(109) بسـم الله الرحمن الرحـيم كان للنبي الاكرم (صلى الله عليه وآله) رئاسة دينية تامّة في إدارة دفّة الحكم. فهو من جانب كان يدير الجيوش، ويسدّ الثغور، ويقيم الحدود، ويقسّم الفيء بين المسلمين، ويقضي بينهم. إلى غير ذلك من الأُمور التي لها صلة بالأُمور الدنيوية. ومن جانب آخر كان يقوم بأُمور لها صلة بالأُمور المعنوية: أوّلا: يبيّن الأحكام الشرعية كلية وجزئية، ويجيب على الحوادث المستجدّة التي لم يبيّن حكمها في الكتاب ولا في السُنّة الموجودة. ثانياً: يفسّر القرآن الكريم فيبيّن مجملاته، ويقيّد مطلقاته، ويخصّص عموماته إلى غير ذلك ممّا يرجع إلى رفع إبهامات الكتاب. ثالثاً: يردّ على الشبهات والتشكيكات التي يلقيها أعداء الإسلام من مشركي مكّة المكرّمة واليهود والنصارى بعد الهجرة. رابعاً: يصون الدين من أيّ محاولة تحريفية، ومن أيّ دسّ في التعاليم المقدّسة. ولا ريب أنّ من كان يقوم بمثل هذه المسؤوليات، يورث فقده وغيابه من الساحة، فراغاً هائلا في الحياة الاجتماعية، وثغرة كبرى في القيادة لا يسدّها إلاّ إخلاف من يتحلّى بنفس المؤهّلات الفكرية والعلمية التي كان النبيّ الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) يتحلّى بها ما عدا خصيصة النبوّة وتلقّي الوحي. ومن الخطأ أن نتّهم النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ـ والعياذ بالله ـ بأنّه قد ارتحل من دون أن