الغــزو الثقــافي للأمّــة .. مظاهــر ومخاطــر محمد حسين عرندس رئيس تحرير مجلة البلاد اللبنانية مقدمة البحث تواجه الأمة الإسلامية ـ اليوم ـ هجوماً ثقافياً إعلامياً شاملاً يستهدف التشكيك بالهوية الحضارية الثقافية للأمة ويركّز على تشويه المضمون التحرري والجهادي لكل التحركات المناهضة للإستكبار والصهيونية والتبعية. هذا الهجوم ليس جديداً بالمعنى الزماني والتاريخي للكلمة. ولكنه الأعمّ والأشمل والأخطر على الإطلاق. فلقد تعرّضت الأمة خلال تاريخها الطويل إلى هجمات وغزوات كثيرة مازالت بصماتها وآثارها في جسم الأمة حتى الآن. ولكنها كانت تستهدفها في مواقع محددة وأزمنة مختلفة. مما يتيح لها التراجع ثم التقدم ويترك مساحة كافية للمناورة. أما اليوم فإن هذا الهجوم يطال الأمة دفعة واحدة في كل مواقعها. وأخطر ما فيه أنه يستهدف ثقافة الأمة وخزانها الفكري والحضاري لتدمير مايحويه من قيم الإيمان والحق والعدالة والإنسانية وإعادة تعبئته وشحنه بقيم مادية فاسدة ومشوهة تقطع أوصال الإنتماء للأمة وتحولها إلى شراذم ذات شخصية تابعة متلقية. إنه غزو منظّم ومبرمج يحاول إصابة قلب الأمة النابض وإماتته بعدما انكشف هذا القلب عقب سقوط الحصون السياسية والعسكرية والإقتصادية. إنه غزو العقول وإحباط النفوس وتكييف نمط حياتنا وسلوكنا وتغيير قيمنا ومبادئنا بما يلائم هيمنة الإستكبار فنقر له بالسلطان ونتخلى عن مقاومة الظلم والعدوان. هذا الغزو تنفذه قوى الإستكبار العالمي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية ضمن الهجوم الشامل السياسي والإقتصادي والعسكري والإعلامي الذي تشنه على شعوب العالم. إنها حرب على كل الجبهات دفعة واحدة. ولأول مرة في تاريخ الصراعات تتقدم الجبهة الرابعة (الإعلامية والثقافية) على غيرها. وما ذلك إلاّ لأن الإستعمار الجديد لايهدف فقط إلى السيطرة على مقدرات الشعوب وحكمها بل أيضاً يريد النفاذ إلى ثقافتها لتحقيق تبعية فكرية وروحية ووجدانية بعد نجاحه في تحقيق التبعيات السياسية والإقتصادية ولأن جبهة الثقافة ـ خصوصاً عند الأمة الإسلامية ـ تشكل أصلب الجبهات وآمنها فإن المواجهة تتركز عندها. وتستنفر قيادة الإستكبار كل طاقاتها وأسلحتها في هذا المجال لإسقاط هذه الجبهة أو احداث اختراقات فيها كما فعلت في الجبهات الأخرى. موظفة في سبيل ذلك وبشكل مدروس وناجح كل انتصاراتها على الجبهات الأخرى وإنجازاتها الكبيرة التقنية والعلمية في مجال الصناعات الإلكترونية الدقيقة والبالغة التعقيد للتحكم في الفضاء وإدارة الإتصالات وبث الصور والأفلام من خلال الأقمار الصناعية وعالم الإنترنت الهائل. والتي كلفتها أموالاً طائلة. وهي لا يمكن أن تكون قد صرفتها من أجل الإنجاز العلمي فقط بل من أجل جني أرباح أكثر وتحقيق أهدافها في السيطرة على العالم. لقد بدأت مرحلة السيطرة على المعرفة الدولية بعد إنجاز التحكم بالسياسة الدولية والإقتصاد الدولي. والأمة في وضع مأساوي لاتحسد عليه من التخلف العلمي والتجزئة والتفرقة والفقر والجهل والإرتجاج الثقافي والمشاكل الكبرى كقضايا فلسطين ولبنان والعراق وكشمير والبوسنة والشيشان وأفغانستان. هذا الهجوم الشامل يتم تحت عنوان العولمة يمهّد له بالكثير من النظريات والأطروحات لتسهيل مرورها واختراقها لحواجز الرفض المبدئية التي شرعتها الشعوب والدول المستهدفة. ولا يمكن صد هذا الهجوم ومنعه من الإنتشار ودخول المنازل والمجتمعات والحياة اليومية في أي مكان في العالم. فحيث توجد كهرباء أو بطاريات وأجهزة راديو وتلفزيون وكمبيوتر تكون مستعمرات ومنابر له تعمل على بث قيم مادية وإستهلاكية سلبية وإباحية وعنيفة وعنصرية تتعارض مع القيم الروحية والأخلاقية والوطنية والإنسانية والدينية التي تشكل تراث الأمم والشعوب العريقة. إنه نوع من الغزو لم تعتد عليه الشعوب ولم تحضّ نفسها مسبقاً لصده. ولذلك لم تشعر إلاّ وهو داخل المجتمع بل داخل البيوت يتحرك ويهاجم ويخرّب، ويحدث ثقوباً واسعة في جدران المناعة الثقافية ويكاد يقترب من صدعها تمهيداً لتداعيها. فى السابق كان المنتصر عسكرياً وسياسياً يحاول فرض ثقافته على المهزوم. وكان المهزوم يلجأ إلى كثير من المراوغات والوسائل للحفاظ على ثقافته الأصيلة خصوصاً في الأماكن البعيدة نسبياً عن سيطرة المعتدي. ولكن اليوم فإن الغزو الثقافي يمكنه أن يصل إلى اصغر بيت في أبعد قرية على الكرة الأرضية مروراً بكل المنازل والقصور وأماكن العمل والتسلية وغرف النوم والإستقبال على امتداد العالم. ولا تدخل هذه الثقافة لأن أميركا تحتل هذه المناطق ولا لأنها تملك الهيمنة السياسية المباشرة على هذه البلدان بل تدخل بقوة الهيمنة الإقتصادية والتكنولوجية العالمية التي تتجلى في شركات إنتاج البرامج الثقافية والترفيهية وإنتهاج أدوات نقلها ونشرها في العالم، وكذلك في إنتشار اللغة الإنجليزية التي هي لغة هذه الثقافة. وإذا كان لايمكن صد الغزو بالوسائل التقليدية فهل الإستسلام له هو الحل؟ الجبهة الثقافية هي خط الدفاع الأخير للأمة وبعده السقوط. ولايمكن لأمة عريقة تحتضن رسالة الله للزمن الأخير أن تتهاون في هذه المواجهة. وإن تكن التجارب السابقة لم تنجح في توحيد الجهود على الجبهات الأخرى لاختلاف المصالح وتصادم وجهات النظر فإن الأمر هنا مختلف. إنه دفاع عن البيوت والأبناء عن الدين والهوية. والأمة تملك مخزوناً كبيراً من القيم والطاقات قادرة إن جمعت ووحدت على الصمود وإلحاق هزيمة قاسية بالمشاريع التي تستهدفها. ومهيأة لأن تشكل رأس الحربة الدولية للتحرر من الهيمنة الإستكبارية. خلفيات ومعالم الغزو الثقافي مع إنتهاء الحرب الباردة وتفكك الإتحاد السوفياتي عام 1989 إعتبرت الولايات المتحدة الأميركية أنها انتصرت. وأن صراع النفوذ إنتهى وأن الطريق أمامها لبناء النظام العالمي قد فتحت لأن العالم أصبح ذا قطب واحد. وبدأت بسرعة تنفيذ الإجراءات الممهدة لذلك. وتحت هذا الشعار جرّت حلفائها في الغرب إلى شن حرب دامية ضد العراق ثم فرضت خطتها في يوغسلافيا السابقة بالقوة. وفي الوقت نفسه كانت تنظّم مشاريع الإقتصاد العالمي بما يخدم رؤيتها. فقد أجبرت المكسيك على توقيع إتفاقية التبادل الحر مع أميركا الشمالية وكندا ثم على أساسها أنشأت السوق الأميركية المشتركة بين 3 دول تعد 363 مليون نسمة، فدعمت بذلك موقفها في مواجهة أوروبا ومفاوضات الغات وفي مواجهة آسيا في مؤتمر القمة الأول للتعاون بين آسيا ودول المحيط الهادىء الذي أنعقد في سياتل عام 1994. ثم تمكنت من فرض منظمة التجارة العالمية المكلفة بتطبيق قواعد التجارة العالمية ومراقبة إتفاقيات الغات. وقد استخدمت الولايات المتحدة الأميركية منظمة الأمم المتحدة لتشريع حملاتها وخطواتها في العالم بعد أن هيمنت عليها وعلى غيرها من المؤسسات الدولية لتصبح في خدمتها كمجلس الأمن وصندوق النقد الدولي وقد تحول الأمين العام للأمم المتحدة إلى شبه موظف في البيت الأبيض، وعندما تجرّأ بطرس غالي على نشر تقرير الأمم المتحدة حول مجزرة قانا أقيل من منصبه فوراً. ولا تختلف منظمة حلف شمالي الأطلسي عن الأمم المتحدة فواشنطن تتخذها مطية لإحكام سيطرتها على تلك المنطقة وهي تخطط لمد نفوذها عبرها إلى حدود بيلاروسيا عن طريق ضم عدد من دول أوروبا الشرقية إليها. كذلك تمكنت واشنطن من امتلاك تأثير كبير داخل الإتحاد الأوروبي ولذلك تأتي قرارات هيئة بروكسل دائماً حسب رغباتها عندما يتعلق الأمر بمصالحها كالتصويت مثلاً لصالح الوحدة الجمركية مع تركيا تحت حجة منع التيار الإسلامي من الإنتصار في تركيا. وكذلك عندما أقنعت هذه الهيئة البرلمان الأوروبي بالتصديق على إتفاقية تحرير التبادل في مجال الصناعات الكهربائية هذا الاتفاق يفتح الأسواق الأوروبية أمام المنافسة الأميركية وبالمقابل تعرقل واشنطن فتح أسواقها أمام أوروبا بحجة أن الولايات الفيدرالية هي التي تقرر ذلك. وكانت النتيجة أن ثلثي أسواق أميركا بقيت مغلقة أمام المنتوجات الأوروبية. وفي الشرق الأوسط ضغطت واشنطن لحل الصراع العربي ـ الإسرائيلي لصالح الكيان الصهيوني وجمعت الأطراف في مؤتمر مدريد عام 1991. ورعت الإتفاقيات الثنائية بين منظمة التحرير الفلسطينية والكيان الصهيوني وبينه وبين الأردن. ومازالت تضغط لحله على المسارين اللبناني والسوري بشكل يتناسب مع مصالحها ويرضي حلفائها الصهاينة. فتحت الولايات المتحدة الأميركية كل الجبهات دفعة واحدة فهي تريد أن تعتلي عرش العالم بسرعة قياسية. وقد تمكنت في خلال عشر سنوات من إحداث تغييرات في العالم أكثر مما حدث خلال المئة سنة بعد الثورة الصناعية الكبرى. وها هي تروّج لنظام جديد يحل محل الحرب الباردة هو نظام العولمة. وإن كان سلاح الإقتصاد هو الذي أسقط أسوار الدول وجعلها مفتوحة وخاضعة للسيد الجديد