عن هذا السؤال تقتضي بحثا واستقصاءاً، لكنها بوجه عام أقرب إلى السلب منها إلى الأيجاب. وأعتقد أن في الدراسات الجامعية الحديثة الكثير مما يمكن أن تقدمه لإثراء البحوث العلمية في الدرس التقليدي. ج- في ميدان البحث الفقهي والفلسفي: توجد مساحات مشتركة للتفاعل بين العلوم الكلاسيكية والعلوم الحديثة يمكن الوصول من خلالها إلى حلول للمشكلات الفكرية والتطبيقية التي تعيشها الحضارة الحديثة. وتشمل هذه ميدان البحث الفقهي ، حيث أثارت الاكتشافات العلمية الأخيرة في مجال هندسة الجينات والنسخ الوراثي مثلا، مشكلات خطيرة وقلقا مشروعا على مستقبل الإنسان، تصدى له الفقهاء بالبحث والتحليل وتوخي الحلول المناسبة التي تستلهم الشرع وأحكامه، وذلك لن يتأتى إلا بدراسة العلوم الحديثة، والنتائج المترتبة عليها. وقل مثل ذلك في الاقتصاد الإسلامي وغيره من المجالات. كما تشكل القضايا الفلسفية ميدانا خصباً للتعاون والتبادل بين الطرفين أيضاً. فالدرس الفلسفي التقليدي مازال أسيرا لمقولات الإشراقيين والمشائين، في حين قطعت الفلسفة أشواطاً كبيرة في ميدان نظرية المعرفة (الإبستمولوجيا)، مستفيدة من التقدم الكبير الذي حققته العلوم التجريبية والرياضية، وقل مثل ذلك بالنسبة للميتافيزيقا، وفلسفة التاريخ والحضارة، والمشكلات المثارة في فلسفة القيم، والأخلاق، وفلسفة اللغة، والبنيوية وغيرها مما يجدر الاطلاع عليه والإفادة منه أو نقده، إذا اقتضت الضرورة. ورغم الجهود الجبارة التي بذلها فلاسفة كبار منذ جمال الدين الحسيني الأفغاني، ومحمد عبده، ومحمد إقبال، وحتى العلامة الطباطبائي، والشهيد الصدر، والشهيد مطهري، لإعادة الحياة للدرس الفلسفي الإسلامي وتجديده، فإنه مازال يحتاج إلى كثير من العمل، وتجاوز المقولات والمشكلات الفلسفية التي لم يعد لها قيمة نظرية أو عملية.