التكفير في ميزان القرآن والسنة أ. شيخ تاج الدين الهلالي مفتي أستراليا ان شهادة التوحيد كانت و مازالت هي الفيصل بين الايمان والكفر، فعندما يشهد العبد الله بالوحدانية ويشهد لمحمد(ص) بالرسالة، فانه يكون من أتباع دين الاسلام، وبقية أركان الايمان انما هي متفرعة من هذين الاصلين. ولقد استحدث المسلمون أصولا وقواعد وتفريعات، بنوا عليها أصول مذاهبهم، وفرقهم تحكم بها على إسلام وإيمان من اعتقدها ودان بها، وتشهر سيف التكفير والاخراج من ملة الاسلام لمن خالفها. والغريب أن الحكم بتكفير المسلم يعتمد على علم أسموه علم التوحيد فنجد لكل فرقة أو طائفة أو جماعة توحيداً خاصا بها، ولو أن المسلمين اكتفوا بالتوحيد النبوي الحنيف المتخلق بأخلاق القرآن الكريم دون فلسفات يونانية، او هرطقات عقلية، أو جدليات كلامية، لما وصل حالهم الى ما صار اليه. الاحكام المترتبة على تفكير المسلم ان الجرأة على تكفير المسلم كفراً يخرجه من المللة يترتب عليه ما يلي: 1 – قطعاً انه مطرود من رحمة الله. 2 – وانه مخلد في النار. 3 – وجوب التفريق بينه وبين زوجه اذ أن المسلمة يحرم عليها أن تبقى في عصمة كافر بالاتفاق. 4 – وأن أبناءه بعد كفره هم أبناء سفاح لبطلان العصمة الزوجية. 5 – خروج الأولاد عن ولايته فلا ولاية لكافر. 6 – استحلال دمه. 7 – محاكمته أمام القضاء الاسلامي لاستتابته أو اقامة حكم الردة عليه. 8 – امتناع التوارث بينه وبين أقاربه فلا يرث ولايورث. 9 – اذا مات لا يغسل ولا يصلى عليه. 10 – لا يدفن في مقابر المسلمين. 11 – انه فقد الولاية والنصرة من المجتمع الاسلامي، فتجب مقاطعته . 12 – لا يدعى له بالرحمة ولا يستغفر له. فالكفر حق الله ورسوله، فلا كافر الا من كفره الله ورسوله. أقسام الكفر: كما أن الايمان له شعب ودرجات، فان الكفر أيضا له شعب وأقسام. فالكفر قسمان: الكفر الأكبر: الذي يخرج من الملة، وهو الذي يوجب الخلود في النار – والعياذ بالله – قال تعالى: (تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ) (البقرة:253) (اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) (البقرة:257) (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ) (البينة:6). وهذا الكفر خمسة أقسام: 1 – كفر التكذيب: اعتقاد كذب الرسل. 2 – كفر الإباء والإستكبار: كفر إبليس. 3 – كفر الإعراض: بأن يعرض بسمعه و قلبه عن الرسول(ص) فلا يصدقه ولا يكذبه و لايواليه ولايعاديه. 4 – كفر الشك: بأن لا يجزم بصدق الرسول (ص) ولا يكذبه بل يشك في أمره. 5 – كفر النفاق: وهو أن يظهر بلسانه الايمان. ويسر الكفر في قلبه (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ) (البقرة:8) القسم الثاني الكفر الأصغر: وهوكفر دون كفر موجب لاستحقاق الوعيد دون الخلود في النار ويتناول جميع المعاصي والكبائر دون الشرك بالله لان الطاعات تسمى ايمانا. والمعاصي تسمى كفراً قال تعالى: (إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً) (الانسان:3) (وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ) (لقمان:12) (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) (النحل:18) . ان كلمة التوحيد من أعظم ما يكرم الله تعالى به العبد وقد وردت نصوص نبوية تؤكد أن من