناك أيضا هجمات فكرية: يحاول فيها قادة الغزو الفكري تشويه صورة الإسلام بإصدار كتب ومنشورات بلغات مختلفة، والتهجّم على الحضارة الإسلامية.. والخطر الفادح في توزيع هذه الكتيبات والمنشورات على نطاق واسع، ويبلغ الخطر مداه في ترجمة هذه المؤلفات في لغات الأقليّات المسلمة لإدخال الشكوك والريب في نفوسهم، ويزيد الطين بلّة إذا كانت ثقافتهم الإسلامية ضئيلة وسطحيّة، كما عليه غالبيتهم. علما بأن الكتاب المقدس Bible – مثلا – مترجم في كثير من اللغات المحليّة الإفريقيّة، وترجمة القرآن الكريم مازالت تخطو خطوات بطيئة في هذا النطاق. وما دام لا ينقص العالمَ الإسلاميَّ كتـّاب ولا مفكّرون وأدباء، وهم يستطيعون أن يواجهوا هذه الهجمات الفكرية بمثلها مع كل أمانة علمية ورؤية واضحة، في مراجعة ودراسة تلك المنشورات من الكتـّاب الغربيّين ثم انتقادها لفضّ غبار الشبهات عن حقيقة هذا الدين الحنيف. وهذا الدور واجب على عاتق كل مسلم ومؤسّسة يعمل من أجل تطبيق هذه الآية الكريمة: )إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ (. ولكنّ موضوعي في هذه الورقة ينحصر في «دور منظمة المؤتمر الإسلاميّ والمؤسّسات الإسلاميّة تجاه هذه الأقليّة المسلمة». دور منظمة المؤتمر الاسلامي إن هذه المنظّمة خرجت إلى حيز الوجود غداة انتهاك حرمات الله سبحانه وتعالى بحرق المسجد الأقصى، وذلك منذ قرابة سبعة وثلاثين عاما، وكان هدفه الأساسي يكمن في الدفاع عن الحقّ المشروع للشّعب الفلسطيني وتحرير القدس الشريف وتحقيق مكاسب الأمّة الإسلاميّة، والاهتمام بالأقليّات الإسلاميّة عبر العالم والقيام برعايتها. بناء على هذا، فإن منظّمة المؤتمر الإسلامي في نطاق سعيها السياسي الحثيث على مستوى المحافل الدولية والإقليمية واتـّصالاتها بدول العالم، عليها أن تهتم في كلّ أعمالها بأمور الأقليّات الإسلامية المتواجدة في البلاد غير الإسلاميّة، وذلك: 1. بضمان الإقامة الرسمية لأبناء هذه الأقليّات ومطالبة حقوقهم السياسية والاجتماعية في حرية أداء واجباتهم الدينية. 2. بتعزيز التواصل بين القادة المسلمين في الأقطار غير الإسلاميّة والأمانة العامة للمنظمة، كي يكونوا على علم بسير هذه المنظمة وبقراراتها على مستوى القمّة واجتماع وزراء الخارجية. 3. بتوجيه دائرة الأقليّات الإسلامية في الأمانة العامة للمنظمة، كي تبذل باستمرار جهودا متضافرة في إقرار علاقات أخوية بين الأقليّة المسلمة وبين إخوانهم في مختلف الجمعيات والمؤسسات الإسلامية الدولية، ليشاركوا في جميع المؤتمرات والندوات الإسلامية الدوليّة. وهذا يطمئنهم ويقوّي في قلوبهم مشاعر الاعتزاز بهذا الدين الحنيف. 4. بتوفير الوسائل الإعلامية الإسلامية في بلادهم، ليكونوا على وعي بالثقافة الإسلامية من جهة، ولتصحيح الصورة المشوّهة للعالم الاسلامي من قبل وسائل الإعلام الغربية، وللرد على المفاهيم الخاطئة الاستشراقية في التاريخ الإسلامي، ولدعوة غيرهم إلى هذا الدين الذي أنزل رحمة للعالمين. 5. بتشجيعهم على إيجاد مؤسسات للتربية والتعليم، كالجامعات والكليّات والمعاهد الإسلاميّة، التي لا شكّ تؤدّي أكبر دور في مواجهة التيارات الفكرية الهدّامة. 6. بإصلاح النزاعات التي تواجه الأقليّة المسلمة بينها وبين حكومتها من جهة، وبينها وبين الطوائف الدينية الأخرى، لأن للمنظمة صلاحيات دبلوماسيّة أكبر على الصعيد العالمي. 7. بتوفير الإمكانيات اللازمة لتمويل مشاريعهم الخاصة، كي تكون لهم مشاركة في الحركة التنموية لبلادهم، ولا يهينوا أنفسهم بمدّ أيديهم إلى مؤسّسات غير إسلاميّة في بلادهم. 8. بمساعدة ضعفائهم والمنكوبين منهم، كي لا نترك هذا الباب فرصة سانحة للذين ينتهزونه في إغراء المسلمين باعتناق الأديان المنحرفة. 9. بتشجيع المجموعات الإسلاميّة، في الأقطار غير الإسلاميّة، على تأسيس جمعيّات ثقافية اجتماعيّة تمكّنهم من التعارف والتضامن فيما بينهم، ومن الدفاع عن حقوقهم في مراعاة واحترام قوانين الدول التي يقيمون فيها. 10. بإقامة المؤتمرات الدولية والقمم الإسلامية في الأقطار غير الإسلاميّة، وفي ذلك تعزيز لموقفهم ونفوذهم في بيئتهم، وينمّي ذلك في نفوسهم روح التضامن والتعاون مع سائر إخوانهم المسلمين. دور المؤسّّسات الإسلامية أما المؤسّسات الإسلامية فعليها عملا بأوامر الله سبحانه وتعالى: ) وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ( (المائدة:2). أن تعمل في برامجها على تحقيق مثل هذه المقترحات: 1. إيجاد علاقات أخوية وتعاونية بين الأقلية المسلمة وسائر المؤسسات الإسلامية في العالم الإسلامي، لإدماجهم في برامج ثقافية واجتماعية مشتركة. 