كلمة وفد دولة البحرين في مؤتمر أسبوع الوحدة الإسلامية المنعقد في (12 إلى 17 ربيع الأول 1421 هـ) طهران ـ الجمهورية الإسلامية الإيرانية فضيلة الشيخ عدنان عبد الله القطان بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين وأصحابه العز الميامين والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. السادة أصحاب السعادة والمعالي والفضيلة أعضاء المؤتمر. أحييكم بتحية الإسلام فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد. إنه من دواعي سرورنا وإعتزازنا أن يوجه المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية الدعوة لنا للمشاركة في أعمال مؤتمره السنوي العالمي الثالث عشر للوحدة الإسلامية، والمنعقد بمدينة طهران بالجمهورية الإسلامية الإيرانية. ويسرنا أن ننقل لكم تحيات صاحب السمو الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة أمير دولة البحرين وحكومته إلى مرشد ورئيس الجمهورية الإيرانية وشعبها الكريم.. مع خالص تمنياتهم لهذا المؤتمر بالتوفيق والنجاح، كما يسعدنا أن نهنئكم بحلول ذكرى المولد النبوي الشريف. سائلين المولى عز وجل أن يعيد هذه الذكرى المباركة علينا وعلى الأمة الإسلامية والعربية باليمن والخير والبركات وقد تحقق لها ما تصبو إليه من عز وكرامة وفلاح. ولا يفوتنا أن نتوجه بالشكر والإمتنان للمجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية والمسؤولين فيه الذين رعوا ونظموا هذا المؤتمر وأتاحوا لنا الفرصة للالتقاء مع هذه النخبة الرفيعة المتميزة من العلماء والمفكرين للتعارف والتواصل والإستفادة من خبراتهم وتجاربهم في الدعوة الإسلامية.. ونشكرهم أيضا على حسن الحفاوة والإستقبال وكرم الضيافة. وعلى العناية الخاصة التي أحاطونا بها منذ دخولنا في هذا البلد الكريم. أيها الأخوة الأعزاء: لقد إقتضت سنة الله في خلقه أن جعل الناس مختلفين في ألوانهم وألسنتهم ومداركهم وتصوراتهم، ولكن الله جل شأنه لم يرد أن يكون هذا الإختلاف بين الناس مدعاة إلى النزاع والشقاق، بل جعله دافعاً إلى التآلف والوئام. وهذا ما يعبر عنه القرآن الكريم في قوله تعالى «يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا..»(سورة الحجرات/13) فهذه الآية الكريمة لفتت نظر الناس جميعاً إلى حقيقة ثابتة لا جدال فيها وهي وحدة الأصل الإنساني، ثم تبين أن الله أراد أن يجعل من ذرية آدم شعوباً وجماعات مختلفة: «ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة، ولايزالون مختلفين إلاّ من رحم ربك ولذلك خلقهم» (سورة هود/ 118) ولكن هذا الإختلاف الذي هو حقيقة واقعة لاشك فيها ـ ينبغي أن يكون محركاً للناس نحو التعارف والتآلف كما تشيرالآية الكريمة «لتعارفوا» وهذا التعارف من شأنه أن يكون مبنياً على الإحترام المتبادل، والفهم المتبادل، ومؤدياً إلى التعاون المشترك فيما فيه خير الجميع. وإذا كان هذا هو الحال بالنسبة للناس ـ كل الناس بعامة ـ على إختلاف ألسنتهم والوانهم وأديانهم وحضاراتهم وإنتمائهم فمن باب أولى، بل وينبغي أن يكون ذلك شأن الأمة الإسلامية التي يجب عليها أن تضع ذلك في إعتبارها، وفي مقدمة أولوياتها. فقد أراد الله لها أن تكون أمة واحدة «إنّ هذه أمتكم أمّة واحدة»(سورة الأنبياء/92) تضم تحت جناحيها مختلف الشعوب التي تدين بالإسلام على الرغم من تنائي الديار وإختلاف الألسنة والألوان. فهذه أمة لها