التمزق والإختلاف في المواقف وخطة تقريبية وإجتماعية شاملة مولانا محمد عزيز الحق عزيز الأمين العام لحركة الوحدة الإجتماعية ـ بنغلادش المقدمة: أهمية توحيد صفوف الأمة الإسلامية: إذا أمعنا النظر في إختلاف الأمة الإسلامية وتشتت وحدتها ونتائج هذه المأساة وتفتيش حلها وتوطيد العلاقات بينها وبين فرقها وأحزابها يجب علينا ان نلفت الأنظار إلى الأهمية التي اهتم بها الإسلام بشأن توحيد صفوف الأمة الإسلامية. فقد جاء الإسلام إلى هذه الدنيا برسالة وحدة الأمة حيث كانت الشعوب والأمم غارقة في النزاعات والخلافات وفي الفوضى والإضطرابات الطائفية والإشتباكات القبلية بل تسرب فيها إنحطاط الأخلاق والقيم الخلقية من قمة الرأس إلى أخمص القدم، وحينئذ جاء الإسلام وأمر بالإعتصام الذي سجله القرآن الكريم بلسانه الخالد (واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا) وإن هذه الآية تدل على أن الله تبارك وتعالى أمر المسلمين بالوحدة في كل وقت من الأوقات وفي كل حين من الأحيان وفي كل عصر ومصر وفي المناسبات الأسرية والإجتماعية كلها وفي العسر واليسر، وهناك سبب هام لهذا الأمر الإلهي وهو لا تتحقق أهداف الإسلام والشريعة الربانية بأداء العبادات الشخصية في البرامج اليومية بدون الوحدة فقط، وإن الإسلام يريد أن يخرج العالم من ظلمات الضلال إلى نور الهداية، وينقذ العالم من الوقوع في شبكة الشياطين المنتشرة شرقاً وغرباً شمالاً وجنوباً في العام كله ويذهب به إلى رحاب الله تبارك وتعالى الذي لا يخلو من الأمن والسلام ومن الراحة والطمأنينة، وينفذ الشريعة الربانية محل القوانين الوضعية بإستئصال جور الأفكار الهدامة كلها ويذهب به إلى طاعة الله سبحانه وتعالى، ولتحقيق هذه الأهداف القيمة يجب على المسلمين قاطبة أن يستعدوا الإستعداد الكامل، حيث أشار القرآن الكريم في هذه الآية (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم) وأن يخوضوا في الثورة النارية ضد المؤامرات الشيطانية، وبدون هذا السعي الكامل لا يجدون السبيل للخروج من شبكة الشياطين ومن مؤامرات أعداء الإسلام والمسلمين، وهذا أمر لازم وحتمي لكل مسلم، فليس لأحد ان يتخلف عنه، وهذا الأمر يتعلق بالجهاد في سبيل الله ضد الطاغوت، ومما يجدر بالذكر أن المسلمين عاهدوا الله تبارك وتعالى من أول يومهم بأن يبذلون كل ما في وسعهم لإعلاء كلمة الله في الأرض، ويواجهون الصعوبات والشدائد كلها بوجه طلق لأجل الإسلام، ويجاهدون في سبيل الله حق جهاده تنفيذاً على أنفسهم هذه الآية القرآنية (وجاهدوا في الله حق جهاده هو إجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج)، ولا يخافون لومة لائم، وهذا لا يتحقق إلا بتوحيد صفوفهم في المعاملات الفردية والجماعية كلها وفي كل مجال من مجالات الحياة الذاتية والإجتماعية، وهذا سيف لا تساويه سيوف أخرى، وهذه أسلحة لا تساويها الأسلحة الحديثة والجديدة كذلك، وأن التاريخ يشهد بأن المسلمين لعبوا دوراً بارزاً في هذه الدنيا بحمل هذا التعليم الإسلامي والسلاح الإيماني في كل عصر ومصر وفي كل زمان ومكان، وأنهم فتحوا باباً جديدا في مجال الثقافة والحضارة في الدنيا، وهزموا قوتين كبيرتين عالميتين آنذاك، وخرجوا إلى حيز الظهور كالأبطال والبواسل، وهذا لا يحدث إلا بسبب وحدة الأمة الإسلامية. نتائج خلافات الأمة ونزاعاتها: ولما خاض المسلمون في الخلافات والنزاعات وتركوا رسالة القرآن الكريم وساروا شيعاً وأحزاباً حيناً وتفرقوا الى شعوب وأمم أخرى حينا آخر، وأثاروا الفرق الشعبية مرة واللسانية مرة أخرى، وكذلك ثارت فيهم النزاعات الفقهية تارة والمذهبية تارة أخرى، واختاروا سبلا متعددة وطرقا مختلفة لنيل النجاح والفلاح ويقولون بلسان حالهم إننا اخترنا طريقا صحيحا و(كل حزب بما لديهم فرحون) فضلّوا وأضلّوا وتاهوا في الغواية والمتاهة فضلا عن محجة الصواب وجادته، ففقدوا جميع مآثرهم الإفتخارية والإعتزازية، وأصبحوا أمة لا قيمة لها ولا أثر بين الشعوب الأخرى في العالم الراهن، وتخلفوا عن الثقافة والحضارة، وفقدوا قوتهم في السياسة والقيادة والبراعة والمهارة وخضعوا أمام أعداء الإسلام مضطرين حينا ومتشوقين إلى نظامهم وأفكارهم حينا آخر، مع أنهم أكثر من 15 ألف مليون نسمة في العالم الراهن، وتخلفوا في كل مجال من المجالات بالنسبة إلى الأمم الأخرى فضلا عن أن يلعبوا دورا فعالا في المجالات التي لها أبهة وعظمة في العالم المعاصر، وما تواجه الأمة الإسلامية هذه الظروف القاسية إلا بسبب