المسلمون والتقنية عبد الجليل النذير الكاروري مفكر اسلامي من السودان بسم الله الر حمن الر حيم نحمد الله على ماهدانا وحبانا من موارد ونصلي على النبي الهادي وآله الأطهار وبعد: فرغم ما في أيدينا من تراث وموارد إلا أن التقويم لحال المسلمين يقول أنهم أغنياء في الأهداف فقراء في الوسائل، هذا الموقف يجعلهم عاجزين عن خدمة أهدافهم، فقراء لعدوهم، تبديل هذا الحال يحتاج لمراجعة شاملة لمنهج التفكير وخطط التعليم والتدريب وخطط التنمية. لنبدأ بالفكر لأنه أساس صلاح الإنسان فهو محل أمانة الإختيار إذا وفق فيها أفلح، فبالرشد يكون التوفيق والفلاح. أسباب فكرية للتخلف: إذا قارنا في تاريخ الإنسانية بين المعتقد والمعاش نجد أن التخلف إرتبط بموقفين متناقضين من الأشياء تعظيمها أو تحقيرها التعظيم ينتج موقفاً فكرياً يعرف في مصطلحنا بالشرك، أما الإحتقار فناتجه الرهب (ورهبانية ابتدعوها) وكلا الموقفين ينتج التخلف، الدافع للموقفين واحد هو الموقف من الأقوى هل نخضع له أم نهرب منه. حين نخضع له لا نوظفه فلا نكسب خدمة ولا سلعة بل نكون في خدمته، وحين نهرب منه أيضا نفتقر. أما الموقف الثالث فهو محاولة إخضاع الأشياء لنا، بعلم نواميسها ومعالجة تمريسها، وكل أمة تقف هذا الموقف الأقوى تكسب نهضة ونماءاً. نعم إنّ الذي يعظم البقرة لن يصل الى (الفريزيان) إنه لا يفكر في اللبن بل الدين فيتعبّد ولا يعبَّد بالتكميل والتحسين والتهجين! ومثل بقرة الهند أنعام العرب، ونيل مصر، ومطر أفريقيا وجبال سكان الجبال، فالذي يقدس الحجر لن ينتبه الى ألوانه الدالة على وظائفه كما نقل القرآن الكريم الجاهلين من عبادة الحجارة والزروع والانعام منبّهاً في وقت مبكر لأشكالها الدالة على خصائصها حذراً من توظيفها، ناقلاً لها من معبود الى معبّد! (ألم تر أنّ الله أنزل من السماء ماءاً فأخرجنا به ثمرات مختلف ألوانها ومن الجبال جُدد بيض وحمر مختلف ألوانها وغرابيب سود. ومن النّاس والدّواب والأنعام مختلف ألوانه وكذلك إنّما يخشى الله من عباده العلماء إن الله عزيز غفور.)(1) هذا النص الموقظ نزل على بيئة تعبد البيئة: الزروع والشجر والجمل والحجر! هكذا أحياءاً وفيزياءاً بدل أن تنشأ علوماً ومنافع أنشأت عقائد ومعابد!! فنقلها الوحي ودرّجها من القداسة للرئاسة، الرئاسة على الأشياء تعلماً وتوظيفاً. لكن من عجب أن الدين يحدث نقيض هذا الموقف، وذلك حين يصل المجتمع الى الطرف الآخر ـ الغلو ـ عندها. يستخف المتدين بالأشياء محققاً نوعاً آخر من الإنتصار هو الترك أو الهرب متوهماً أنه يفر إلى الله. إنّ التديّن الذاتي منكفىء على الذّات طالب الخلاص من عالم المادة في النفس والمجتمع هروباً من الدنيا وعمرانها. لنأخذ في الموقف من الدنيا آية من (الكهف) ورد الجمعة تقارن بين المبني والمعني لنعالج فهم الأمة لهذا النص: (المال والبنون زينة الحياة الدنيا والباقيات الصالحات خيرُ عند ربّك ثواباً وخيرُ أملا) إنها مقابلة بين المبني والمعني والعاجل والآجل قراءتنا لها تجعلها متناقضة: المال والبنون في كفة والباقيات الصالحات في كفة ويؤمر المتدينون أن يختاروا؟!. غير ان قراءة أخرى تظهر التوافق بترتيب التنازل. أالمالالبنون بالباقياتالصالحات جالثوابالأمل هذه القراءة تزيل التعارض حيث يتحوّل بها المال الى باقيات وذلك بكسب من حله وإنفاقه في محله فيتحول إلى ثواب، فقط تختلف الدرجات، كلّما تعدى الذات للأخر زاد الثواب (حتى اللقمة يضعها في فم إمرأته.) وكذلك البنون بالتربية يتحولون الى صالحين، إلى أمل عاجل وآجل كما في الحديث: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية أو عمل ينتفع به أو ولد صالح يدعو له) فالصلاح ليس هو هجران عالم المادة بل كسبها ثم تحويلها فهي قابلة للتحويل أما الذين يعجزون عن الكسب فبديلهم المعنى المباشر وهكذا شرعت الباقيات الصالحات ـ الأذكار بعد الصلوات ـ فلما اشتكى الفقراء أن الأقوياء أيضاً يدّخرون المعاني المباشرة؟ كانت الإجابة: (ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء). إن الأمة حين تخلفت عن روح هذا النّص عجزت عن أن تعقد صلحاً بين المادة والمعنى فاختارت أن توحّد الأمر في مصطلح هو الفقر حيث ارتبط تماماً الفقر إلى الله بالفقر من الأشياء وصار بالضرورة الفقيه هو الفقير لأنه لحزمه نفض يده مما يشغله عن جمعيته ويفرّقه عن توجهه، وتبارى النّاس في التخلي عن الأشياء تعبداً وفي ذلك يروي (كتاب الطبقات) في السودان طريفة بين أحدهم وطعامه التمر والعابد الآخر وطعامه القرض فتعثر الأول على الثاني وهو يدخل غاراً للعبادة، فانتهره صاحب القرض: وهل ترك لكم أكل التمر بالاً تنظرون به للنّاس؟ حقاً إن الذي يتصفح طبقات الأولياء عندنا يجد المثال الذي تنافسوا عليه كان يعتمد على عنصرين: الترك والخرق، ترك الأشياء حالا، فإذا احتاجها خرق ناموسها! أفليس المثال في النقل مثلا بناء سفينة أمثل على مثال نوح الأول، بل المثال هو عبور النهر على الفرو والطيران إلى عرفة بلا طائرة. المشكل هو استناد هذا الموقف على الدين بمعنى أن المتدين الواصل لا يحتاج الوسائل، لا يحتاج قانون الطفو ولا قانون الدفع، لأن الكرامة هي وسيلته بها يخرق الناموس ويتجاوز قوانين الاشياء!!. أما السلع فإن المتعبد يوفّرها بالترك حيث تظل حاجته في صدره زهداً، والهدى أن الزهد يكون في الصرف لا في الكسب. إن قيمته تتحقق تماما كما العفو يصبح قيمة عند المقدرة، أما العجز فتمارسه (الكلاب في بلخ) كما جاء في المثل الصوفي، والهدى في الكرامة إن المتدين يحترز النّاموس فدينه الإستقامة آخذاً بالأسباب حتى إذا تقطعت حدثت المعجزة، أعظم نصرة (الهجرة) قامت على هذه القاعدة لتبقى سنّة الحركة، حشد الأسباب وإيجاف الركاب، حتى إذا كان الحصار في الغار كانت الدّابة الناصرة (العنكبوت) أضعف البيوت!! إنّ انتظار الخرق يعطل الناموس فيورث التخلف الذي هو النوم على الموارد والافتقار للسلع. أنظر رحلة ذي القرنين الذي قامت دولة المدينة على سنّته وجد شعباً متخلفاً يفتقر للأمن شطر العيش ـ وينام على مواد التأمين (لايكادون يفقهون قولاً) فوظف الموارد البشرية (آتوني) وعالج الموارد الطبيعية تعديناً وصهراً وسبكاً. وحول كل هذا المبنى الى معنى (الرحمة) قال في خطبة الإفتتاح: (هذا رحمة من ربي). إنما تخلفت الأمة بتخلفها عن النص القرآني فكراً وفعلاً وأعتبر جملة القرآن ناعياً للدنيا داعياً لتجاوزها إلى الآخرة حتى سقط تكليف العمران عن مهمة الخلافة وانحصر مفهوم العبادة في الشعائر، بينما لم تغفل الآية لو قرأناها كلها لا بعضها: (وما خلقت الجنّ والإنس إلاّ ليعبدون. ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون. إنّ الله هو الرزّاق ذو القوة المتين) فكثيراً ما يتلى شطر هذه الآية على المبنر ويترك الرزق كأمر تلقائي لا تكليفي، بينما قد كان الرزق تلقائياً في الجنّة (إن لك ألاّ تجوع فيها ولا تعرى) أما في الدنيا فبتكليف السعي وبالبطش (فلا يخرجنكما من الجنّة فتشقى) من عجب أن المسلمين لما أسقطوا العيش عن العبادة لم يستغنوا بالله بل افتقروا لأعدائه فكان الاستعمار الغربي بديلاً للعمران الوطني والإسلامي. وبعد الاستعمار جاءت التنمية ثمّ العولمة وكلها خطط أعدائنا. وإنّما غابت الخطط عندنا بغياب الكليات وانحصر فقه الكسب في المعاملات. لما ظهر ما يعرف بالاقتصاد الإسلامي أشعنا أنه اقتصاد توزيع لا علاقة له بعلاج الموارد ونمائها!! بينما هدي القرآن هو الذي دلّ الأمّة على استنباط السلع من الموارد، ففي القرآن سورة كاملة موضوعها الموارد الطبيعية (النحل) وتسمى لغناها (النّعم) وأطول سورة في القرآن اسمها البقرة والبقرة كما هو معلوم مصدر البروتين الباني للأجسام من لبن ولحم وما نرى اختيارها بمواصفاتها