قال لا اله الا الله خالصا من قلبه دخل الجنة، بالاقرار بها ثقلت موازين العبد وطاشت السجلات التسعة والتسعون فلا يثقل مع اسم الله شيء. نصوص نبوية يرد فيها لفظ الكفر ويراد به الكفر الأصغر: وقد وردت نصوص نبوية للوعيد والترهيب والنهي عن بعض المعاصي، ولكن يراد بها الكفر الاصغر ومن ذلك: 1 – البخاري: ان رسول الله (ص) قال: لا ترغبوا عن آبائكم فمن رغب عن أبيه (أي وهو يعلم) فهو كافر. 2 – وقال: ليس من رجل ادعى لغير أبيه وهو يعلمه الا كفر. 3 – قال النووي: ان ذلك في حق من استحله، أو أنه كفر النعمة والاحسان. 4 – حديث النساء: أنهن يكفرن العشير. 5 – حديث: من حلف بغير الله فقد أشرك. 6 – لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض. 7 – سباب المسلم فسوق وقتاله كفر. بدليل قوله تعالى: (وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا) (الحجرات:9) فقد سماهما الله مؤمنين. 8 – اذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار، قالوا هذا في حق من يستحله. 9 – اثنان في الناس هما بهما كفر: الطعن في النسب والنياحة على الميت. أي هما من أعمال الكفر، وهما موجودتان في الناس كقوله(ص) لأبى ذر: - عندما قال لبلال: رضي الله عنهما يا ابن السوداء – (انك امرؤ فيك جاهلية). 10 – ليس منا من أستبرأ من بول. 11- من غشنا فليس منا. 12 – ليس منا من دعا الى عصبية.. الحديث. 13 – من أتى امرأة في دُبُرها فقد كفر بما أنزل على محمد. 14 – من أتى كاهنا أو عرافا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد. ولذلك بوب الامام البخاري لمثل هذه الاحاديث: بعنوان باب كفران العشير – وكفر دون كفر. والدليل على عدم الكفر المخرج من الملة بهذا المعاصي قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً) (النساء:48). وحديث الشفاعة: شفاعتي لاهل الكبائر من أمتي وهي اخراج اهل التوحيد من النار. ويتناول هذا التقسيم (الظلم – والفسق) فيكون فيها الاكبر والاصغر وظلم دون ظلم. وفسوق دون فسوق، كما يكون في أقسام الكفر. التحذير من التفكير بسبب المعصية وان كانت كبيرة يقول الاستاذ: (محمد السعدي) في كتابه (التكفير في ميزان القرآن و السنة): ان تكفير الناس لا يصلحهم ولا يحل مشاكلهم ولايعيدهم الى جادة الصواب. بل على النقيض من ذلك، فهو يشوه الدين وينفر منه المسلمين والناس أجمعين، ويعين الشيطان على اغوائهم بعد تيئيسهم. فالغريق ليس بحاجة الى من يقول له: انت غريق بل هو بحاجة الى من يغالب الامواج لانقاذه أو يمد له حبل النجاة. والمريض ليس بحاجة الى من يصرخ في وجهه أنت مريض، بل هو في حاجة الى من يدله على سبيل العلاج والشفاء. والضال ليس بحاجة الى من يعنفه ويقول له: أنت ضال، بل هو في حاجة الى من يأخذ بيده الى جادة الصواب والرشاد ويهديه الى طريق الفلاح والنجاة. ان كل معصيةترتكب مع وجود الايمان والتصديق يرجى أن يغفر لصاحبها بالتوبة والاستغفار، وسعة رحمة الله تعالى. وان هذه المعاصي لا تهدم ايمان الموحدين، ولا تخرجهم عن الملة والدين. اذ لو كانت المعاصي كفرا لكان المسلمين كفارا، لانه لا يخلو أحد من المعاصي، فكل بني آدم خطاء. ولو كانت المعاصي كفرا لكانت كلها ردة يستحق مقترفها عقوبة الردة، ولما تنوعت عقوبات الزنا