نزاعاتها وخلافاتها، وأصبح أبناؤها كأمة خاملة بين الأمم الأخرى، فلا تذكرها كأمة لها دور في تنمية العالم وازدهاره في العصور المنصرمة كما لها قدم في العالم الراهن، ولا تنظر إليها بنظرة الغبطة والحسد، وأخيرا تواجه التعرض لضغط الأمم الأخرى وتأثرت بها تأثرا كبيرا. أهمية وحدة الأمة الإسلامية في القرآن الكريم: إن الله تبارك وتعالى أكد مرات عديدة على توطيد العلاقة الإسلامية تحت ظل الوحدة في الآيات الكثيرة في القرآن الكريم، وبين عاقبة التشتت والتشرذم بكل صراحة ووضوح، لأن التشتت والتشرذم ميزة المشركين ورجال الأيام الجاهلية، وأمر المسلمين أن يكونوا بعيدين كل البعد عن خصائص المشركين والجاهلين، وقد أشار القرآن الكريم إلى هذه الحقيقة بلسانه البليغ عن وحدة الأمة الإسلامية حيث قال: (إنّ هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربّكم فاعبدون * وتقطعوا أمرهم بينهم كلٌ إلينا راجعون)(سورة الأنبياء ـ 92 ـ 93). وقال القرآن الكريم في موضع آخر في هذه المناسبة الهامة: (إنّ هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربّكم فاتقون * فتقطعوا أمرهم بينهم زبراً كل حزب بما لديهم فرحون) (سورة المؤمنون; 52 ـ 53). وفي الحقيقة بدأت مسيرة الأمة من عهد أبينا آدم عليه السلام حتى وصلت إلى آخر الأنبياء نبينا ورسولنا الكريم(صلى الله عليه وآله وسلم) بتأييد الله تبارك وتعالى بواسطة الأنبياء والرسل بناء على التوحيد الخالص والدين الإلهي، ولأجل ذلك أمر المسلمون أن يجتمعوا في رصيف واحد تحت راية دين الله العظيم، ولذلك قال الله تبارك وتعالى: (إن الدين عند الله الإسلام) وقد أشار القرآن الكريم إلى هذا التأكيد على وحدة صفوف الأمة بلسانه البليغ (واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا) (سورة آل عمران: 103). وفي هذه المناسبة ذكر الله تبارك وتعالى للمسلمين المؤمنين أحوالهم المنصرمة، وكيف جعلهم الشرك والكفر أعداء قبل دخولهم في الإسلام، وأثار الشرك في قلوبهم العداوة والبغضاء، حتى اندلعت نار العداوة بينهم، ولكن الله تبارك وتعالى ألّف بين قلوبهم فأصبحوا بنعمة الله إخوانا، وقد ذكر القرآن الكريم هذه الواقعة بلسانه الخالد (واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألّف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخواناً وكنتم على شفا حفرة من النار أنقذكم منها) (سورة آل عمران: 103). وهناك نستطيع أن نقول في ضوء هذه الآية المذكورة بدون أي تلعثم: إن الخلافات والنزاعات وإثارة التمزق والتناقض وتسوية الخلافات وتباين الآراء وتصارعها تذهب بأصحابها إلى شفا حفرة من النار والهلاك، وأخيرا يكون البعض عدوا لأخيه الشقيق، وأصبح البعض عدوا للبعض، ولا يستطيع أحد أن ينقذ نفسه من مغبة الهلاك في العداوة إلا انه يبذل لغرس المحبة والألفة في قلوب الآخرين، وأن يغرس في القلوب المحبة والأخوة، ويبذر بذرة المحبة في المجتمع تاركا جميع تباين الآراء وتصارعها، ونتيجة لهذه الجهود يكون الجميع إخوانا، وهذه صورة الأخوة الأصلية التي يطلبها منا الإسلام ورسالة القرآن الكريم، وإن الله تبارك وتعالى ذكر نتائج الخلافات رادعا للمسلمين المؤمنين عن تمزيق وحدة صفوف الأمة الإسلامية ونشب الخلافات والنزاعات حيث أشار القرآن إلى نتيجتها (وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا) (سورة الأنفال: 46). ومن المعلوم إن وحدة أتباع الدين الإسلامي من فطرة الإنسان ومن مواهب الله تبارك وتعالى ونعمه العظيمة التي أنعم الله بها على المسلمين، ولأجل ذلك لا يتصور في المجتمع الإسلامي نشوب الخلافات بين المؤمنين حقا، وعلى الرغم من ذلك كله إذا نشبت الخلافات والنزاعات بين المؤمنين فإنها تمزق وحدة الأمة الإسلامية تمزيقا عنيفا، وتجعل المسلمين شيعاً وأحزاباً حتى انقسم الدين الإلهي إلى أقسام بين أتباعه وحملة لوائه، وإن دل ذلك على شيء فإنه يدل على أن أصحابه يسلكون طريقاً صحيحا والآخرون يتيهون في الظلمات والضلال بعيدين عن الصواب والصراط المستقيم، وأصبحوا خارجين عن دائرة الإسلام العظيم بأمور تافهة في نظر الآخرين، فلا تكون مأساة أخرى في حياة الأمة الإسلامية مثل هذه المأساة التي واجهتها الأمة بسبب نزاعات أصحابها، فلا يستطيع هؤلاء الرجال والزعماء الذين يثيرون الخلافات ويمزقون وحدة الأمة المحمدية بإثارة النزاعات وتباين الآراء في كل شيء أن يتهربوا عن هذه المسؤولية أمام ربهم، ويتقاعسوا عن هذه المسؤولية يوم القيامة يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، وإن الله تبارك وتعالى لا يتولى هذه المسؤولية كما لا يتحملها رسوله الامين (صلى الله عليه وآله وسلم) مع أنهم يزعمون أنهم يختلفون للدين ولله ولرسوله (صلى الله عليه وسلم)، وقد أعلن القرآن الكريم عن براءة الله ورسوله (صلى عليه وسلم) عن هذه المسؤولية حيث قال بكل صراحة: (إن الذين فرّقوا دينهم وكانوا شيعاً لست منهم في شيء إنما أمرهم إلى الله ثم ينبئهم بما كانوا يفعلون) (سورة الأنعام: 159). وفي الحقيقة إن إثارة الخلافات بين المسلمين وتفريق دين الله الحنيف وتمزيق وحدة الأمة بين أبنائها، ميزة من ميزات المشركين، وإن المؤمنين بالله وبرسوله يعيشون بعيدين كل البعد عن خصائص أعداء الله ورسوله (صلى الله عليه وسلم)، لأن الآلهة الموضوعة تدعو أصحابها إلى أحزاب وشيع، وإن نحت الأصنام والآلهة بالأحجار والتراب وعبادتها والخضوع أمامها تدل على عبادة غير الله، ومن هنا تثور ثورة ضد الله تبارك وتعالى بين المشركين، وهذه الثورة كلها تحرض أصحابها على نحت الأصنام والتماثيل للعبادة، وإن الذي أعد نفسه لعبادة الله وحده ويخضع لأوامره في كل أمر من الأمور فهو لا يخطو خطوة المشركين، ولا يثير الخلافات في وحدة الأمة الإسلامية، ويقول الله تبارك وتعالى في هذه المناسبة: (ولا تكونوا من المشركين * من الذين فرّقوا دينهم وكانوا شيعاً كل حزب بما لديهم فرحون) (سورة الروم: 31 ـ 32) وإن الله تبارك وتعالى يعذّب هؤلاء المشركين عذاباً شديدا في الآخرة، كما أنهم يواجهون عاقبة خطيرة في الحياة الدنيوية، وقد أشار القرآن إلى هذه الحقيقة بلسانه الخالد ونبه المسلمين حيث قال: (ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم) (سورة آل عمان: 105). ولكن إذا اجتمع رجال من المؤمنين لأداء رسالة الدين وتبليغها إلى عامة الناس وخاصتهم حينئذ يكون هذا الإجتماع مفيداً ومثمراً للدين الإسلامي والشريعة الإسلامية، وهناك لا تثور الخلافات في وحدة الأمة بسبب هذا الإجتماع، ولا يفهم الآخرون الذين يعيشون خارجين عن دائرة هذا الإجتماع أنهم مضللون وخارجون من دائرة الإسلام ودخلوا في الكفر، فحينئذ لا تكون هذه الفرق والأحزاب باطلة في ضوء القرآن والسنة، ومن الأسف الشديد فإننا نرى أحزاب المسلمين كلها ورجال الحركات الإسلامية وزعماءهم كلهم يحتسبون الآخرين أعداء لهم ويعتبرونهم أصحاب الفرق المضللة والباطلة إلا من رحم ربه، ويلحقون بالدين الخسارة الجسيمة، فلا يخدمون الإسلام والشريعة إلا نحن فقط، ونشكل للإسلام كسباً كبيراً لا يساويه أي ربح من الأرباح الدنيوية والأخروية، وهذه الأفكار موجودة لدى كل أحد من حملة هذه الفرق والأحزاب. نظرة خاطفة على جوانب الخلافات والنزاعات: أولاً: إن الأمة الإسلامية تواجه خلافات متعددة ونزاعات متفرقة في هذا العصر الراهن على صعيد العالم الإسلامي والعالم العربي، وعلى رأس قائمتها النزاعات السياسية التي تواجهها الأمة الإسلامية شرقاً وغرباً، وظهرت هذه النزاعات بصورة دولة حينا وبصورة شعوب وأمم حينا آخر، ثم ثارت النزاعات بين الرؤساء والزعماء بصور تباين الآراء في الأمور وبإنفجار الصراعات بعدم الإئتمان والأمانة التي حملت على كواهلهم، وبإهتزاز الثقة بهم، وبإثارة الصراعات لتحقيق الأغراض الذاتية، ومع هذه الصراعات بدأ الصراع بين الزعماء والأمراء وبين حملة لواء البلاد في دولة واحدة للسيطرة على الآخرين لنيل الأبهة والعظمة بتثبيت الأقدام، ولتحقيق هذه الأهداف الشخصية ولإظهار التفوق والتغلب على الآخرين، وخرجت منها فروع أخرى للنزاعات والخلافات في دولة المسلمين وهكذا تمزّق التضامن الإسلامي أيدي الزعماء الإسلاميين. ثانياً: تشكيل الصفوف والأحزاب بناءً على المذاهب الفقهية والتقليدية والعقائدية بأمور تافهة، وتكوين الجماعات والشيع بناءً على مذاهب الشيوخ والمرشدين وأداء تعاليمهم بتغميض العيون عن الأوامر الشرعية، وأخيرا تكوين فرق مذهبية وعقائدية، وهذه الفرق لا تكون منحصرة بين تكوين جماعة الشيعة والسنة، بل توجد فرق كثيرة في مذهب الشيعة، وكذلك قد انقسم أهل السنة والجماعة إلى فرق مذهبية وعقائية، ولكل فرقة ومذهب فروع أخرى، ولكل فروع مرشدون وشيوخ وزعماء آخرون، وكلهم يقودون هذه المذاهب والفرق، ومع ذلك كله لا تكون هذه الظروف والاوضاع خطيرة، ومن الممكن أن تختلف آراء الناس في تفسير رسالة الإسلام وطريق تبليغ دعوته حتى انقسموا إلى أحزاب، وهذه الظروف والأوضاع تكون خطيرة على الإسلام