قرباناً إلا لدورها الحيوي، فقد كان المطلوب في القصة الأحياء: (قلنا اضربوه ببعضها كذلك يحي الله الموتى ويريكم آياته) وترتيب البقرة في الأحياء الثاني ذكرا في القرآن بعد الأحياء الدقيقة التي تسبب الموت: ( إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلاً ما بعوضة فما فوقها.) فالموت سابق للحياة سبق العدم للوجود، بدليل ما ورد بعد ذكر البعوض، إجابة على موقف المعاصرين من ذكرها إذ لم تعرف وقتها بعد (الأحياء) (كيف تفكّرون بالله وكنتم أمواتاً فأحياكم ثُمّ يميتكم ثمّ يحييكم) وقبل أن تختم أطول سورة بأطول آية في شأن عليه يدور المال الآن (الدّين) قبل ذلك جاء ذكر سبل الكسب الثلاثة: الزراعة والصناعة والتجارة! وفي القرآن امتنان التبادل التجاري الدولي عبر المراكز الحضرية في الجنوب والشمال وربط ذلك بالعبادة (لإيلاف قريش إيلافهم رحلة الشتاء والصيف. فليعبدوا رب هذا البيت * الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف)(2) هكذا في ثنائية عليها يدور شأن الخلق: العبادة والعيش، والجوع والخوف، والشتاء والصيف. والقرآن لا تحده بيئة النزول ولذا ساق العرب الى شمال الشمال حيث لجج البحار فقد عبرت سفنهم البحر الأبيض الى اوروبا بل والمحيط الى سواحل أمريكا قبل ماجلاّن!! ولو كان ديناً أرضياً لسيطرت عليه الإبل والصحراء لكنه أمتنّ بها وبالفلك (المنشآت في البحر كالأعلام) (والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس) إنه ذكرٌ أحدث فكراً ثمّ فعلاً هو الأساطيل الإسلامية الحربية والتجارية. بل وأنشأ الحواضر الجديدة الأندلس ومملكة الهند. إن اقتصاد الكمية والنوعية قد عالجه القرآن فلا نجده يذكر مزرعة إلاّ مختلطة ولا يختار غلّة إلاّ راقية ولا معالجة إلاّ عالية (كلتا الجنتين آتت أكلها ولم تظلم منه شيئا) لمّا غبنا نحن عن هذه المقدمات فقدنا النتائج فالمسافة الإنتاجية الزراعية والصناعية بيننا والدول الأوروبية كبيرة. إن التخطيط الإقتصادي المرتبط بالبيئة والموارد نجده في القرآن من الإنتاج حتى التوزيع بل أن المخزون الاستراتيجي قد علّمنا القرآن كيف نخزنه، فالحب السائب مخزون سنوي والطحين يصلح للإستعمال اليومي، أما السنين فتنفعها السنابل حيث يحفظ السيليلوز اللّب من السوس (ما حصدتم فذروه في سنبله إلا قليلاً مما تأكلون ثم يأتي من بعد ذلك سبع شداد يأكلن ما قدّمتم لهن إلاّ قليلاً مما تحصنون). إن القرآن علّمنا التخطيط للكسب فالنظريات تستنبط من الكليات، وإذا كانت المعاملة اليومية يحكمها الحلال والحرام، فإن أصل المعاملة يحكمها الحق والباطل وهو ما نقصد بالكليات التي غابت عن الذين قالوا بنظرية التوزيع كما غاب عنهم ذكر الموارد والمعالجة وأنها من الحكمة. فالحكمة حكمتان، حكمة داود وحكمة لقمان ـ أو الأشياء والإنسان. نحو موقف إيجابي من الطبيعة والشريعة والقدر: القرآن أشار الى التطرف في المواقف لمّا قال بعد درس في الأخلاق أو الوصايا: (كل ذلك كان سيؤه عند ربك مكروها) فالمكروه هو الموقف الطرفي، طرفا القدر هما الجبر والحرية، الحرية المطلقة تحدث إسرافاً به يكون الفساد كما في حضارة أوروبا وكل حضارة تحدث إسرافا تفسد مواردها (ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي النّاس.) أمّا الجبر فهو موقف العجز الذي نعاني منه! أمّا القدر المعني فتكليف ورعاية (هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها) (واصنع الفلك بأعيننا ووحينا) (اعملوا آل داود شكرا) الطبيعة هي المجال الذي تتحرك فيه بأمر القدر، أمّا الشريعة فهي المنظم لحرية التحرك حيث يتوسع بها مفهوم الخلافة ليشمل العبادة والعمران كما أسلفنا ـ فإنهم يتوهمون أن العمران حاجة بينما العبادة تكليف ولعل الذي سبب التوهم هو الغرائز ودفعها للعمران حيث ارتبط السكن بالحر والأكل بالجوع.. الخ محركات الاقتصاد التي تحولت