والسرقة والقذف والحرابة وشرب الخمر. ولو كانت كفرا لما قال (ص): شفاعتي لاهل الكبائر من أمتي لأن الكفار لا تنفعهم شفاعة الشافعين. ولو كانت كفراً لما أثبت الله أخوة العاصي القاتل لأولياء المقتول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ) (البقرة:178). ولو كانت المعاصي كفراً لما أثبت الله الاخوة والايمان للطائفين المقتتلتين (وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) (الحجرات:9) ولو كانت كفرا لما خاطب الله (حاطب بن أبي بلتع) بلفظ المؤمن على ما بدر منه يوم الفتح (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ) (الممتحنة:1) ولو كانت كفراً لما أمر الله بالعفو والصفح عن أولئك الذين قذفوا أم المؤمنين عائشة – رضي الله عنها – في حادثة الافك. فقال تعالى: (وَلا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (النور:22) ولو كانت المعاصي كفرا: لما نهى رسول الله (ص) عن لعن المدمن على شرب الخمر، في قصة الرجل الذي كان يلقب (حماراً) وكان يضحك رسول الله (ص)، فلما أتى به يترنح وقد شرب قال رجل من القوم: اللهم العنه ما أكثر ما يؤتي به. فقال(ص): (لا تلعنوه فوالله ما علمت الا انه يحب الله ورسوله)(رواه البخاري). اذ مثل هذا المبتلى المدمن يحتاج الى من يعينه على شيطانه ولا يعين شيطانه عليه. بدعة التكفير ترجع الى الخوارج ان الذين يكفرون المسلمين بالشبهات انما يسيرون على خطى الخوارج الذين ظهروا في جيش علي (رض) بعد معركة صفين، وبعد قبوله التحكيم الذي انتهى الى عزله وتثبيت معاوية، فخرج الخوارج على علي، واعتبروا التحكيم كفرا، وكفروا علياً الذي افتدى رسول الله بنفسه وبات في فراشه ليلة الهجرة، وكفروا كل المسلمين الذين قبلوا بالتحيكم. ثم تمادوا فكفروا كل المسلمين الذين لا يتبعون رأيهم، وكفروا كل من يرتكب ذنباً، ولم يفرقوا بين ذنب وذنب، واعتبروا الخطأ في الرأي ذنباً يخرج من الاسلام اذا خالف وجه الصواب في نظرهم، واعتبروا مخالفيهم في الرأي مشركين مخلدين في النار، يحل قتلهم، كما اعتبروا دار مخالفيهم دار حرب، واستباحوا قتل نسائهم وأطفالهم، وقتلوا المسلمين وفيهم أصحاب رسول الله (ص) كالصحابي (عبدالله بن خباب بن الأرت التيمي) الذي لقيهم وفي عنقه مصحف، ومعه امرأته وهي حامل. فقالوا: ان الذين في عنقك ليأمرنا أن نقتلك، فما تقول في أبي بكر وعمر؟ فأثنى خيراً. قالوا: فما تقول في علي قبل التحكيم وفي عثمان في ست سنين (أي السنين الأولى لخلافته) فأثنى خيراً. قالوا: فما تقول في التحكيم؟ قال: أقول: علياً أعلم بكتاب الله منكم، وأشد على دينه، وأنفذ بصيرة. قالوا: انك لست تتبع الرجال على أسمائهم، ثم قربوه الى شاطىء النهر فذبحوه وذبحوا زوجته.. وساموا رجلا نصرانيا بتمر نخلة، فقال: هي لكم. فقالوا والله ما كنا لنأخذها الا بثمن. قال: ما أعجب هذا أتقتلون مثل عبدالله ابن خباب ولا تقبلوا منا تمر نخلة!! ولقد جادلهم الامام علي (ع) وأثبت لهم خطأ معتقداتهم وأقام عليهم الحجة من فعل رسول الله (ص)، فقال لهم: ان أبيتم الا ان تزعموا اني اخطأت وضللت، فلم تقتلوا عامة أمة محمد (ص)، وتأخذونهم بخطئى، وتكفرونهم بذنوبي، سيوفكم على عواتقكم، تضعونها مواضع البرء والسقم، وتخلطون من أذنب بمن لم يذنب، وقد