والمسلمين، عندما تهتم بالفروع أكثر من الأصل، وتبذل الجهود كلها لحل الفروع دون الأصل ويأخذون القشور دون اللباب، حتى يكون الآخرون خارجين عن الإسلام والمبطلين في نظرتهم، فلا يقف الأمر عند هذا الحد بل ربما يكون الآخرون مستحقين القتل عند الأولين، ويحمل حملة لواء هذه الأحزاب هذه النظرية الخطيرة عن الآخرين وهم من أبناء الإسلام إلا من أعطى الله قلباً سليماً وفكراً صحيحاً وفهماً دقيقاً، مع أن الله تبارك وتعالى يرى تطبيق هذه الآية القرآنية في مجتمع المسلمين المؤمنين (أشداء على الكفار رحماء بينهم) وهناك تجري الرياح بما لا تشتهي السفن، وعلى النقيض من رسالة هذه الآية الربانية. ثالثاً: إننا نرى كثيرا من المسلمين المؤمنين وأصحاب الحركات الإسلامية يريدون أن يقوموا بإقامة الحكومة الإسلامية وبتنفيذ الشريعة الربانية في مجتمع المسلمين، هم أيضا يعيشون غارقين في الخلافات والنزاعات وهذا أمر مدهش ومخزي ومخجل، ويندى له جبين الأمة الإسلامية، وإن إثارة النزاعات بين هؤلاء الرجال الذين يبذلون كل ما في وسعهم لإقامة الحكومة الربانية في الأرض ولإعلاء كلمة الله فيها مأساة إسلامية لا تساويها مأساة أخرى في تاريخ الإسلام والمسلمين، لأنها توهن الكيان الإسلامي أمام شعور أبنائه ويقظتهم، لأنهم مصرّون على إقامة الحكومة الإسلامية ويبعث بهم الرجاء في المستقبل حيث يلمع في عيونهم بريق الأمل، ولكن إثارة الفتن والنزاعات كلها تحطم وتبدد جميع الآمال والأحلام. منابع الخلافات ومصدر النزاعات التاريخية: وقد اختلف أصحاب رسول الله (ص) بعد انتقاله إلى جوار رحمة ربه في أمور مختلفة، وفي أمور تافهة كذلك، وعلى الرغم من ذلك كله فإننا لا نجد أحدا منهم يسعى لتمزيق وحدة الأمة الإسلامية بناء على تباين الآراء في أمور الإسلام والشريعة، ولأجل ذلك فإننا نرى الخلفاء الراشدين الثلاثة يتشاورون مع علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) بدون اي تذبذب وبدون أي تردد عن أمور الخلافة، مع أنهم يظهرون آراءهم المختلفة في أمور الخلافة، فيخالف بعضهم بعضا، وإن التاريخ يشهد لنا لما ثارت نار الحقد والكراهية ضد أمير المؤمنين عثمان بن عفان (رضي الله عنه) وأراد الناس شرا له بالغارات العدوانية على بيته، أمر علي بن أبي طالب (رضى الله عنه) إبنيه بالحفاظ على بيت أمير المؤمنين عثمان بن عفان (رضي الله عنه)، ولكن عثمان بن عفان (رضي الله عنه) منعهما عن المقاتلة ضد الطغاة والمتمردين، ولأجل لك فإنهما ما قاتلا ضد الأشرار. ولما تولى علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) منصب الخلافة بعد قتل عثمان بن عفان (رضي الله عنه) ثارت نار الغضب بين الناس، وطلبوا الإنتقام لقتل عثمان (رضي الله عنه)، وثارت ثورة ضد الخلافة الراشدة آنذاك، ومن هنا بدأ نشوب النزاعات ضد وحدة الأمة الإسلامية اول مرة، وخرجت النزاعات إلى حيز الوجود، ومزقت وحدة الأمة تمزيقاً، وإن الصحابة (رضي الله عنهم) الذين خالفوا علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) وشقوا عصا الطاعة فإنهم ما كانوا شاغرين من الإخلاص والنية، ولكنهم أخطأوا خطأ فاحشا في إدراك الأوضاع والظروف آنذاك وفي حل قضية قتل أمير المؤمنين عثمان (رضي الله عنه)، فإننا نستطيع أن نعتبر هذا الخطأ خطأ إجتهاد، لذلك نرى كثيرا من هؤلاء الصحابة أدركوا أخطاءهم في هذه الثورة فيما بعد، وتأسفوا على فعلتهم وحزنوا حزناً شديداً على ما سبق، وندموا على فعلتهم ندماً وخجلاً، وكذلك كان خطأ زعيم هذه الخلافات والحرب المدمرة الأول وهو الأمير معاوية خطأً إجتهاديا عند بعض المؤرخين ولكن الحقيقة لا تدل على ذلك، حيث أنه خرج على الخلافة الراشدة وعلى توحيد صفوف الأمة الإسلامية، وبهذه الخلافات ثارت نار الحقد والكراهية ضد الخلافة الراشدة، حتى اندلعت نار الحرب، وهناك بدأ الإنقسام بين المسلمين وحكومتهم أول مرة، وهذا الإنقسام ما حدث في صفوف المسلمين وحدها بل في الدين كذلك، حتى انقسم الدين إلى أقسام عديدة، وإنه بذر بذور الخلافات والنزعات في قلوب المسلمين. وإن الأمير معاوية (رضي الله عنه) طالب الإنتقام لقتل عثمان بن عفان (رضي الله عنه) من أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) للتربع على كرسي الخلافة، حيث أنه طالب بالإنتقام لقتل عثمان بن عفان (رضي الله عنه) وبإسم الإنتقام مهد له طريق الاستيلاء على الخلافة حتى أعلن نفسه خليفة للمسلمين وأميرا للمؤمنين، وأعدّ نفسه إعداداً كاملاً ضد الأمة