بالهجرة من الوفرة للندرة ـ أعني الهجرة الأرض. إن تركها لدافع الغريزة يتركها للتطرف حيث الإهمال فتركد والإفراط فتحكم ولا عجب فقد حكم ما يعرف بالفكر المادي دول الغرب القرن الماضي حيث كان الصراع بين فكرتين ليس بينهما إلا اسلوب إدارة المال! مهدت لذلك الرهبانية التي سادت أوروبا بين يدي الرأسمالية والماركسية. إنّ نقل النشاط العمراني الى مهمة الخلافة سينقله عند المسلم من العادة للعبادة ولن يصل بالمسلم الى عبادة العمل ـ كما في الصين ـ ولكنه سيقف به عند التعبد بالعمل سيخرج إليه وهو يقرأ: (إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين) عندها سيتحول المسلم من نصف رجل الى رجل كما يقول (مالك بن نبي) بل (رجلاً مسلماً) كما يقول القرآن. ستزداد كفاءة العامل لأن الإدارة بالأهداف، والفكر يؤثر في الهدف حيث ننتقل من الوظيفة الى الرسالة، فالوظيفة مكسب بينما الرسالة تضحية والذي يعمل في الوظيفة بروح رسالية يتخطى سريعاً المحطات القريبة نافذاً الى الهدف. إنها المقارنة بين الآن والآن حيث يكون معه غده. (ومن الناس من يقول ربنا آتنا في الدنيا وما له في الآخرة من خلاق. ومنهم من يقول ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. أولئك لهم نصيب مما كسبوا والله سريع الحساب). إن الدنيا المذمومة في القرآن هي الدنيا حين تصبح هدفاً. أمّا هي وسيلة فهي محل العمل، هذا الاستصحاب هو الذي اختصر النهضة للصدر الأول ولن يصلح آخر هذه الأمة الا بما صلح به أولها. إن مفهوم الصلاح الذي أفرز التخلف كان انسحابياً يقوم على الترك بينما الصلاح في الأصول يقوم على إيجابية تتعدى الصلاح الفردي إلى صلاح المجتمع (فلولا كان من القرون من قبلكم أولي بقيّة ينهون عن الفساد في الأرض) وهو فعل وترك وأمر ونهي. ان التقوى في وعظنا تجعل السلم كسيارة ممسوكة بكوابح اما التقوى في الاصول فسيارة عاملة محررة بطاقة دافعة لا تتوقف الا عند الاشارة الحمراء، وعند الصفراء يكون التبين.. فتكون النتيجة قطع المراحل مع بعض الاخطاء تصلحها الصيانة، وكل ابن آدم خطّاء وخير الخطّائين التوابون. هذه الاسطر دعوة لمراجعة فكرية تؤهل الامة لنهضة تنموية وأرجو بالتداول في الامر ان نصحح موقفا من هذه المتقابلات: الدنيا والاخرة الحرية والقدر العيش والعبادة الحركة والتقوى الكسب والزهد وارى اننا اذا وفقنا للتوفيق بين هذه المتقابلات فسنوفق لرشد به تتحقق نهضة وتتوفر استقامة فنكسب السعادة بشطريها (الطمأنينة والرفاه) وهذا ما يؤهلنا لميراث اوروبا التي عملت فكسبت الشطر (الرفاهية) ولا عجب فقد كانت ايجابية مع الدنيا والحرية والحركة والكسب فصرفت ثمرة موقفها من الناموس: (من كان يريد العاجلة عجّلنا له فيها ما نشاء لمن نريد) (ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها) فالتحدي في اعمال الحدين لكسب السعادتين الطمأنينة والرفاه والدنيا والاخرة، وهي الحياة الطيبة الموعودة لاهل الايمان. التعليم وإصلاحه: لا يكون الانفكاك بالفكر وحده لان الفكر بيان يحتاج لبرهان هو العمل ولا يكون عمل الا بتدريب واخذ خاصة اذا كان الذي نواجه موروث. وهكذا نزل القرآن ومعه الفعالية من قدوة ووسائل (لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكّين حتى تأتيهم البينة. رسول من الله يتلوا صحفاً مطهرة). وفي توظيف التعليم لاحداث نهضة نبدأ بتصحيح الهدف وهو تخريج علماء لا مهنيين فالتلاميذ ينشدون في اول السلم: يا ترى اغدوا طبيباً أو وزيرا أو زعيماً أو ترى أغدو صحافياً شهيرا؟ ونغير بعد الهدف الوسيلة فتكون هي الفهم لا الحفظ أو يكون الحفظ وسيلة للفهم فهي زمن التخلف كان الشعار (من حفظ المتو ن حاز الفنون) والمتون تجريد وتلخيص للمعارف في نظم ليس فيه حلاوة الادب، وهكذا تنتقل المحفوظات عبر الاجيال من غير ان تحدث بالضرورة وعيا فقد زرت بعض المعاهد وهي تحفظ التوحيد بالعربية في بيئة أعجمية؟ فأين موقع هؤلاء مما قدمنا عن الفكر شرط النهضة؟. فاذا كان الحفظ وحده في السلوكيات لا يهدى فهو في العلوم أضل، فالعلوم انما نهضت بمخالفة النمطية، فلو تجمد الناس على هندسة (اقليدس) لما تجاوزوا المسطحات الى المدورات ليقايسوا الافلاك مكتشفين للقانون الذي به يمسك الله السماء ان تقع على الارض. ورغم قوانين نيوتن الحديثة والصارمة الا ان النسبية تجاوزتها لما نظرت لبعد ثالث بعيد عن الفعل ورد الفعل. إن هذا الأنتاج العلمي يغذي يايقاظ الفكر، عند ذلك ستتضح ثمرات في قمة الهرم تقود الركب أما قاعدتها فستكون شعباً صالحاً لحمل البناء لأن من المستنيرين ـ كما سنفصل في الفصل الاجتماعي، لازمة لاحداث نهضة. التقويم: كذلك نظام التقويم عندنا يحتاج لمراجعة ليتعدل من كم المقررات الى اختبار الملكات. فالذكاء مقدرات جمالية ورياضية وخلقية، وقد قامت اخيرا مدرسة علمية تُعلي الجماليات على الرياضيات، بل تقول: إن المعادلة الرياضية ليست صحيحة إلاّ أنها جميلة ـ أعني متناسبة الاطراف! فهل يتاح لاهل الخيال الفني ان ينافسوا أهل الضبط العلمي أم إن التعبير عن هذه الملكة سيكون عبر مادة هامشية اسمها (الفنون) ومن للشكل يقوم عليه اذا قومنا فقط أهل الاداء!؟ وقد ثمن الوحي الطرفين (الذي خلقك فسواك فعدلك ـ في أي صورة ماشاء ركبك.) وفي الشعبة الثالثة من التقويم الخُلق ـ قلت: لو مررنا استبيانا على المسلمين هل تريد غلاما ذكيا أم زكيا لاختار اغلبهم الذال، بينما الزكاة لها الشطر حيث لا يكون الكفؤ امينا الا بها. (خير من استأجرت القوي الامين) بل نجد القرآن يبشر بالزكاوة ويثني بالطيبة: (انما انا رسول ربك لاهب لك غلاما زكيا) (فبشرناه بغلام حليم) ويبدل بالاذكى: (فاردنا ان يبدلهما ربهما خيراً منهما زكاةً وأقرب رُحمى) نحن الان نكتفي تقويما للخلق فنكتب في هامش النتيجة: مهذب وحسن الاخلاق!. السلوكيات: نعم نحن امة نتفوق في الأخلاق بما عندنا من الكتاب وهو وحده الهادي في السلوك فالسلوك موضوعه (ذلك الكتاب لا ريب فيه هدىً للمتقين) غير اننا للأسف ولما قدمت من أسقاطنا للتكليف في معالجة المادة نسقط كثيراً من قوانين السلوك في الحياة العملية والمعالجة الصناعية، كمعايير ضبط الجودة الصارمة، واركان التعاقد الملزمة، والاجل المضروب لانجاز العمل والعقوبة المترتبة على الخلف.. الخ. كل هذه الاخلاق نجدها مصاحبة للنشاط المادي في نهضة اوروبا، غير أنها عندنا لا تعني قيمة! الا قليلا. فقد زرت مزرعة في الشتاء الماضي حدثنا صاحبها انّه متعاقد لتصدير الخضر الى اوربا بلا سماد (Natural) لكنه اثناء الشرح قال في هذه المرحلة نضيف السماد قلت انك قلت بشرط التصدير الطبيعي؟ فأجاب: انما التزم فقط في أول التنفيذ! ولهذا عرفت سر الطريفة التي تروى هناك ان الخضار ينمو داخل البرادات!. الضغط على الأزرار: مشكلة التعليم الحديث عندنا أنه نشأ في كنف الإستعمار فأكتنفته مشكلتان بسبب التغريب. أولاهما حجب وتأخير التعليم الفني والتقني إلى أن تخرّج جيل من الآداب والحقوق الغربية كما في كلية غردون التذكارية بالخرطوم! وفي مقابل ذلك ظل المعهدان الديني والفني بلا اعتماد لشهادتهما الجامعية لاضعاف عناصر القوة في الأمة، الفكرية والفنية. والثانية إن الكليات العلمية لما نشأت بعد ذلك نشأت مبتورة عن الاصول الفكرية واللغة الاصلية مما اعجز الخريجين عن استيعاب الاصول التقنية فأصبحوا وقد تقطعت معارفهم في تخصصاتهم، لاجل ذلك لم تحدث قفزة نوعية كالتي حدثت في اليابان، لان التعليم كان بهدف التشغيل والصيانة لا للاستيعاب والاضافة. يقول الدكتور إبراهيم بدران في كتابه القيم (مشكلات العلوم والتكنولوجيا في الوطن العربي): (التدريب عندنا في أحيان كثيرة لا يتعدى تعلم المتدرب الضغط على الأزرار حسب التسلسل الذي تقتضيه عمليات التشغيل. ومن نافل القول