إلاّ إن سلاح الإعلام والثقافة هو الذي يقوم بدور التمهيد وإستكمال عملية السيطرة بإضفاء الشرعية المطلوبة عليها وإحلال القناعة بها واحداث تغييرات فكرية وذهنية تجعل شعوب العالم ودوله راضية بالإدارة الدولية لها. ولذلك فإن واشنطن أولت هذا السلاح أهمية كبية وسخّرت له أموالاً طائلة ووسائل تقنية دقيقة للغاية ليقوم بدوره في نشر ثقافة السلطان وتكريسها ليسهل عليه حكم العالم. وهكذا فقد أطلق نائب الرئيس الأميركي آل غور سنة 1993 فكرة شبكات المعلومات التي يجب أن تغطي الكوكب كله وتسوّق عبر العالم الرسالة الأميركية المتعددة الثقافات والمتعددة الجذور في مجال صناعة السينما والإتصالات عبر الأقمار. واجتاحت شبكة السي أن أن العالم عبر أكثر من ثلاثين مكتب خارج الولايات المتحدة لتسوّق المنهج الأميركي وبدأت عملية الإستعباد الثقافي الأميركي للأمم عبر موسيقى الروك والمسلسلات التلفزيونية وغيرها من الوسائل الأخرى قد يبدو للوهلة الأولى أن العولمة الثقافية تتيح الفرصة للتعددية الثقافية ولتداخل الثقافات والأفراد والمجموعات الإجتماعية والإقتصادات وان تجاوز النطاقات الوطنية وسيادة الدول هو في سبيل تدفق السلع والمنتوجات والخدمات المعلوماتية والإعلامية والثقافية هكذا يحاول الإعلام الأميركي تقديم العولمة وهو يحاول الإيحاء بإستمرار إيجابية هذه الظاهرة والفوائد الجمة للشعوب منها وإن ثمة ثقافات معينة تقف عقبة في طريق سريان عالمية التفكير والإستهلاك. ولا يحتاج المرء إلى بحث كبير حتى يكتشف أن وراء هذه الإيحاءات والتوجهات الشركات المتعددة الجنسيات التي باتت تتحكم بإقتصاد العالم والتي يتجمع القسم الأكبر منها في أميركا وكندا والباقي في أوروبا واليابان. وهي المسيطرة على ثورة الإتصالات وتكنولوجيا صناعة المعلومات وتشكيل العقول وأنماط التفكير والسلوك. ولذلك ينعت كل من يقاوم هذه المنهجية بالإرهاب والتشدد وتتهم كل دولة ترفض الإنصياع بأنها تخرج على النظام الدولي وتهدد الأمن العام. وهكذا تظهر الولايات المتحدة وكأنها في موقف الدفاع عن النظام الدولي وعن الحريات الدولية. ويعبر الكاتب الأميركي الشهير نعوم تشومسكي عن هذا الأمر بالقول: «إن الفرضية الضمنية هي أن النظام الأميركي الخاص بالتنظيم الإجتماعي والسلطة والعقيدة التي تصاحبه يجب أن يكون عاماً. إن أي شيء أقل من هذا لا يعتبر مقبولاً. ولكن لا يمكن التسامح مع أي تحد. إن كل عمل والحال هذه تتخذه الولايات المتحدة لنشر نظامها وعقيدتها هو عمل دفاعي». ولما كانت السياسة الخارجية الأميركية تقوم على ضرورة وجود تهديد ما والعمل على إيجاده إن لم يكن موجوداً فإنها اتجهت بعد انتهاء الحرب الباردة إلى تصوير الإسلام على أنه التهديد الجديد واصفة إياه بالأصولية أو الراديكالية. وتقول الكاتبة إيلين سيولينو: «في ظل غياب التهديدات الملحة الأخرى ضد الولايات المتحدة فإن الراديكالية الإسلامية نجحت في التحكم في خيال عدد من أعضاء الكونغرس». وتظهر هذه الحقيقة في التغطية الإعلامية الأميركية لأخبار الإسلام والمسلمين وهي تتميز بالسلبية ويؤكد المراقبون أن رموز التيار المسيطر في وسائل الإعلام هم أنفسهم أعضاء في مؤسسة النخبة السياسية الرسمية. إن التركيز على أن الإسلام هو العقبة وأن الأصوليين الإسلاميين يعرقلون مسيرة العالم نحو التطور والإنطلاق هو محاولة لتهيئة الأذهان وتعبيد الطرق لغزو العالم الإسلامي وإتخاذ إجراءات تغييرية فيه تؤمن إختراقه من قبل العولمة. ويقول نعوم تشومسكي أيضاً: «إن العولمة الثقافية ليست سوى نقلة نوعية في تاريخ الإعلام تعزز سيطرة المركز الأميركي على الأطراف ثم على العالم كله». ويعزز قوله توماس فريدمان محرر الشؤون الخارجية في جريدة نيويورك تايمز والذي وضع كتاباً مهماً عن العولمة تحت عنوان: «اللوكزوس وشجرة الزيتون» حيث يؤكد أن العولمة هي عملية أمركة. إنها تحوّل العالم ليصبح ملعباً لأميركا. لم تصل إمبراطورية في التاريخ إلى ما وصلت إليه الإمبراطورية الأميركية من إتساع في مجالات النفوذ والسيطرة والهيمنة ومن انتشار للقيم ومن مستوى ودرجة خضوع الآخرين. ويضيف: «نحن الأميركيين رسل العالم السريع. أعداء التقاليد ـ أنبياء الإقتصاد الحر ـ الكهنة الأعظم للتكنولوجيا الرقمية، نحن نعمل لتوسيع ونشر قيمنا ومطاعم بيتزا هت. نحن نريد من العالم أن يقتفي أثرنا ويصبح ديموقراطياً