الإسلامية وأجبر الإمام الحسن (رضي الله عنه) على ترك الخلافة، وجعل بيت المال والأموال المدخرة فيه أموالا شخصية، ومع ذلك كله اتخذ قرارات وإجراءات مختلفة لتحقيق أهدافه الكامنة في صدره، حتى جعل الدولة وسلطتها وزعمائها أحراراً من دائرة النظام الإسلامي يتركون ما يشاؤون ويأخذون ما يشاؤون، وبهذه الإجراءات الخطيرة فرّق بين الدين والسياسة وجعل الدين بعيدا عن السياسة والدولة، وهو أول حاكم بدأ السياسة خارج الدين والدولة، ومؤسس الحكومة الملكية في تاريخ الإسلام. وهكذا بدأ الصراع بين الحق والباطل في الأمة الإسلامية من مشارق الأرض ومغاربها، وهذا الصراع قد سبب مأساة كربلاء التاريخية، وأدى إلى سفك دماء الأبرار الذين كانوا من آل بيت رسول الله(صلى الله عليه وسلم) في ساحة كربلاء والحوادث الأخرى المؤلمة فيما بعد، وهذه المأساة تتكرر في دول المسلمين وحلت محل التقاليد والتراث بعدم وجود الدين في السياسة والدولة والقيادة والسيادة وإقامة الحكومة الملكية والدكتاتورية محل الخلافة الإسلامية وبإثارة الحرب الدموية المدمرة وبدء الصراع بين المسلمين لنيل زمام السلطة والسيطرة على البلاد، وأخيرا انقسم العالم الإسلامي إلى دول صغيرة متعددة، وانتهز الزعماء السياسيون العلمانيون هذه الفرصة حيث كانوا بالمرصاد وتحين الفرصة من وراء الستار، فاستغلوا هذه الفرصة السانحة، فخلقوا زعماء كثيرين من المسلمين بإسم الزعماء الإسلاميين وقادة المؤمنين وعلماء السوء لتحقيق أغراضهم الفاسدة وأهدافهم السياسية الماكرة لغش العالم الإسلامي وأبنائه ولمخادعة عامة المسلمين وخاصتهم، حيث كان هؤلاء الزعماء الإسلاميون المزعومون بعيدين عن تعاليم الإسلام السمحة وعن الشريعة الإسلامية، وعلى الرغم من ذلك كله أنهم يظهرون أنفسهم كالمسلمين المتدينين والماهرين في الشريعة الإسلامية بين الفينة والاخرى في تحقيق الأمور الذاتية والإجتماعية وفي حل القضايا الإسلامية، ومع ذلك كله لم ينجح الزعماء العلمانيون في بداية هذا الامر بالمكر والخداع، لأن الناس يؤمنون كامل الإيمان بزعمائهم الإسلاميين الحقيقيين والعلماء الربانيين، لم يقف هذا الأمر عند هذا الحد بل أنهم كانوا متفقين على معظم الأمور مع أنهم يختلفون في أمور شتى، وكذلك كانت توجد فيهم المساواة والمواساة والإحترام والإكرام للآخرين، وكلهم كانوا يشعرون بضرورة الوحدة الإسلامية لترسيخ الدين الإسلامي الحنيف في المجتمع ولإعلاء كلمة الله في الأرض. ويعلم الجميع بأن العلاقة الوطيدة كانت بين الإمام جعفر الصادق وبين الإمام الأعظـم أبي حنيفة وبين الإمام مالك رحمهم الله، ويحترم بعضهم بعضا، وفي جانب آخر فإننا نرى الفتاوى للإمام أبي حنيفة والإمام مالك رحمهما الله موافقة لجهاد الإمام زيد ونعتبره واقعة تاريخية، وهذه الوقائع التاريخية أفضل مثال لوحدة الأمة الإسلامية واروع نموذج في تاريخ الإسلام، وقد سجله التاريخ بمداد من نور وبأحرف من ذهب للأجيال المسلمة القادمة، ومع ذلك كله فإن هؤلاء الأئمة الأربعة ما رضوا بمطالبة الحكومة المستبدة، ولأجل ذلك فإنهم أصبحوا معالم التاريخ الإسلامي، وبعد ذلك جاء زعماء إسلاميون آخرون، واختاروا طريق الصلح في كثير من الأمور الشرعية والصراعات التي كانت تحتدم بين الحق والباطل وبين الإيمان والكفر، حتى أصبح عدد منهم أداة للحكومة المستبدة، وهناك لحقت خسارة كبرى بالتراث الإسلامي في التاريخ، وفقدت روح الوحدة والأخوة والمحبة بين المسلمين المتدينين، وزال الإحترام والإكرام في مجتمعهم ومن قلوب عامة الناس وخاصتهم، بل ثارت فيهم العداوة والبغضاء للآخرين، ومن هنا بدأ التكفير بين المسلمين في تاريخ الإسلام، ثم يكفر بعضهم بعضا ويندى جبين المسلمين لتلك الحوادث المؤلمة التاريخية، ومما لاشك فيه أن هذه الحوادث أصبحت وصمة عار على جبين المسلمين، وتنتهز الحكومة المستبدة هذه الفرص لتحقيق مصالحها السياسية الخبيثة بين المسلمين ودولهم. المؤامرة الصهيونية واليهودية في الدول الإسلامية: لما بدأت أوروبا الفقيرة والمتخلفة في ميدان الحياة تدخل في العالم الإسلامي لغرض التجارة حيث انقسم العالم الإسلامي إلى دول شتى، وحينئذ جلس الأوروبيون مع أمراء المسلمين وأكلوا في مائدتهم وشربوا من مشربهم بإسم التجارة مدة طويلة حتى أدركوا ضعفهم وتضاؤلهم والوضع الإقتصادي المنهار في دولهم حق الإدراك، وعرفوا حق المعرفة أمراء الحكومات المستبدة المسلمة، ووجدوا الأمراض الخلقية التي تسربت في لحومهم ودمائهم حتى في عروقهم، وكذلك أدركوا