بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على النبي الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين ومن سلك سبيلهم إلى يوم الدين، أما بعد: فبعد انتقال الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى الرفيق الأعلى، وبعد انتهاء المرحلة الأولى من تاريخ الإسلام، برزت مشكلات شتى تدفع إلى البحث عن الحل الإسلامي لها. وما يكون للمسلمين بعد بزوغ شمس الهداية ان يستقوا تصوراتهم من فلاسفة الشرق أو الغرب، فالدين كامل والنعمة به تامة، فما عليهم إلا أن يفجروا طاقات النصوص الشرعية، التي يشع نورها كلما تراكمت فتن كقطع الليل المظلم، حتى تبدد ذلك الظلام، وبما ان ديننا عالمي الشريعة فلا يمكن قصره بمكان أو تحديده بزمان؛ إذ هو يطول الاقطار ويعم العصور، استوجب الاجتهاد والتجديد، لظهور قضايا لم ينص عليها الكتاب أو السنة صراحة. ولئن كان الاجتهاد ضرورياً لكل زمان لمعرفة شرع الله تعالى ولاتباع الكتاب والسنة اللذين امرنا باتخاذهما مصدر تشريع فان زماننا اولى العصور بذلك، وما ذلك إلا لتعدد القضايا الهائلة التي لم ينص عليها فيه، ولان التجديد في المجالات الاخرى قائم فيه على قدم وساق، فان لم يواكب التجديد الفقهي غيره من التجديدات ارتكست الانسانية إلى الحضيض؛ لانها لن تسعد باتباع الكتاب والسنة، لعدم معرفتها بما تضمنته، ولا يمكنها في كل شيء الاعتماد على الطرح القديم، لان بعضه لا يتلاءم ومستجدات العصر، فاما ان تغلق الابواب دون التقدم في مختلف المجالات، وبذلك يحرم المسلمون انفسهم فضل العقول المفكرة ونتاج القرائح المتفتحة، بل يخالفون بذلك منهج ربهم الذي امرهم بكل ما يقتضي