ورأسمالياً على شفتيه زجاجة بيبسي وميكروسوفت على جهازه الحاسوبي». ثم يحاول تثبيط العزائم وتثبيت قاعدة لا مفر منها بقوله: لم تعد أميركا بحاجة لاحتلال دولة أخرى، فالإحتلال حاصل فعلاً بالثقافة والتجارة والإقتصاد والتكنولوجيا وبمنظومة القيم. ومن يتمرد فسوف يتعرض لما تعرضت له أندونيسيا وماليزيا والهند وتايلاند. والواضح أن فريدمان هذا يقدم نفسه على أنه ناطق رسمي بإسم العولمة ومنظر لها. ومن عنوان كتابه نفهم الهدف البعيد للعولمة المتمثل بالقضاء على الأصول الثقافية للمسلمين التي يرمز إليها الكاتب بشجرة الزيتون. إنه يحاول من خلال الكتاب أن يصور المواجهة بين العولمة والإسلام بأنها «بين شيء ساكن قديم وشيء متحرك جديد. فسيارة اللوكزوس هي رمز التطور والتقدم التكنولوجي وشجرة الزيتون هي رمز للثقافة الجامدة الرجعية. ولا مكان في المستقبل لشجرة الزيتون فالسيارة ستصطدم بها حتماً وتقتلعها من جذورها. شتان مابين قوة صمود الساكن القديم وقوة هجوم المتحرك الجديد. لن يتنازل القديم بسهولة ولن يستسلم بسرعة ولكنه لن ينتصر». إنه اعتراف واضح وصريح بالنوايا الأميركية للهجوم على العالم الإسلامي مستهدفين اختراق ثقافته وتدمير قيمه. وتحديد العالم الإسلامي هو نوع من التخصيص ضمن الهجمة الشمولية على العالم لأن الأميركيين أنفسهم يعتبرون أن أقسى مواجهة سوف تحدث مع هذا العالم لما يتمتع به من مرتكزات ومبادىء وثوابت ليس من السهل تدميرها. إذن فإن الأميركيين يقومون بعملية غزو ثقافي. وهذا الغزو ليس بالضرورة الإجراء الوحيد لنشر الثقافة الأميركية أو ثقافة العولمة فقد يحدث الغزو أيضاً بالواسطة أو بالإستدعاء. حيث تقوم المؤسسات المهيمنة وعن طريق أجهزة وأفراد ما يسمى بالقطيع الإلكتروني وعملائهم بإيجاد أساليب لتكثيف وتسريع دخول أنواع الثقافة الأميركية إلى الأسواق والمجتمعات الوطنية وقيام ما يمكن تسميته بحصان طروادة للإختراق الداخلي حيث تتدهور مكانة المثقف في المجتمع وينخفض مستوى معيشته ويتراجع موقع الثقافة في الأولويات الداخلية. ويبدأ التسليم الإيديولوجي لدى النخبة بغلبة أفكار إقتصاد السوق. ثم يتبع ذلك نشوء أحلاف قوية بين طبقة النخب السياسية والحكومية ورجال الأعمال والشركات الأجنبية ومؤسسات تصدير الثقافة الأميركية. وينتج عن ذلك بطالة ثقافية يكافح أفرادها لتأمين العيش. وهذا يوفر مناخاً ملائماً لعروضات مغرية بالعمل كوكلاء أو أدوات تبشيرية بالمنهجية الجديدة والحتمية الثقافية الأميركية. لم تعد أساليب الغزو الثقافي الأميركي للعالم الإسلامي سرية. فمشاهد هذا الغزو مرئية يومياً في مجتمعاتنا وهناك ترويج هائل عبر وسائل الإعلام الدولية لتسويق هذا الغزو وتلميع المشاركين فيه والمنضمين إلى معسكره وتشويه الرافضين والممانعين. فشبكات التلفزة العاملة في خدمة هذا الغزو تستضيف لساعات طوال مفكرين وأدباء وفنانين مغمورين من بلادنا لإبرازهم وتقديمهم إلى الجمهور وقد تحولت الجوائز الأدبية والفنية العالمية إلى جوائز شراء لأفراد يقبلون السير تحت لواء العولمة. وتنقسم موجات الغزو الثقافي إلى قسمين: الأول يستهدف النخبة والمثقفين والثاني يستهدف الثقافة الشعبية. وهما وإن افترقا أو تمايزا من حيث الأسلوب فإنهما يجتمعان في الهدف والتوجيه. ويلعب الإعلام في كلا الحالتين دوراً مهماً. فهذا النوع من الغزو لا يأتي على ظهر دبابة ولا يهبط بمظلة من الطائرات العملاقة بل يفاجئك في غرفة النوم أو في مكتبك أو في السيارة أو الشارع عبر شاشة إلكترونية أو مذياع. إن ربط وسائل الإعلام مع الوسائل الإلكترونية الحديثة ربطاً وثيقاً جعلهما يتكاملان ضمن نظام إتصال واحد سهّل لقوى الهيمنة إمكانية السيطرة على الحياة الإنسانية. وإمكانيات هذه الثورة الإعلامية في ازدياد يومياً وبشكل يصعب على عقل الإنسان العادي أن يستوعبه بسهولة. وما كان يعتبر خيالاً في الثمانينات تحول إلى حقيقة بعد عقدين. وبالتحكم بهذا النظام من قبل المركز الدولي المهيمن صار بالإمكان ضخ الرسائل الإعلامية والثقافية من هذا المركز إلى الأطراف أي الدول النامية. وهكذا يتم نشر ثقافات أجنبية في المجتمعات الوطنية الطامحة نحو التقدم والنمو وتتكثّف هذه العملية حتى تتحول الثقافة الوطنية غريبة في بلدها. ويتم كل ذلك تحت شعار «التحديث». ومن خلاله توجه الثقافة للاهتمام بالعالميات الجذابة والبراقة