أن الأمراء حريصون على الاحتفاظ بزمام البلاد وسلطتها، ولأجل ذلك ثارت فيهم العداوة ضد الآخرين، وكلهم كانوا مجردين من الأخوة الإسلامية والمساواة البشرية والمواساة الإنسانية، بل كلهم يفكرون في إعداد الحرب المدمرة ويتآمرون مؤامرة شنيعة للسيطرة على الحكومة والبلاد بمساعدة الأجانب والغرباء. وقد حرض الأوروبيون أمراء المسلمين على الخوض في المعركة المدمرة غامضين العيون عن فظائع المعركة وأهوالها، وأثاروا فيهم العداوة والحقد لإخوانهم المسلمين حينا ولإخوانهم الأشقاء حينا آخر، وهكذا سيطر الأوروبيون على المسلمين بإستخدام النزاعات والخلافات وبمؤامرة خبيثة حتى أسسوا دولة صهيونية في قلب دول المسلمين وفسحوا مكانا لتأسيس حكومتهم الصهيونية في فلسطين المسلمة، ولكنهم واجهوا صعوبات شديدة من قبل الزعماء الإسلاميين المتدينين الغيورين، وحينئذ أدرك الصهاينة حقيقة الوحدة الإسلامية على صعيد العالم، وفهموا أن وحدة الأمة الإسلامية موجودة بين المسلمين وشعورها في دول المسلمين فلا يستطيع الصهاينة أن يسلبوا أموال الدول الإسلامية مدة طويلة بالكيد والمكر، فلأجل ذلك بدؤوا المؤامرات ضد شعور الوحدة الإسلامية لإستئصال العقيدة الإسلامية من أعماق قلوب أبناء الإسلام، وأخذوا البرامج والمشاريع لتدمير الوحدة الإسلامية، ومن هنا قاموا بإنجاز برامجهم الهدامة في المجتمع الإسلامي الذي سيطر عليه الإستعماريون من قبل، وأبرزوا مشاريعهم إلى حيز الوجود والظهور رويداً رويداً بإسم بناء الأمة الإسلامية ولنيل مكان مرموق مهم في مجال التقدم والتطور على الصعيد الدولي، وقاموا بإجراء نظامهم التعليمي في المجتمع الإسلامي وأجروا ثقافاتهم الحيوانية بإسم الثقافة الجديدة محل الثقافة الإسلامية، وقاموا ببناء سيرة المثقفين الجدد الذين تتلمذوا على أيديهم تحت نظامهم التعليمي في المعاهد التعليمية العلمانية في بلادهم، ورفعوا أمامهم حضارتهم الإستعمارية والمادية وثقافاتهم النصرانية كوسيلة للنجاح والفلاح ولنيل المكانة المرموقة في مجال التنمية والإزدهار في العالم الحاضر، وخلقوا علماء وزعماء إسلاميين مزعومين من المسلمين لتأييد هذه البرامج، وجعلوا بين المسلمين فرقاً وعُصباً باستخدام هؤلاء العلماء والزعماء، وعلى رأس قائمة هذه البرامج الفرقة البهائية، والفرقة القاديانية بإسم دين جديد، وكذلك خرجت جماعة متطرفة ومتشددة بإسم الطائفة الوهابية. ومعلوم يوجد هناك بعد شاسع بين الإسلام وبين الفرقة البهائية في ضوء توجيهات الإسلام الصحيحة ونظام دين الله الحنيف، فليس من الممكن ان يجري هذا المذهب في المجتمع الإسلامي بإسم الإسلام، فلا يستطيع البهائيون أن يضللوا المسلمين بتبليغ الرسالة البهائية الموضوعة، ولكن القاديانيين أضلوا كثيرا من أبناء الإسلام والمسلمين من مشارق الأرض ومغاربها بإسم الإسلام، لأن القاديانيين يعرّفون أنفسهم بالمسلمين، ويعيشون مع المسلمين في مجتمعهم، واتخذوا هذه الحيل لتبليغ رسالتهم القاديانية المضللة بالإستمرار، ولكن النظرة الوهابية ألحقت الضرر الخطير بالإسلام والمسلمين مع أن العقيدة الوهابية ما خلقت ديناً جديداً مثل القاديانية والبهائية بين المسلمين، ولكن أفكار الوهابية تحرض أصحابها على قتل الآخرين الذين يخالفون عقيدتهم المتطرفة وآراءهم المتشددة، وعليه فأنهم يعتبرون الآخرين كالمشركين، وبهذه العقيدة الخطيرة أصبغوا أيديهم بسفك دماء ألوف من البشر المسلمين المتدينين الأبرار، ولايعرف تاريخ الإسلام حادثة قتل مثلما حدث بسبب تباين الآراء مع الوهابيين، وقتل عدد هائل بأيدي الوهابيين وذُبحوا كالأضاحي. وإن المستعمرين الغربيين والصهاينة أتخذوا قرارا آخر لتدمير وحدة الأمة الإسلامية وهو تمزيق وحدة الأمة بإسم اللغة حينا والوطن حينا آخر، وباسم القومية مرة وبالجنسية مرة أخرى، وإن التاريخ يشهد لنا بأن الحروب التي ثارت بين الأمة الإسلامية، وانقسام دول المسلمين إلى دول متعددة ومتفرقة وإلى مناطق شتى هذه كلها كانت بسبب السلطة وإظهار القوة والقدرة على الآخرين، وما كان المسلمون المتدينون وعامة الناس من الأمة الإسلامية مع هذه الحروب المدمرة، لأن شعور الوحدة الإسلامية كان باقياً لديهم مع وجود تباين الآراء في أمور دينية، ولكن سرعان ما انكسر هذا الشعور بتدخل الفكرة القومية والجنسية واللسانية فيهم هذه كلها أدت الى تمزيق وحدة الأمة الإسلامية تمزيقا فادحا. وإن الإستعماريين البريطانيين والصهاينة غرسوا الفكرة الجنسية والقومية لتدمير الخلافة العثمانية