2. مدّ يد العون إلى إخوانهم المسلمين في الأقطار غير الإسلامية، ولو بقبول أبنائهم في المدارس والمعاهد التابعة لتلك المؤسسات الإسلاميّة، وفي هذا الصدد فإنـّنا ، مستعدّون لقبول عدد من أبناء المسلمين في فرع كليّة الدّعوة الإسلاميّة عندنا في السنغال. 3. تزويد المعاهد التربوية والتعليمية في الأقطار غير الإسلامية بالكتب المدرسية، والأساتذة الوافدين، كي يكون ذلك دفعا لعجلة نشر التعاليم الإسلامية التي يحتاج إليها شبابهم، وما أحوجهم إليها في مثل هذه الظروف الراهنة. 4. توجيه المسلمين في الأقطار غير الإسلامية إلى إيثار المصالح العامة على المصالح الذاتية، لأن أنانية قادتهم ستعرقل بلا شكّ تقدّم مؤسساتهم الخاصة بهم. 5. توعية المسلمين في تلك الأقطار بالوحدة، بدلا من أن تمزقهم العصبية الطائفية أو الإقليمية، وألا يكون بينهم التنافس كما هو الحال في بعض الأحيان، الأمر الذي يضعفهم، «فتذهب ريحهم»، ويجعلهم عرضة لأعداء الإسلام. وبوحدتهم وتضامنهم يستطيعون أن يؤدّوا دورا سياسيّا واجتماعيّا على مستويات مختلفة، وعلى سبيل المثال: المسلمون في فرنسا خاصة وفي بعض البلدان الأوروبية عموما أصبحوا يشاركون في الأحزاب السياسية وفي الانتخابات، وعليه فإن بعضهم يدخلون في المجالس البلدية وحتى البرلمان. 6. تنظيم المحاورات بين الأديان في الأقطار غير الإسلامية، ونرمي من ذلك هدفين؛ ابراز الوجه الحقيقي للاسلام للاقليات المسلمة وبذلك ترفع الشبهات التي تولدت لديهم في اوطانهم. ومن جهة أخرى فإنهم يقفون في مثل هذا الحوار على تناقضات الأديان المنحرفة، التي يُغذون بها يوميّا في بلادهم غير المسلمة. 7. تشجيعهم على السياحة في دول العالم الإسلامي، ليقفوا على حقائق الحياة الاجتماعية مع المسلمين، ولتتوطد الرابطة الأخوية، وليتثقفوا بوقوفهم على الآثار التاريخية التي تعدّ أهم تراث للحضارة الإسلامية والحضارة الإنسانيّة. خاتمة ولن أختتم إلا أن أقدم شكري الجزيل للمجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية على إشرافه على هذا المؤتمر، وعلى مساعيه المشكورة في خدمة الأمة الإسلامية التي تمر حاليا بأكبر تحدياتها الداخلية في تمزيق صفوفها، وتشتت اتجاهات رجالها، وتحدياتها الخارجية التي لا يمكن أن نقاومها إلا بوحدة الأمة الإسلامية التي تمكننا من أن نعمل قلبا واحدا ويدا واحدة، لإعلاء كلمة الله في كل مكان، والتغلب على الصعوبات والعراقيل التي تهدد مستقبل هذه الأمة. وأرجو من المؤتمر الدولي للوحدة الإسلامية تعميم قرارات هذا اللقاء الأخوي على جميع المستويات، حتى يتحصل عليها المسلمون في الأقطار غير الإسلامية، ليبذلوا قصارى جهودهم في تطبيقها. وكذلك أبدي عرفاني لجميع المؤسسات الإسلامية التي تؤدي دورها للمسلمين في العالم، ولا داعي لذكر أسمائها هنا، ولكن لا يخفى علينا إنجازات كثير منها، وخاصة تلك التي تمثلها مكاتبها في كثير من الدول الإسلامية، أو تصل مساعداتها إلى الأقلية الاسلامية في أقصى ديار المجتمع الدولي. وأبوح بتقديري الكبير لكل ما تقوم به منظمة المؤتمر الإسلامي من مساعٍ مشكورة في دعم المسلمين كافة، وما هذه المقترحات التوجيهية التي تضمنتها هذه الورقة إلا تشجيعا لها ولعامليها، لأن المسؤولية كبيرة، والسبيل إليها وعر، ولكن الذي يطمئنني على نجاحنا في هذه المسيرة أن للعالم الإسلامي رجالا من ذوي الكفاءات، وإمكانيات هائلة، فنحتاج إلى مزيد من الإخلاص والحرص على أداء مسؤوليتنا تجاه الأمة الإسلامية. وأخيرا، أرجو لهذا اللقاء الأخوي التوفيق والنجاح، وآمل من المؤتمر تكرار مثل هذه اللقاءات التي تتيح الفرصة للأمة الإسلامية أن تقوم بواجباتها، من أجل الوقوف على الدفاع عن هذا الدين الذي جاء لإنقاذ البشرية من الوحشية العصبية إلى الوحدة الإنسانية جمعاء.