وإهمال الوطنيات التقليدية والمملة فتتأثر بذلك القيم التقليدية والفنون وألوان التراث التي تعطي الثقافة الوطنية طابعها فتتسلل عند ذلك الثقافات الأجنبية الدخيلة وتمتزج بثقافاتنا الشعبية بل وتبتلعها في بعض الأحيان والأماكن. ويشير تقرير لجنة اليونسكو الدولية لدراسة مشاكل الإتصال الذي نشر في أوائل الثمانيات إلى أن «دولاً معينة ومتقدمة تكنولوجياً تستغل مزاياها لممارسة شكل من أشكال السيطرة الثقافية والإيديولوجية تعرض الذاتية القومية لبلاد أخرى للخطر». ويؤكد هذا الكلام هيربرت شيللر أستاذ الإعلام الأميركي ونائب رئيس المنظمة العالمية للأبحاث الإعلامية بقوله: إن الإستعمار الثقافي ينمو في النظام الإعلامي الحالي حيث نرى شروط النتاج الثقافي وشخصيته يتقرران في مركز سوق عالمية واحدة تفرض نتاجها على العالم. وحيث يكون هنالك خطر في قبول مبدأ حرية إنسياب المعلومات في عالم لا تتساوى فيه الإمكانيات التقنية والمادية وبالتالي في عالم تكون فيه الدول الصغيرة والفقيرة معتمدة بصورة كبيرة على الدول الكبيرة في تقنية إنسياب معلوماتها. إن السيطرة على وسائل الإعلام جعل الثورة الإعلامية تحول الدول النامية إلى مجرد مستهلك للإعلام الذي تقدمه الدول العظمى. ولا دور لها ولا تأثير في عملية تبادل الأخبار والمعلومات حتى تلك المتعلقة بها. وتقول بعض الإحصائيات أن حوالي 80% من الأخبار والمعلومات المتداولة عالمياً تصدر عن وكالات أخبار تابعة للدول المهيمنة التي تملك أيضاً غالبية الموجات الإذاعية وأقنية الأقمار الصناعية. إن أهم مظاهر الغزو الثقافي أيضاً تكمن في تدفق المعلومات من الشمال إلى الجنوب من الدول المهيمنة إقتصادياً وتقنياً نحو الدول النامية التي تخضع لإحتكار شديد تمارسه قلة من الدول على العالم بأكمله. ولإلقاء مزيد من الضوء على هذا الواقع في المنطقة العربية تحديداً نستعين بإحصائيات نشرتها منظمة اليونسكو عن العالم العربي منذ حوالي 10 سنوات. وقد زادت النسب كثيراً في السنوات اللاحقة. وتقول الإحصائيات بأن شبكات التلفزيون العربية تستورد بين ثلث إجمالي البث (كما في مصر وسوريا) ونصف هذا الإجمالي (كما في تونس والجزائر). أما في لبنان فإن البرامج الأجنبية تصل إلى حوالي 60% من إجمالي البث. فيما تبلغ البرامج الثقافية منها نسبة70% حتى البرامج المحلية فإنها تقلد الأجنبية وتتبنى قيمها بل هي نسخة ممسوخة عنها. ولا يقف الأمر عند هذا الحد من التدفق الإعلامي والثقافي الأجنبي بل يتعداه إلى أكثر من ذلك حيث تقدم غالبية البرامج بلا ترجمة إلى اللغة العربية. وخصوصاً برامج الأطفال. فيما تشير الإحصائيات إلى أن قيمة الإنتاج الثقافي والفني الأميركي المصدّر للخارج بلغ 60 مليار دولار في عام 1998 . أما فرنسا فتنفق سنوياً على قطاع السينما فقط حوالي 200 مليون دولار. ويقول د. نبيل دجاني أستاذ العلوم الإجتماعية والسلوكية في الجامعة الأميركية في بيروت «أنه نتيجة لهيمنة الإعلام الأجنبي على وسائلنا الإعلامية ومحتواه أصبح مضمون وسائل الإعلام العربية يساهم بصورة عامة في تغريب المواطن عن مجتمعه بدل تسهيل مشاركته في أمور هذا المجتمع. ويتم هذا التغريب عن طريق تقديم مضمون إعلامي يشعر المواطن بأن لا صلة له أو رابط مع ما يراه على صفحات صحيفة أو قنوات تلفزيونية من مضمون». ويؤكد الدكتور دجاني على دور وسائل الإعلام في إثارة الخلافات الداخلية من خلال ما تبثه من برامج مستوردة فيقول: «إن ما يزيد التناقض بين الأقطار العربية وكذلك داخل هذه الأقطار هو دأب وسائل الإعلام الجماهيرية خصوصاً التلفزيون منها، على بث البرامج الثقافية والأجنبية والترويج للقيم الأجنبية. مما يؤدي إلى سوء فهم الجماهير العربية لتقاليدهم وقيمها الإجتماعية مما يربك شبابنا وأطفالنا ويتسبب في ضياعهم». وبالإضافة إلى هذا الإستهداف الكبير للثقافة الشعبية يتمظهر الغزو الثقافي للأمة في ساحة النخب المثقفة في مجتمعاتنا ولعل آثار الغزو تبدو فيها بصورة أوسع وأنصع لأن هذه الطبقة كانت أسرع إستجابة وأسهل إختراقاً من المستويات الشعبية علماً أن المثقفين عادة يجب أن يشكلوا حصناً ثقافياً لمجتمعاتهم وخط دفاع أول عنها. ويبدو أن الإغراءات المتعددة التي تقدمها مراكز القوى والأساليب العلمية المبتكرة والمقنعة التي تغلف بها نظرياتها وبضائعها الثقافية قد فعلت فعلها في صفوف النخب. مما