قبل كل شيء في نفوس الجنود الأتراك وفي أعماق قلوب الشباب الأتراك، ونتيجة ذلك سرعان ما شعر الزعماء الأتراك والضباط الأتراك أفضليتهم على الجنود والموظفين الآخرين، وبدأوا الظلم والإضطهاد على غير الأتراك، ولا ينظرون إليهم إلا بنـظرة الإستخفاف والإحتقار، وبعد ذلك بدأ الصهاينة تحت رعاية البريطانيين بتبليغ الرسالة القومية العربية والجنسية والحقد ضد الأتراك ولا يخفى على ذوي البصر والبصيرة دور لورنس العرب اليهودي. وإن العرب والأتراك خاضوا في الحرب العالمية بسبب القومية العربية والتركية، وخاض العرب في المعركة ضد الخلافة التركية أثناء الحرب العالمية وانتفض العرب ضد الخلافة التركية، وإنهم جعلوا اليهود والنصارى أولياءهم وأصدقاءهم تاركين المسلمين، رافضين رسالة القرآن الكريم مع أن القرآن الكريم نهى المسلمين عن إتخاذ اليهود والنصارى أولياء، حيث يقول القرآن الكريم: (لا تتخذوا اليهود ولا النصارى أولياء) وبعد ذلك هزموا الأتراك هزيمة عنيفة وطردوا الأتراك من أرض العرب، وإن الإستعماريين تعهدوا للعرب المسلمين بتأسيس دولة عربية مستقلة بعد خروجهم من الحرب ناجحين وفائزين، ولكنهم أنكروا عليهم ما وعدوهم، ونكثوا العهد نكثا، وفي جانب آخر فإن البريطانيين جاءوا باليهود من الخارج إلى أرض فلسطين المسلمة، ومهدوا طريق تأسيس دولة صهيونية في فلسطين المسلمة، وساعدوهم مساعدة كاملة في تأسيس الدولة الصهيونية في أرض فلسطين المسلمة، وداسوا حركة المقاومة الإسلامية التي تبذل كل ما في وسعها لتحرير فلسطين من سيطرة اليهود بأقدامهم الخبيثة، وإن البريطانيين ما تركوا فرصة لحاكم مكة الشريف حسين آنذاك، مع أنهم قطعوا العهد على أنفسهم بأنهم يساعدون أمير مكة للسيطرة على سلطة العرب الواسعة بل إستأصلوا جذور سلطته من الحجاج بمساعدة عبد العزيز المؤسس للحكومة الملكية السعودية. وبعد ذلك قسّم الإستعماريون أراضي العرب الواسعة إلى دول صغيرة متعددة مرهونة بهم، وأجلسوا على مناصب الحكومة في هذه الدول المرهونة هؤلاء الزعماء الذين يعاندون الإسلام ويخدمون الإستعماريين دائما، وما استطاع العرب أن يؤسسوا دولة مستقلة بخريطة واحدة في أرضهم بسبب نيران الحرص لنيل السلطة بين الناس وشعور نهضة القومية بين العرب، مع أنهم وجدوا الحرية والإستقلال الكامل، وقد ذهب الشعور لإقامة حكومة الأمة الإسلامية إلى القعر واجتماع الأمة الإسلامية كلها تحت راية دولة إسلامية بسبب مؤامرة كمال أتاتورك العلماني الذي كان وكيلا للصهاينة، فإنه أعلن إلغاء الخلافة العثمانية التركية، وما وقفت هذه المعاملة السيئة عند هذا الحد بل حلت الأفكار الغربية والنظام الغربي محل العبادة، وعليه فإذا أراد أحد أن يضم دول المسلمين إلى دولة واحدة بمحو الحدود والثغور فإنه يكون باغيا للبلاد في نظر القوانين الدستورية، وهكذا انقسمت دولة المسلمين إلى دول متعددة، والمسلمون إلى أقوام متفرقة وأثاروا فيهم العداوة والمخاصمة، وأخيرا أصبح حلم المسلمين أن يجتمعوا تحت راية واحدة بعيداً عن الحقيقة. ومن مؤامرة المستعمرين الأخيرة وهي غرس بذور الأفكار الديموقراطية ونظام السياسة الديموقراطية في العالم الإسلامي والعالم العربي، حيث انقسمت الأحزاب السياسية إلى شيع عدوانية للمسلمين في دولهم، وكان كثير من هذه الأحزاب عامة والأحزاب الرئيسية خاصة منضبطة بالقوة الإستعمارية، وبعد ذلك وضعت عليها وارث هذه القوة الإستعمارية وهي أمريكا أيديها الخبيثة التي تكون بالمرصاد لتحين الفرصة، وأخيرا جعلتها تحت سيطرتها الإستعمارية، وبدأت أمريكا الظالمة تحكم دول المسلمين غير مباشرة كما لا يخفى على أحد من المسلمين وغيرهم، ولها يد طولى في كل قضية من القضايا العالمية سواء تتعلق بالدول العربية أو الدول الإسلامية. نظرة على أحوال الأمة الإسلامية الراهنة: إن التاريخ يشهد لنا بأن كثيرا من دول المسلمين نالت الحرية والإستقلال قبل نصف قرن، ولكن هذه الدول الإسلامية نالت حظا وافرا في تنمية البلاد وإزدهارها فضلا عن أن تلعب دورا بارزا في التقدم والتطور والتنمية والإزدهار للعالم المعاصر، وقد ساد التفكك والتشتت فيها وسيطرت عليها صراعات الحكومات والشعوب كما كانت في أول يومها بل ربما تشتد هذه الصراعات، وإن الإستعماريين سلموا السلطة إلى أيدي هؤلاء الرجال المطيعين لهم والمؤمنين بالسياسة العلمانية مع أن الإستعماريين أصبحوا مضطرين إلى مغادرة دول المسلمين عاجزين عن الحكم فيها، ولكن هؤلاء الرجال العلمانيين يحكمون دول المسلمين عصرا