أهداف واحدة، تعبد رباً واحداً، ولها قرآن واحد، هو مرجعها الأساس، والذي لم يختلف عليه أحد من أبنائها، ولها قبلة واحدة، يتجه المسلمون جميعاً إليها في صلواتهم، وتهفوا إليها أرواحهم في حجهم إلى بيت الله الحرام، فضلا عن ذلك، فإن الجميع متفقون في اصول الإيمان وأركان الإسلام، وفي كل ما علم من الدين بالضرورة. ولكن طبيعة الأمور تبين لنا أن لكل فرد ذاتيته وشخصيته المستقلة، وأن الناس ـ كما سبق أن أشرنا ـ مختلفون ومتفاوتون في نواحي متعددة، ومن هنا تختلف وجهات النظر، وتتعد الآراء فيما بينهم، وهذا أمر لا بأس به طالما ظل هذا الإختلاف والتباين محصور في إطار الأمور الفرعية القابلة للإجتهاد المشروع، ولايجوز لمثل هذا الإختلاف أن تكون له آثار سلبية تتسرب إلى قلوب المسلمين، فتفسد تآلفها وتزرع فيها التناحر والتخاصم والتنازع، وإلا أصبح الخلاف شراً، وهذا ما حذر منه النبي صلى الله عليه وسلم: بقوله «لا تختلفوا فتختلف قلوبكم» (رواه مسلم في صحيحه) ومن هنا ينبغي على المسلمين أن يجتمعوا على ما إتفقوا عليه وأن يعذر بعضهم بعضاً فيما إختلفوا فيه. كما ذهب إلى ذلك كثير من العلماء والدعاة في عصرنا الحاضر. وإذا كان إختلاف وجهات النظر في الأمور الفرعية أمراً جائزاً في إطار مبدأ الإجتهاد الإسلامي المشروع. فليس هناك مبرر على الإطلاق لأن تكون هذه الإختلافات الفرعية عقبة في طريق وحدة الأمة الإسلامية. وقد نُهينا في كتاب ربنا عن أن نبدد جهودنا وطاقاتنا، لأن هذا لن يخدم إلا أعداء الإسلام والمسلمين «ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم» (سورة الأنفال/46) وأما على صعيد التقريب بين المذاهب والطوائف الإسلامية، وهي دعوة جديرة بالإعتبار والنظر، فهي تعبير عن بذل الجهود العلمية والعملية في سبيل إزالة الفوارق التي باعدت بين المذاهب والطوائف الإسلامية وأئمتها وعلمائها وأتباعها وجعلتهم ينظرون إلى المذاهب وكأنها أديان مختلفة. وكأن أتباعها أتباع ديانات وأمم شتى وليسوا امة واحدة، وكذلك تحسين العلاقة بين أئمة وعلماء المذاهب والطوائف، وتكوين الجو الحضاري الهادىء وفتح باب التعارف بينهم على أساس المشتركات بين المذاهب. والتي تُشكل قدراً كبيراً من اصول الشريعة، بل وحتى في كثير من فروعها وما هو معلوم من الدين بالضرورة على ما سبق بيانه ـ ليتبادلوا الآراء فيما إختلفوا فيه ـ وهي أقل من المشتركات بكثير ـ ولاسيما المسائل الفقهية والأصولية وغيرها. ومن المؤكد ـ كما يبدو لي ـ أن الآيات (101 إلى 103) من سورة آل عمران تشمل جميع هذه المفاهيم والمعاني التي ذكرناها لتلك الكلمات وهي قوله تبارك وتعالى: «يا أيها الذين آمنوا إتقوا الله حق تقاته، ولا تموتنّ إلا وأنتم مسلمون، وأعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا، واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداءً فألّف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخواناً» فالخطاب هنا «يا أيها الذين آمنوا» إشارة إلى الأخوة والوحدة، بل والقومية الإسلامية إلى جانب أقوام اليهود والنصارى والصابئين والمجوس والمشركين، قوامها الإيمان بالله ورسوله والتسليم لها مع تقوى الله.. كما قال تعالى: «اتّقوا الله حق تقاته ولا تموتنّ إلا وأنتم مسلمون» والإعتصام بحبل الله هو الوحدة المنشودة بين المسلمين، ووقوفهم أمام الأعداء، والإجتناب عن التفرقة. والتعامل مع المسائل