ان نؤكد إن تعلم ضغط الأزرار شيء واستيعاب المعدات وفهم اجزائها وقواعد ميكانيكيتها شيء آخر.. ويضيف: مما يؤكد ما قلناه في الخريج فيقول: إن ذلك لا يقتصر على العناصر العاملة المتواضعة التعليم، بل إن هذا القصور قد بدأ يجد طريقه إلى أذهان العديد من الكوادر التكنولوجية والعلمية العالية بسبب انظمة التعليم وأنفصالها عن الواقع العملي، وبسبب تعقيد المعدات والأجهزة التكنولوجية، وأنعدام الأرضية الإجتماعية لها في المنطقة المتخلفة.. ويورد المؤلف إنّه سأل مهندساً في كلية الهندسة عن كيف يتصرف اذا انخفض الجهد في المحطة الكهربائية؟ فقال: (أدير اليد السوداء التي في ركن لوحة التحكم إلى اليمين!). في مقابل هذا المستوى الذي عندنا من التأهيل اجريت في امريكا دراسة للنمو الإقتصادي خلال ستين عاما 1900 إلى 1960 وكذلك اوربا: انجلترا والنرويج فتبين إن رأس المال لم يكن له أثر إلاّ بنسبة10% فقط وبقية العوامل تربوية وأدارية. ولأجل ذلك لم يحدث ما يسمى بتدفق القروض تنمية في عالمنا المسمى الثالث، كما لم يحدث فائض بترول الخليج في الخليج نماءاً إلاّ بقدر البنية المؤهلة لاستهلاك الفائض السلعي الاوربي ليتوازن الميزان التجاري المثقل بتصدير الخام! قلت لشركة تقنية في الخرطوم تستورد وتدرب على الكمبيوتر. إننا بذلك نقدم خدمة جليلة للمنتج الياباني. فنهيء له السوق وهو يبدل الموديلات كل يوم! فالمكن الميكانيكي كان طويل العمر غير إن المكن الكهربائي يبدل كمنديل الورق وغالي الاصول وعظيم الاهلاك! فلو صنعنا (شاشات) الكومبيوتر فقط عندنا لطرحنا نسبة الإهلاك من كل جهاز، غير ان تعليمنا لا يكون للتصنيع بل للتشغيل والبرمجة. في المقابل نجد قصة اليابان مع التقنية بدأت بالإستيعاب حيث عكف أحد المبوعثين عقدا من الزمان على ماكينة الاحتراق الداخلي ولما فرغ من صناعتها كاملة وضعها بين يدي امبراطور اليابان لتبدأ خطوط الانتاج عند شعب جاد ومدرب إستطاع في ربع قرن من الزمان أن يحقق نصراً على ما أصابه في هيروشيما ونيجازاكي في القرن الماضي. وقد سعدت بزيارة باندونج حيث إستطاع أحد المبعوثين (الدكتور حبيبي) أن يصنع الطائرة في إندونيسيا بعد أن استوعبها في ألمانيا ولكن ما أن عدنا من رحلتنا وصار حبيبي رئيسا للبلاد إلا والبلاد تميد من تحته بسبب هروب الأموال، هذه الحرب النقدية الحديثة، إنها هيروشيما جديدة ألقيت على أسيا المسلمة ولكن بعد النهضة التي أتاحتها لها سياسة منافسة الشيوعية الآسيوية في الصين وكوريا وفيتنام، فهل تصمد التربية عندنا فلا تسقط البنية التحتية كما ثبت الإسلام عند أول حملة سياسية آسيوية ضده حيث سقطت الدولة ولكن إنتصر المجتمع بتربيته ليصنع من الغزاة ملوكاً مسلمين!. السياسة والصناعة: قلت لإبني الذي دخل الصيدلة بعد أن حفظ القرآن ومثّل السودان في مهرجان القرآن بإيران 1994 هل تريد أن تتخرج بائع أدوية أم صانعها؟ قال: كيف، قلت: إذا درست الأدوية وأسماءها وآثارها الإيجابية والجانبية فستتخرج بائعاً للأدوية، وإذا درست الإنسان عافيته وعلله والمواد وخصائصها وإستخلاصها عند ذلك ستكون صيدلانياً عالماً ينتفع بك وطنك وأمتك. وذكرت أن السودان لم يتلق في تاريخه صاروخاً إلا لمّا صنع الأدوية. فلنعرف قيمة الكيمياء التي هي في العلم القديم ذات أهداف عجيبة تتحول بها المعادن إلى ذهب! أما قيمتها العلمية الحديثة فقد جعلت أعداء أمتنا يطاردون العلماء والمعامل كأنما يريدون أن يقاوموا قدر الله بإساءة وجوه أعدائه، فهل للكيمياء علاقة بالحروب القادمة وما معنى (ليسوءوا وجوهكم) هل من الأنوف الطويلة التي توفر الأكسجين داخل الأقنعة الواقية؟. في هذا الإستطراد إشارة إلى الجانب السياسي في المسألة التقنية فإذا كانت اليابان قد حجر عليها التصنيع الحربي فكيف بالعالم الإسلامي وقد إتخذه الغرب عدوا بعد زوال الحرب الباردة لتنتقل معركتها النووية