والبحث الذي استوعب قسما من علم الأُصول هو حجية خبر الواحد الذي ليس قطعيا – وأكثر الأحاديث عندهم من هذا القبيل – فاحتجوا لها بآيات من الكتاب وبما ثبت عندهم من السنة أو الإجماع – وقد طال البحث حوله نقضا وابراما، لما ثبت عند القدماء من الامامية (أن خبر الواحد لا يُجدي علما ولا عملا)أي لا اعتبار به لا في حقل العقيدة ولا في حقل الشريعة. وهناك بازاء ذلك رأي للأخبارية أن كل ما في الكتب الأربعة أي: (الكافي) للكليني (م 329هـ) و(من لا يحضره الفقيه) للشيخ الصدوق (م381هـ) و(تهذيب الأحكام) و(الاستبصار فيما اختلف من الأخبار) كلاهما لابي جعفر الطوسي (380 – 460) فهو قطعي الصدور، ولم يثبت هذا عند الأصوليين، فلابد لهم من إقامة الحجة على اعتبار ماجاء فيها أو في غيرها من كتب الحديث من الأحاديث غير القطعية. وهذا ما أوقعهم في الحرج إذ ليس عندهم كتاب يسمى بـ(الصحيح) كما عند الجمهور، بل كل حديث في هذه الكتب الأربعة أو في غيرها قابل للنقاش لكي تثبت صحته. ثم هذه الروايات قسم كبير منها متعارضة في بدو النظر ، فلا تقبل إلا بعد رفع التعارض. وقد تصدّى أبو جعفر الطوسي في كتابه (تهذيب الاحكام) لبيان رفع التعارض بينها وهو أول كتاب روائي في هذا الباب، لكنه كان حاويا للأخبار الموافقة والمتعارضة كلتيهما فخصّ الطوسي الأخبار المتعارضة بكتاب سماه (الاستبصار فيما اختلف من الأخبار) تعرض فيه للجمع بين هذه الروايات بوجوه ذكرها في مقدمة هذا الكتاب. ومن هذا المنطلق فكتاب الاستبصار يحوي قسما من التهذيب فقط من دون زيادة عليه، وهو كتاب منتظم الأبواب خاص بالروايات المتعارضة، بخلاف تهذيب الأحكام الذي يعبر عنه الطوسي كثيرا بـ(الكتاب الكبير) فهو شرح لكتاب أستاذه الشيخ المفيد باسم (المقنعة) من غير انتظام ولا ترتيب أنيق وفيه أبواب للزيادات اللاتي ألحقها الطوسي بالكتاب ومكررّات من الأخبار أيضاً. فقام في القرن الحادي عشر عالم باسم السيد هاشم البحراني (م1107هـ) بترتيبه في كتاب سماه (ترتيب التهذيب) طبع على الحجر. ونحن وإن لا نعتبر تلك الكتب الأربعة صحاحا بالمعنى المصطلح عند