علمتم ان رسول الله (ص) رجم الزاني المحصن، ثم صلى عليه ثم ورثه أهله، وقتل القاتل وورث ميراث أهله، وقطع يد السارق و جلد الزاني غير المحصن ثم قسم عليهم الفىء، ونكحوا المسلمات، فأخذهم رسول الله (ص) بذنوبهم، وأقام حق الله فيهم، ولم يمنعهم سهمهم من الاسلام، ولم يخرج اسمائهم من بين أهلهم. ولاريب أن فيما قال علي (ع) الحجة القاطعة الكافية ولكن الخوارج مع الاسف أصروا على موقفهم وأخذوا بظاهر النصوص ولم يتعمقوا في فقهها وفهمهما على ضوء سنة الرسول العملية، وأخذتهم العزة بالاثم، وزين لهم الشيطان سوء عملهم، وقتلوا علياً (رض) أول من أسلم من الصبيان وابن عم رسول الله (ص)، وزوج ابنته فاطمة – رضي الله عنها – والمجاهد العظيم الذي كرس حياته للدفاع عن الاسلام ودفع حياته ثمنا لثباته على الحق. الرسول (ص) كان يعلم ولا يكفر ان دراسة سيرة الرسول (ص) تظهر بوضوح أنه لم يكفر أحداً من المسلمين في عهده رغم أنهم كانوا يخطئون و يذنبون، وبعضهم يرتكب الكبائر كسائر الخلق، فمنهم من شرب الخمر أو وقع في الزنا، أو تخلف عن القتال، أو وقع في شرك أصغر، أو قام بأعمال أو قال أقوالا ظاهرا يشبه أقوال وأعمال المشركين. وكان الرسول (ص) يعلم المخطئين، ويرشدهم ويهديهم الى جادة الصواب وطاعة الله عز وجل، بكل رفق ورحمة، وعطف وحب، وسماحة وسعة صدر. روى ان رجلاً أهدى للرسول (ص) راوية خمر فقال له الرسول (ص): أما علمت أن الله عزووجل حرمها؟ فقال الرجل: أفلا أبيعها؟ فقال النبي (ص): ان الذي حرم شربها حرم بيعها. قال الرجل: أفلا أكارم بها اليهود؟ فقال النبي(ص): ان الذي حرمها حرم أن يكارم بها اليهود. فقال الرجل: فكيف أصنع بها؟ فقال النبي(ص): شنها على البطحاء. (الحميدي في مسنده وقريب منه عند مسلم والنسائي والدارمي) وعن أبي الليثي قال: خرجنا مع رسول الله(ص) قبل حنين، فمررنا بسدرة، فقلت: يا نبي الله! اجعل لنا هذه ذات أنواط كما للكفار ذات أنواط، وكان الكفار ينوطون سلاحهم بسدرة ويعكفون عليها. فقال النبي (ص): الله اكبر. هذا كما قالت بنو اسرائيل لموسى (وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرائيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ) (لأعراف:138) انكم تركبون سنن من كان قلبكم. (أحمد وصححه الترمذي) وعن ان عباس قال: قال رجل للنبي (ص): ما شاء الله وشئت. فقال النبي (ص) أجعلتني لله نداً؟ قل ما شاء الله وحده. (النسائي وابن ماجه). نهيه(ص) عن تكفير المسلم لقد ظهرت على الساحة الاسلامية شرذمة من دعاة التكفير والتنفير يتقربون الى الله تعالى بتكفير المسلمين ويتعبدونه بلعن أئمة وعلماء الدين من أغيلمة يهرقون بما لا يعرفون. يجرؤ الواحد منهم على الفتوى قبل أن يتعلم. ولا يخاف أن يأثم. واذا أثم لا يندم. ولقد بلغت هذه الظارة من التطاول حدا لم يبلغه (الاوكليروس) في العصور الوسطى، يومئذ كان رجال الكهنوت يبيعون الجنة لمن أيدهم ويحرمونها عل من خالفهم بصكوك الغفران. ولقد نصب هؤلاء انفسهم قضاة على الناس دونما التزام لأبسط الحدود والقيود الشرعية. ودونما التفات لما كان عليه سلوك السلف الصالح من قضية التكفير. فتأمل ما ورد عن صاحب الشريعة الحنيفية السمحة يبين خطر تكفير المسلم أو رميه باللعن والزندقة. 