مع بلاد الإسلام للحيلولة دون إمتلاكنا الذرة حتى لايبطل مفعولها في القرن الجديد كما بطل في القرن الماضي، ذلك أن مفعولها يبرد إذا امتلكها الطرفان وهذا هو سر الصراع بين الهند وباكستان وبين إسرائيل والعراق وإيران. أما لغير الحرب فها هي العولمة تسود فيسمح للسلع ويحجر على البراءات وتصدير التقنيات! حتى يظل عالمنا سوقاً ساذجة لسلع بائرة، يستوعب السلع ولا يستوعب أسرار إكثارها وتطويرها، ليأخذ السمكة ويترك الشبكة!. ولا نختم الفقرة السياسية على اختصارها ـ إلا بدعوة للتكامل العلمي والمالي لعالم المسلمين (مالكم لا تناصرون) بينما اليهود يفعلون!! وقد تداعى أذكياؤهم من كل فج ليصنعوا إسرائيل الكبرى في وطن متخلف ومختلف. إن الرؤوس عندنا تهاجر إلى أوروبا عبر الجامعات والشركات، والأموال الفائضة تهاجر عبر البنوك المزدوجة ـ عربية أوربية ـ فلماذا لا يحدث هذا التواصل بين البلاد الإسلامية. فإنه لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاداً ونيّةً. إن الصين أكثر ثقة وإستجابة للإستثمار في بلدنا من بلاد تربطنا بها آصرة الإيمان! لا تحدها الأوضاع الأمنية عن المخاطرات الإستثمارية! بولاية الله ثم بالمصالح المتبادلة (المؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض) و(الأقربون أولى بالمعروف). الأسباب الإجتماعية للنهضة: الحالة الفكرية والثقافية تلقي بظلالها على المجتمع، ففي مجتمع الأميّة يقل الطموح فتنحبس حاجات الناس في صدورهم، لا يفكرون في أكثر من المعاش اليومي المتواضع لا علاقة لهم في الإنتاج بسوق قومية ولا عالمية، بل أن الإتجاه المعاكس للسلع لا يشكل لهم طلبا! ولأجل ذلك تحتال القوى الدولية لادماجهم في السوق العالمية بالتنمية أو بالعولمة، كذلك يقصر المجتمع الأمي عن تلقي المعلومات التي أصبحت لا تكتسب بالقلم بل بالقمر عبر الفضائيات والالكترونيات. الأمية التي نسبتها عندنا80% بينما في الدول المتقدمة لا تتعدى 2% في روسيا و5،1% في أمريكا، هذه النسبة من الأمية الكبيرة عندنا تؤدي الى تدني الأستيعاب التطبيقي للتقنية، لأن الذين يمارسون الحرف هم أدنى السلّم الأجتماعي حيث تكتسب خبرتهم فقط بالممارسة بعيداً عن القواعد العلمية والجوانب الفنية للأجهزة بل تفتقر حتى القدرة العلمية لإستيعاب المصطلحات والأسماء لقطع الغيار حسب ترتيبها وترميزها، فتنشأ بهذه المقابلة بين أجهزة فنية وبيئة أمية لغة جديدة هي لغة المناطق الصناعية تشبه الإنجليزية في بومبي!!، إنها مصطلحات كافية للتعامل مع المكن إلاّ أنها غير كافية لاستيعاب الماكينة! إنها تنتهي عند (هذه القطعة هكذا) ولكن غير معنية بالسؤال: لماذا هي كذلك؟ حاولت مرة من خلال مركز حرفي أن يقدم المهندسون المختصون حصصاً علمية للعمال يتعلمون من خلالها ألف باء الميكانيك ليشفعوا الدّربة بالقواعد، غير إن القاعدة الاساسية عندهم حالت دون بلوغ الهدف، لإن الحصيلة المتواضعة من التعلم لا تسمح ببناء معارف أعلى. وأبلغ وصف لهذا الوضع المتواضع هو التبصير القرآني: (ومنهم أميّون لا يعلمون الكتاب إلا أمانيّ وإن هم إلا يظنُّون) في إشارة للمعلومات الناقصة التي تلتقط بالسماع وبلا تحقيق ولا توثيق إلا الظن الذي لا يغني من الحق. وإذا كانت الأمية بين الرجال ظاهرة الأثر في تدني الإستيعاب فهي في عالم النساء أظهر حيث تؤثر في وظيفة الأمومة والطفولة سلباً ـ فالأم مدرسةً ـ كما تؤثر في أداء النساء في الحياة الإجتماعية والعملية بعد أن صرن يشكلن نسبة مقدرة من قوة العمل. وإنما قامت النهضة الأولى بجعل البيوت والأسر مركزاً للمعرفة بجانب مركزها العائلي: (واذكرن ما يتلى في بيوتكنّ من آيات الله والحكمة). وفي جانب الإنتاج تروي إحدى أمهات المؤمنين أنها لما ذهب الرجال للقتال في ثغور الروم قامت هي على الوظيفة التي يقال عنها الآن أنها غير نظيفة، حيث عالجت أربعين اهابا دبغتها للجبهة الداخية، في مقابل نفير الرجال للجبهة العسكرية! ففازت بالجائزة النبوية: (أسرعكن بي لحوقاً أطولكن يداً) ألم نقل في البدء أن المال قابل للتحويل؟ كانت صويحباتها يتسابقن في الطول ففازت بالمعنى، طويل اليد بالإنفاق المشروع المقدم الآن إحياءً لهدف السنة هو (مشروع الأسر المنتجة) فقط ينتظر التشجيع بضمان التمويل والتسويق لأن ربّة البيت لم يكتب عليها أن تكون ربّة العمل Business Women فلابد من شركات وجمعيات عامة منتجة يبدأ وينتهي عندها عمل البيوت فقد نهضت اليابان بنحو من ذلك وهو مخرج للمرأة أفضل من إخراجها من بيتها ودينها بحجة العمل، كما فعلت أوربا فأصبحت تعاني في المواليد من الصفرية! فعمل المرأة في البيت (عليها) وخارجها (لها) بهذه القاعدة الذهبية تنشأ نهضة لبنتها الأسرة وبناؤها المجتمع حيث يرتبط الازدهار بالنمو، تلك القاعدة القرآنية التي قلبتها الحضارة الاوربية: (ثم بدّلنا مكان السيئة الحسنة حتى عفو) حيث وظفوا الثروة رأسياً فكسبوا الأنانية، الخلود الشخصي فشطر المجتمع الاوربي من العواجيز: (وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون وإذا بطشتم بطشتم جبارين!) هكذا لا يبقون على انفسهم ولا على الآخرين. البحث والإبداع: تقدم في العالم الإسلامي بعض الهيئات جوائز على الإبداع العلمي مثل جائزة الملك فيصل في السعودية وجائزة الشهيد الزبير في السودان ومشروع (وجدتها) في سوريا... وغيرها، غير إن الإبداع فيها مبوب حسب تصنيفات العلوم وليس حسب إحتياجات الأمة بالضرورة، كما إن نظام تسجيل براءات الأختراع عندنا معني بالحقوق اكثر من عنايته بتحقيق نهضة، إذ إن الذي يراعى في التسجيل هو فقط عدم التكرار أو النزاع وليس بالضرورة قيمة الأختراع. والمطلوب في البحث من أجل أحداث نهضة توجيه البحوث وتمويلها وربطها بإحتياجات الأمة وتحدياتها، خاصة في القطاعات الحيوية مثل الزراعة والطاقة والنقل والأتصال وعُدد القتال، والالكترونيات عموما والتي نخشى من التطور العالمي السريع فيها ان نعيش القرن الجديد ونحن خارج التاريخ إلاّ من اللهث لمواكبة الموديلات، غالية الأصول معقدة التركيب، فقد قيل إن السنوات الخمس الأخيرة شهدت من التقدم الصناعي ما يساوي كل الذي حدث منذ النهضة الصناعية! فهل نستطيع المواكبة فقط بإلحاق البحث بالتعليم العالي، لينحصر في أبحاث التخرج والترقي؟ إن احداث نهضة علمية يحتاج لشطر ميزانية التعليم العالي في أمة تهدد في كيانها بالمشروع اليهودي القائم على التفوق النوعي إذ يعاني ديموغرافيا من الكم!. إن استجلاب الخبراء عاقبته التدمير كما في العراق لأن كتلوجات التنفيذ تنتهي عند العدو، والقصص في المتابعة الأستخباراتية كثيرة أخرها قصة الطائرة المصرية التي اسقطوها ـ رغم الولاء ـ وهي تحمل ثلاثين متدرباً ونسبوا ذلك للانتحار. وحق لمن وضع البيض في سلة امريكية أن يكون منتحرا!!. إنّ عالم المسلمين من عرب وعجم وسنّة وشيعة مطلوب منه التناصر علمياً واقتصادياً إن عجزوا عن التناصر السياسي فإنا نشاهد الأقوياء يتناصرون لما بينهم من الأواصر كاتحاد اوروبا الحديث فنحن أولى بهذا التناصر الذي يستوجب النصر: (إن تنصروا الله ينصركم ويثبّت أقدامكم.) والآية (ولا تنازعوا فتنفشلوا) اذا حددنا حركة المواطن بالجنسيات والجوازات فلا أقل من ان نحرر حركة العلماء من الحواجز ليتجولوا في الحواضر ويساهموا في نهضة الأمة فهل يكون من مقرراتنا مشروع (علماء بلا حدود). إنه لمشروع مناسب لمقابلة العولمة التي هي تحد يقتضي حشد القوى والمهارات للإرتقاء بالناتج بما ينافس الإنتاج العالمي، والعولمة هي الحرية للسلع والقيد على العلم ولا ننسى أن مع العولمة مشروع اليهود المنافس للمشروع الإسلامي بل للنبي والكتاب. وصلّى الله على نبينا وآله وسلم. ــــــــــــــــــــــــــــ 1- فاطر الآية 27 ـ 28 2- سورة قريش.