جعل عدداً من هؤلاء يسقطون في المصيدة ويتحولون إلى دمى وأبواق لقوى الإستكبار والهيمنة وأحصنة طروادة لها لإختراق مجتمعات الأمة من داخلها. وما روايات المرتد سلمان رشدي والكاتبة البنغالية نسرين والعشرات غيرهم إلاّ براهين على ذلك. وقد أصبحنا نشهد يومياً رواية أو قصيدة أو فيلماً أو مقالاً يحاول أن يهزّىء عقيدة الأمة ويسخّفها ويشوهها في أعين الأجيال. وقد كثرت في دول الغرب في الآونة الأخيرة مراكز الدراسات التي تهتم بدراسة الإسلام، والأمة الإسلامية. وليس ذلك لإثرائها ومدها بعناصر التطور والتقدم بل لتشريحها ومعرفة الثغرات للنفاذ منها والإنقضاض عليها. وإنك لتجد اليوم في إحدى الدول الكبرى مراكز دراسات بعدد الدول الإسلامية وعدد المذاهب الإسلامية والجماعات والأطراف والطرائق. ويبدو المشهد جلياً أكثر في منطقة الشرق الأوسط حيث يتعاظم الغزو هناك ويتخذ صفة الهجوم المباشر بسبب وجود الكيان الصهيوني ورغبة دول الإستكبار في تطبيع وجوده في المنطقة وتسهيل أمر هيمنته عليها ليكون وكيلها الإقليمي فيها. فبعد مؤتمر مدريد عام 1991 تم استحداث مؤسسات ثقافية وفكرية وإعلانية هدفها التخطيط لتغيير التركيبة الثقافية للعالم العربي وأهمها: ـ البادرة من أجل السلام والتعاون في الشرق الأوسط والبحث عن أرضية مشتركة. وتضم هذه المؤسسة عدداً كبيراً من رجال السياسة الأميركيين المعروفين فيهم من تولى مناصب عالية في عهد الرئيس بوش مثل الفرد أثرتون رئيس المؤسسة، وريتشارد مورفي وهارولد ساندرز وشبستر كروكر، وسفراء أميركيون سابقون لدى دول عربية ويتألف المجلس الإداري للمؤسسة من الرئيس الأسبق للبنك الدولي ونائب وكيل وزارة الدفاع الأميركية سابقاً دورف زاخم و25 شخصية أخرى بينها عرب وإسرائيليون. والعرب هم من مصر وسوريا ولبنان والمغرب والأردن والكويت وعُمان. أما أسماء الباحثين في هذه المؤسسة فتبقى سرية و لا يفصح عنها. والهدف كما يقول المسؤولون عنها هو التخطيط والإعداد لثقافة مشتركة بين العرب و«إسرائيل» من شأنها أن تسهل طريق التوافقات السياسية. ـ قيام شبكة مترابطة بين معاهد ومراكز الأبحاث الأميركية والصهيونية والمصرية من أجل اختراق مجال البحث العلمي في شتى الميادين. وقد اشترك في ذلك 16 مركزاً أميركياً و6 مراكز صهيونية متخصصة في شؤون الشرق الأوسط وهو تعبير يقصد به في (شؤون العرب والمسلمين). ـ المركز الأكاديمي الصهيوني في القاهرة المعروف بدوره التجسّسي وقد ركّز أبحاثه على معرفة الأصول العرقية للمجتمع المصري ودراسة تأثير عملية السلام على العقل العربي. ـ أما في فلسطين فقد أقدمت سلطة عرفات على تغيير 14 كتاباً في التربية الدينية و22 كتاباً في اللغة العربية و18 كتاباً في الإجتماعيات ومنع تداول 78 كتاباً من أصل 121 كتاباً مدرسياً وتغيير موادها المتعلقة بحقائق الصراع مع العدو. ـ وفي لبنان تم إنشاء تلفزيون الشرق الأوسط في منطقة الجنوب المحتلة تحت إشراف منظمة شهود يهوه. هذا بالإضافة إلى إقامة الندوات والمؤتمرات ومحاولة إشراك أعداد واسعة من المثقفين العرب والمسلمين فيها تحت شعار الحوار وتبادل الخبرات وبعناوين دولية تبدو للوهلة الأولى أنها غير منحازة. كمنظمة صحافيون بلا حدود التي أقامت ندوة في (25 ـ 27ك2 عام 1994) إشترك فيها صحافيون من مصر والأردن ولبنان والضفة الغربية والكيان الصهيوني وممثلين عن الصحف الأوروبية من اليونان والبرتغال. واللافت في هذه الندوة ورود بند في توصياتها يؤكد أنه: على الرغم من وجود تقدم ملحوظ في عملية السلام في الجانب السياسي والإقتصادي إلاّ أن هذه العملية تشهد ركوداً بل إنحساراً على الصعيد الثقافي. وهذا يعني أنه لابد من إحداث إختراقات في هذه الجبهة لتمرير عملية السلام. وقد وصل الأمر بمحاولات الإختراق السافرة إلى إقدام السفارة الصهيونية في واشنطن على إقامة حفلة تكريم للأديب اللبناني الراحل جبران خليل جبران ودعت إليها جميع السفراء العرب وحشد من المفكرين والمثقفين العرب والمسلمين. وكان الرئيس الأميركي بوش قد مهّد لذلك بإطلاق إسم هذا الأديب على إحدى الحدائق الكبرى في واشنطن. وكانت الخطة تقضي بأن تقام حفلات تكريم متتالية في السفارات العربية بعد ذلك. ولكن موقف الحكومة اللبنانية الرافض، واعتراض السفير اللبناني في واشنطن والمقاطعة العربية أفشل الخطة. ولا عجب فإن الكيان الصهيوني هو أحد الأقطاب