وهذا هو الفارق بين مذهب أهل البيت والمذاهب الأخرى، وبين أئمتهم وأئمة المذاهب. ومع ذلك لم تنقطع بتاتا طريقة الفقه المنصوص، أو الفقه الروائي، فكان يوجد بين الفقهاء من يميل إليه، تاركا الفقه التفريعي إلى أن قام بتجديده ونشره في القرن الحادي عشر عالم باسم (محمد أمين الإسترابادي) (م 1032) وله كتاب باسم (الفوائد المدنية)، وتبعه آخرون سموا باسم (الأخبارية) لاعتمادهم على الروايات والأخبار، فشكّلوا جماعة في قبال جمهور الإمامية، الذين يعبر عنهم بـ(الأصوليين) لاعتمادهم على علم الأُصول. ولهؤلاء الأخبارية آٍراء خاصة، وكان اكثرهم قاطنين (البحرين) وماجاورها من البلاد في الجزيرة العربية، ثم هاجروا إلى ساير البلاد ونشروا مسلكهم. والأخبارية بين الإمامية كأهل الحديث والسّلفية عند أهل السنة. وهم بين مفرط في الإنكار على الأصوليين وعدّهم من أتباع طريقة أهل الرأي والقياس، وبين معتدل في الموقف. ومن أبرزهم وأعدلهم موقفا الشيخ يوسف البحراني الساكن في الحائر الحسيني (كربلاء) صاحب كتاب (الحدائق الناضرة) وغيرها من المؤلفات (1107 – 1186هـ). والأخبارية كان لهم دور كبير في الدولة القاجارية وقبلها، ولاسيما في عصر هذا العالم، إلا أنه قد نهض عالم فـذّ من الأصوليين – وكان معاصراً له قاطنا معه في كربلاء أيضاً – وقاومه بشدة، وهو آقا محمد باقر البهبهاني المعروف بـ(الأستاذ الأكبر) و(الوحيد البهبهاني) (1118 – 1208هـ) فغلب عليه وكسر صولة الأخبارية، وله مع البحراني قضايا مشهورة. وكان له تلاميذ وأصحاب من جُلّة المجتهدين، أخذوا زمام أمر الشيعة الإمامية بيدهم، وتبعهم أكثر الناس، فانعزلت الأخبارية وتركوا الساحة للأصوليين إلى عصرنا هذا. وللأصوليين الذين تأخروا عن الوحيد البهبهاني آراء وإبداعات في علم الأُصول لم يسبق لها نظير من ذي قبل، لا في الإمامية، ولا في غيرهم من أتباع