1 – ما رواه البخاري ومسلم وغيرهما. قال (ص) (اذا قال الرجل لاخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما، فان كان كما قال: والا رجعت عليه). 2 – قوله(ص): (ما كفر رجل رجلا الاباء أحدهما بها، ان كان كافرا، والا كفر بتكفيره) (ابن حبان في صحيحه). 3 - … ولعن المؤمن كقتله، ومن رمى مؤمناً بكفر فهو كقتله، ومن ذبح نفسه بشيء عذب به يوم القيامة (متفق عليه). جاء في هامش الترغيب والترهيب تعليقا على الحديث: أي نسب اليه الخروج عن الاسلام فذنبه على ذلك مثل اعدام روحه وازهاقها. 4 - البخاري ومسلم: عن المقداد بن الاسود قال: قلت يا رسول الله رأيت إني لقيت رجلا من الكفار فاقتتلنا فضرب احدى يدي بالسيف فقطعها، ثم لاذ مني بشجرة، فقال أسلمت لله. أأقتله يا رسول الله بعد أن قالها؟ قال(ص) لا تقتله. فقلت يا رسول الله قطع احدى يدي ثم قال ذلك بعدما قطعها. فقال: لا تقتله فانه بمنزلتك قبل أن تقتله وانك بمنزلته قبل أن يقول كلمته التي قال. 5 – روى البخاري ومسلم : عن أسامة بن زيد – رضي الله عنهما – قال: بعثنا رسول الله (ص) الى الحرقة من جهينة. فصبحنا القوم على مياههم ولحق أنا و رجل من الانصار رجلا من جهينة. فلما غشينا وقال: لا اله الا الله فكف الانصار عنه. وطعنته برمحي حتى قتلته. فلما قدمنا المدينة بلغ ذلك رسول الله(ص) فقال: يا أسامة أقتلته بعدما قال: لا اله الا الله؟ قلت يا رسول الله: انما كان متعوذا. فقال: أقتلته بعد ما قال لا اله الى الله. فما زال يكررها حتى تمنيت انى لم أكن أسلمت قبل ذلك اليوم. وفي رواية قال له (ص): أفلا شققت عن قلبه حتى تعلم أقالها صدقاً أم لا؟). 6 – عن (جندب بن عبدالله قال: قال رسول الله (ص): قال رجل: والله لا يغفر الله لفلان. فقال الله عزوجل: من ذا الذي يتألى علي أن لا اغفر لفلان؟ اني غفرت له وأحبطت عملك (رواه البخاري). 7 – أخرج (ابو داود) في باب النهي عن البغي: أن رسول الله (ص) قال: كان رجلان في بني إسرائيل متآخين، فكان أحدهما يذنب والاخر مجتهد في العبادة. فكان المجتهد يرى الاخر على ذنب فيقول له أقصر، فوجده يوماً على ذنب. فقال له: أقصر. فقال العاصي: خلّني وربّي أبعثت عليَّ رقيباً؟ فقال له: والله لا يغفر الله لك (أو لا يدخلك الجنة). فقبض الله روحهما فاجتمعا عند رب العالمين، فقال لهذا المجتهد: أكنت بي عليما، أو كنت على ما في يدى قادرا، ثم قال للمذنب: اذهب فادخل الجنة برحمتي، وقال للاخر: اذهبوا به الى النار. ولقد كانت القاعدة لدى علماء الامة في سلفها الصالح على مر التاريخ ما قاله أحدهم: لو كان عندنا مائة قول في المسألة: تسع و تسعون منها ترى تكفير المسلم في مسألة من المسائل وقول واحد لا يرى التكفير لاخذنا بهذا القول احتياطا وتحسينا للظن بما يقول : (لا اله الا الله). فخبرني بربك اذا كان هؤلاء يرون كفر الامام (ابن تيمية) و(الذهبي) وعلماء الأمة المجاهدين أمثال (سيد قطب) و(المودودي) وعلماء الحركة الاسلامية، وأئمة الحرمين الشريفين، ولا يأتمون بهم أثناء حجهم . ومن يرى كفر (الغزالي) (والشعراني) وغيرهم من علماء الأمة الاسلامية فمن بقى من المسلمين حينئذ؟؟ وقد شبه علماء السلف من يتتبع زلات وسقطات العلماء بالذباب الذي يقع على القاذورات، ويبحث عنها بالمكنسة التي تلتقط الاوساخ.