الأساسيين في عملية الغزو الثقافي للأمة وهو يقوم بمحاولات وجهود حثيثة في هذا المجال وقد خصص 40% من ميزانيته للمجال الثقافي والبحث العلمي كما قال رئيس الحكومة الأسبق ـ شمعون بيريز ـ وإذا حل السلام فيجب مضاعفة هذه النسبة. أهداف ومخاطر الغزو وتتضح المخاطر التي يتعرض لها العالم الإسلامي نتيجة هذا الغزو الكبير من خلال كشف الأهداف التي يرمي إليها. فبعد تفكك الإتحاد السوفياتي أعلن قائد الحلف الأطلسي أن الشيوعية سقطت وأن العدو للغرب يتمثل في الأصولية الإسلامية. ومنذ ذلك الوقت بدأت مراكز الدراسات في الغرب والاجهزة المختصة بإعداد الخطط والدراسات لبلورة طبيعة هذا العدو وشن حملة مكثّفة لإقناع مجتمعاتهم وحلفائهم بالعدو الجديد. وهذا لنيدون لاروش المرشح السابق للرئاسة في الولايات المتحدة الأميركية يكشف عن وجود مخطط لإشعال حرب ضد الأصولية الإسلامية في العالم كله. وأوضح أن هناك تحضيرات تتم من خلال ما يسميه التحالف الانكلو ـ أميركي للقيام بإستفزازات قاسية وارتكاب فظاعات في العالم الإسلامي تسمح ببروز أصوليات منفعلة كما حدث في البوسنة وضد الفلسطينيين والعراق والشيشان وغيره. وبشاعة هذه الجرائم والفظـاعات الأوروبية والأميركية ستجعل الفرصة متاحة أمام الأصوليين للبروز ومحاولة الرد. وعندها فإن التحالف الانكلو ـ أميركي يمكنه أن يعلن بأن الأصوليين الإسلاميين متعصبون وهم أعداء الإنسانية وعلينا أن نفعل شيئاً بخصوصهم. ونتيجة هذه السياسة ستكون ـ كما يقول لاروش ـ حرباً عامة ضد الأصولية الإسلامية وسيمتد أوارها من الفيليبين وأندونيسيا وعلى كل المحاور ـ حتى في الولايات المتحدة نفسهاـ فإن الأقليات الإسلامية سوف تكون تحت وطأة الإضطهاد والمضايقة. وتوضح المعلومات أن مهندس هذه السياسة هو برنار لويس بروفسور في جامعة برنستون الأميركية والمعلم الخاص لوزير الخارجية الأميركية السابق وارن كريستوفر. وكان لابد للتمهيد لهذه الحرب أن يتم صناعة وفبركة مصطلحات وصفات وأن تنتج أفلام ومواد ثقافية تشوه الإسلام والحركات الإسلامية في نظر الغربيين وحتى في أنظار افراد مجتمعاتهم فكانت مصطلحات الإرهاب والتشرد والظلامية والتخلف والرجعية والأصولية وغيرها. ويمكن إدراج هذا الهدف ضمن الأهداف السياسية المباشرة للغزو. أما الهدف الرئيسي فهو السعي للسيطرة على مقدرات الشعوب في العالم وأحتوائها ضمن نظام دولي جديد يقوم على محورية قطب واحد. وإن أحتكار صناعات وسائل الإعلام والتحكم بالضخ الثقافي إلى بلدان العالم هو القادر على أحداث الإختراق الذي يتم من خلاله احكام السيطرة على الوعي البشري. وهناك أهداف أخرى مرتبطة به أيضاً ومكملة له ومنها: - الترويج لنمط ثقافي معيّن وقيم إستهلاكية تهدد الثقافات المحلية بالتفتيت والذوبان وتسهل عليه الإندماج والدوران في ذلك مصالح المركز. - ترسيخ سيطرة الرأسمالية على العالم وجعلها أساساً للأنظمة والقيم ليس فقط على المستوى العالمي بل على المستويات الداخلية للبلدان من خلال إيجاد تبعيات بنيوية تكون نتيجة أعمال المؤسسات والأفراد داخل أية دولة. - فتح جبهة رابعة إلى جانب الجبهات السياسية والإقتصادية والعسكرية من أجل تثبيت السيطرة الثقافية وإستقطاب كوادر محلية وتأهيلها داخل الدول النامية للإمساك بزمام الأمور واضفاء الشرعية اللازمة على كل الخطوات التي تمارسها قوى المركز المهيمن. - العمل على تقديم نماذج تنموية وثقافية للعالم الثالث بالشكل الذي يؤمن السيطرة الغربية ويجعل مصير كل نموذج مستقل الفشل ولذلك تحاول أميركا ودول الغرب أن تطرح كل نظرياتها ومبادئها بشكل علمي مقبول من قبل النخبة في العالم الثالث. - جعل وسائل الإعلام المحلية وخصوصاً التلفزيون تغرق في تغطية قيم إجتماعية مقبولة في الغرب أو مستوردة منه على حساب القيم الإجتماعية الحقيقية في الأقطار العربية. وهذا ما يؤدي إلى الإهمال أو التقليل من أهمية المشاكل الوطنية والإجتماعية الأساسية. - النظر إلى أنماط النظام العالمي الإقتصادي والسياسي على أنها مقياس للتمدن والتقدم. وإلى أنماط الأنظمة المحلية على أنها رجعية وبالية ومتخلفة مما يؤدي إلى تشويه القيم الإجتماعية فيشعر المواطن أنه غريب عن مجتمعه. - إثارة التناقضات والخلافات بين المجتمعات الوطنية من خلال التركيز على الخصوصيات والفوارق والمميزات. إن الضحية الأولى للعولمة هي الثقافة. فهي