التي إختلفوا فيها برفق بالتركيز على المشتركات ـ وهي حبل الله ـ والتحذير من التفرق، والإعلان عن التأليف بين القلوب، والأخوة بين المسلمين بإعتبارها نعمة كبرى ومنّة عظمى من الله تبارك وتعالى. وأما على صعيد العقبات التي تعترض وحدة الأمة: فليس هناك مسلم مخلص لدينه يقبل ـ بأي حال من الأحوال ـ ان يكون عنصراً يخدم أعداء الدين. ومن هنا بات ضرورياً على عقلاء الأمة ومفكريها وعُلمائها، أن يعملوا على توحيد الصفوف، وبذل الجهود المتواصلة في سبيل إصلاح ذات البين، وإزالة العقبات التي تعترض طريق الأمة نحو التقدم والإزدهار. ومن هذه العقبات تلك الآثار السلبية للخلافات المذهبية بين السنة والشيعة أو بين بعض الطوائف الأخرى داخل إطار كل منهما. وقد آن الأوان لأن تختفي مظاهر هذا الخلاف التاريخي، وتزول عوامل النزاع والشقاق بين طوائف الأمة، ولسنا نقصد بذلك أن يتغلب مذهب على مذهب أو أن ينتصر فريق على فريق، ولكن القضية أكبر من ذلك بكثير، إنها بالدرجة الأولى قضية الإسلام كدين وهوية وإنتماء وتميز، وقضية الأمة الإسلامية التي «تداعت عليها الأمم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها» (أخرجه أبو داود في سنته) كما تنبأ بذلك صلى الله عليه وآله وسلم، وكما هو واقع أمام أعيننا في عالم اليوم. فحقوق المسلمين في كل مكان مهدورة، وأعراضهم في مناطق عديدة منتهكة، وذممهم مستباحة، وأراضيهم ومقدساتهم مسلوبة، ودماؤهم تراق ليل نهار ظلماً وعدواناً. وهم عاجزون عن فعل شيء غير الشجب والإستنكار والإدانة. ومن هنا فإن المسلمين اليوم في أشد الحاجة ـ أكثر من أي وقت مضى ـ إلى توحيد صفوفهم، وتنسيق جهودهم، ودفن خلافاتهم على جميع الأصعدة، لأن قضيتهم في عصرنا الحاضر قضية مصيرية، وهي أن يكونوا أو لا يكونوا. وفي هذا الوقت الذي ألمحنا إلى ما يحمله للمسلمين من أخطار، يسعدنا ويشرفنا أن نرى جهوداً هادئة وهائلة تبذل من جانب أناس قدامى ومحدثين مخلصين حريصين على المصلحة الإسلامية العامة، من أمثال الإمام جمال الدين الأفغاني، وتلميذه محمد عبده، والإمام مصطفى المراغي، والإمام حسن البنا، والإمام الشيخ محمود شلتوت (والذي أشتهر بالمقولة الآتية: إن دعوة التقريب بين المذاهب هي دعوة التوحيد والوحدة، وهي دعوة الإسلام والسلام ولسوف أدعو الى الوحدة والتقريب كمنهج قويم ما حييت...) ومنهم أيضا الإمام السيد محمد تقي القُمي، والإمام آغا حسين البروجردي وغيرهم من مختلف الطوائف الإسلامية، والذين دعوا إلى الوحدة الإسلامية. وفتح باب الإجتهاد للتجديد والتقريب وإصلاح ذات البين. والجميع يهدف من وراء هذه الجهود إلى التقريب بين المذاهب والطوائف الإسلامية، وإذكاء روح الأخوة بإعتبار أن ذلك يعد خطوة مهمة على طريق الوصول إلى مجتمع إسلامي موحد في اهدافه وغاياته. حتى ننأى بالأمة عن المخاطر، ونخرج بها من الجمود والتفرق والتأخر والشقاق والنزاع، والتي ما فتئت تنخر في جسد الأمة الإسلامية. وتحيط بها من كل جانب وعلى جميع المستويات. وأخيراً نكرر الشكر للقائمين على المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية كما نشكر جميع المشاركين بالبحث والدراسة والتعقيب في هذ الملتقى الكبير، ونسأل الله عز وجل أن يوفق الجميع لما يُحبه ويرضاه، وأن يُحقق هذا المؤتمر ثماره وأهدافه المرجوة، إنه ولي ذلك والقادر عليه. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.