التي ستتحمل عواقب ذلك التحول الكبير وقد أصبحت اليوم معرضة لإضطرابات هي تعبير عن حقيقة أن آليات العولمة تزداد ابتعاداً عن الإنسان بدلاً من أن تكفل للإنسان الإرتقاء إلى مستوى أعلى بفضل الإنجازات العلمية والتكنولوجيا. إن الشحن المكثّف لقيم المادة وأنماط السوق والإستهلاك وعلاقات المصلحة وسيطرة الآلة وحلولها تدريجياً مكان الإنسان تفقد الإنسان كثيراً من مكانته في الحياة وتجعله هامشياً بعد أن تفقده الكثير من الخصال الإنسانية المميزة. إن البشرية اليوم على مفترق طرق. لأن السلبيات في مجال الثقافة بإمكانها أن تبطل مفعول الإيجابيات في مجال الإقتصاد والتقدم التكنولوجي وتدفع العالم نحو الفوضى الشاملة. مازالت الثقافات الوطنية تقاوم. ولكن نتيجة الصراع حتى الآن بين الثقافة الغازية وهذه الثقافات هي لصالح الغازية فقد أنحسرت في كل أنحاء العالم فروع كثيرة من الثقافة مثل السينما والمسرح وضعف الإبداع الأدبي وحل محله النقد الأدبي وصناعات أخرى مدرة للمال مثل الفيديو كليب وما يسمى بالصحافة الصفراء. أو المواد الصفراء في الصحافة الوطنية. إن مستوى الثقافة في بلادنا بدأ يتدنى. وهناك إنحسار واضح في جودة الإنتاج الأدبي والفني وهذا نتيجة للغزو حتى الآن. لقد أربك الغزو الثقافي تحت ستار العولمة الناس في بلادنا فأختلطت الهويات والإنتماءات وتبدلت الأولويات داخل المجتمع. وكاد الإنسان أن يشعر بالغربة في بيئته فلا هو يقبل بالثقافة الوافدة ويرفض التطبع معها ولا هو راض كل الرضى عن القيم والموروث. سبل مواجهة الغزو وبعد، هل يمكن وقف هذا الزحف المخيف؟ هل يمكن وقف قطار العولمة في محطة الثقافة؟ إن في المخزون الثقافي الذي تملكه أمتنا الإسلامية أسلحة كافية للتصدي والمقاومة. ولكن لابد من تعميق المعرفة بها وحسن الإستخدام. ومن أهم السبل الواجب إتباعها لمقاومة الغزو الثقافي هي: 1 ـ وضع إستراتيجية مواجهة ثقافية شاملة على مستوى العالم الإسلامي، لأن الغزو يستهدف الأمة دفعة واحدة ولذلك لاتنفع المواجهات المتفرقة حيث تبدو ضعيفة جداً وغير قادرة وحدها على التصدي والوقوف. 2 ـ إستنفار تراثنا الديني والإنساني الناضج بالقيم الروحية والمتناقض مع قيم المادة والإنتاج لمواجهة محاولات التحريف والتأويل والتزييف الإستكباري والصهيوني. 3 ـ يجب وقف الإختراق الإقتصادي لأنه المدخل للإختراق الثقافي ولأن الغزو الثقافي ناتج عن نزوع الدول القوية إقتصادياً إلى بسط سيطرتها على العالم، وإن التعاون الإقتصادي بين الدول الإسلامية هو أول الطريق لذلك. 4 ـ حل قضايانا الرئيسية بالإعتماد على أنفسنا ووحدتنا والإستعانة بكل المنجزات والعلوم والتقنيات المتطورة الحضارية والثقافية دون الخضوع لشروط منتجي هذه المنجزات. 5 ـ انشاء مراكز دراسات وأبحاث متعددة تعيد إنتاج مواد عن حضارة الأمة وخصائصها ومميزاتها وتكشف زيف إدعاءات الثقافة الأجنبية وتفضح خفايا ومفاسد المجتمعات الغربية. 6 ـ تشجيع إنتاج الأدب الإسلامي والفن الإسلامي بإنشاء جوائز كبرى إسلامية لكل إبداع في هذا المجال على شكل الجوائز الدولية. 7 ـ تكريم المبدعين الإسلاميين في كل المجالات ونشر إنتاجهم. 8 ـ تشجيع الإنتاج السينمائي والتلفزيوني وخصوصاً برامج الأطفال بشكل مدروس لتربية الأجيال على القيم الإسلامية والخصال الحميدة. 9 ـ إستغلال العولمة بما يخدم نشر الفكر الإسلامي وإنشاء شبكة علاقات واسعة فيما بين المجتمعات الإسلامية. 10 ـ تشجيع إقامة الندوات والمؤتمرات الإسلامية المتخصصة للتداول بين المثقفين الإسلامين واتاحة مناخات حرة لإلتقاء النخب الإسلامية وتبادل الخبرات ووجهات النظر. المصادر - تقرير اللجنة الدولية لدراسة مشاكل الإتصال ـ اليونسكو 1981 ص97. ـ هيدبرت شيللر: هيمنة الإتصال والثقافة 1976 ص503. - المؤتمر الحكومي للسياسات الإعلامية في الدول العربية 1987. - مجلة المجتمع الكويتية ـ عدد 99 ـ 10/5/1995. - المؤتمر الدائم للفرد الثقافي الصهيوني 1/11/1994. - حرب دينية في الشرق الأوسط جوزيف بريودا، فرونتيير بوست. - خلدون الشمعة ـ الشرق الأوسط 26/6/1998. - مجلة البلاد اللبنانية. - جريدة الشرق الأوسط عدد 4/11/1998 و28/11/1997 و26/6/1998. - جريدة النهار عدد 9/7/1998. - الكفاح العربي عدد 1/10/1998. - نداء الوحدة عدد 19/8/1999 و20/8/1999. - الحياة 14/3/1998. - المحرر نيوز 26/12/1998.