بعد عصر مع أن كثيرا من التغيير والتبديل قد حصل، وكذلك حدثت التغيرات والتقلبات في نظم حكومية مختلفة بسبب الأحوال والظروف الحقيقية، وكانت الديموقراطية والإشتراكية والعلمانية والشيوعية وغيرها من الأفكار المزعومة الواردة من الدول الغربية وراء هذه التغيرات الحكومية والتقلبات السياسية في الدول الإسلامية، وبناء على هذه الأفكار الغربية تروجت الديموقراطية والملكية في كثير من الدول الإسلامية، ولكن السيادة الإنسانية الموضوعية وملكيتها ضد السيادة الإلهية، وتفريق الأمة الإسلامية بناء على القومية والحرص للسيطرة على الدولة، وإثارة العداوة بين الشعوب والأمم بسبب المؤامرة الغربية، هذه كلها تمهد السبيل لقمع جذور الحركات الإسلامية التي تبذل قصارى جهدها للحكومة الإسلامية في الأرض، ولكن هذه المؤامرات كلها اضمحلت أمام الثورة الإسلامية الإيرانية لما اشتدت حرارة الثورة الإسلامية الإيرانية كما يذوب الثلج أمام الشمس، ولأجل ذلك يرفرف علمها منذ عشرين سنة فيها، فقامت الجمهورية الإسلامية في إيران، وكذلك تبذل دولة السودان لإقامة الحكومة الإسلامية فيها. إن الصهاينة والإستعماريين ومؤسسوا الحكومة الملكية أثاروا الخلافات بين الأمة الإسلامية وشقوا وحدة الامة، حتى شبت نار الحروب المدمرة بين الأمة الإسلامية، وإن الحروب المدمرة التي ثارت في الدول الإسلامية خلال خمسين سنة المنصرمة لم تثر إلا بسبب التحريض عليها من قبل الإستعمار ومساعدتها مباشرة حينا وغير مباشرة حينا آخر، وإن التاريخ يشهد لنا بأن الحرب التي ثارت بين العراق وإيران واستمرت ثماني سنوات، والسيطرة العراقية على دولة الكويت، ومن ثم خوض المملكة العربية السعودية، ومصر، والشام، وحكومة تركيا ودول مسلمة أخرى في الحرب الخليجية بإسم تحرير الكويت، هذه كلها من مؤامرات أمريكا وتحريضها على هذه الحروب المدمرة، وكذلك نشوب المعركة الأهلية في أفغانستان والصومال والجزائر وقتل الآلاف من أبناء المسلمين بأيدي الحكومات المسلمة المعادية لعامة الناس في دول المسلمين، فلا تدور مفاتيحها إلا بإشارة الإستعماريين والصليبيين، وفي جانب آخر قد رسخت أقدام الصهاينة الخبيثة في أرض فلسطين المسلمة، وقبضوا على البيت المقدس ـ قبلة المسلمين الأولى ـ بكل سهولة بسبب عدم الإتحاد الإسلامي العالمي وإغماض عيونهم عن قضايا الأمة الإسلامية العالمية ولجوء حركة تحرير فلسطين ورئيسها السيد عرفات إلى مهد الزعماء العلمانيين والإستعماريين والإستسلام أمام الصهاينة، وانتهاز هذه الفرصة السانحة من قبل الأمة الإسلامية، فإن أعداء الإسلام والمسلمين قتلوا ألوفا من المسلمين في البوسنة والهرسك حينا وفي كوسوفا حينا آخر، واحتلوا كثيرا من أراضي المسلمين كما قبضوا على 20% من أرض آذربيجان وناغورني كرباخ، وتنفست أنفاس الحرية الشيشانية تحت ضغط من الأعداء، وكذلك مطالبة حرية كشمير فقدت وزنها في ميزان حملة لواء حقوق الإنسان المزعومين مع أن المسلمين يُقتلون بأيدي القوة الهندية البربرية، ولا تتحقق آمال المسلمين الذين يعيشون في الفلبين الجنوبية وأنهم يسعون سعيا لتحقيق آمالهم منذ زمان، ولكننا نرى تحقيق تفريق منطقة تيمور الغربية من دولة إندونيسيا بسبب مؤامرة الإستعماريين وضغط الصليبيين، وفتح باب لتفريق المنطقة الجبلية بشتيانغونغ من دولة بنغلادش بدون الإعلان الرسمي، وفي جانب آخر لا يلتفت أحد إلى صرخات الأطفال ونياح النساء على انتهاك حرماتها في سنكيا وأركان وفي تايلند الجنوبية. ولا تنتهي كوارث الأمة الإسلامية ونكباتها في هذه الدول والمناطق المذكورة، بل لحقت الخسارة الكبيرة بالأمة الإسلامية بسبب تفرق هؤلاء الرجال الذين يكبون على خدمة الإسلام والمسلمين، وأصبحت نشاطاتهم لإقامة الحكومة الإسلامية في الأرض شغلهم الشاغل حيث أنهم مشتتون في شيع وأحزاب ويعيشون في العالم المجهول في حين وصل الأعداء إلى قمة التقدم والتطور في مجال الإعلام والعلوم والتحقيق ووضعوا أقدامهم على باب القرن الحادي والعشرين، ولكن المسلمين المتدينين غارقين في الفتاوى ضد المسلمين الآخرين وفي العداوة والحقد وتكفير بعضهم بعضا، كأنهم يعيشون في عالم آخر فلا علاقة لهم بالتقدم والتطور. وفي جانب آخر فإننا نرى الأحزاب الإسلامية التي تريد تنفيذ الشريعة الإسلامية بإقامة الحكومة الإلهية في العالم الإسلامي، وقعت في شبكة الخلافات المهيبة فيما بينها بسبب تأثير النظام السياسي الغربي الذي وضعته الدول الغربية في الدول الإسلامية بلباس فاخر وبأسماء جميلة، ونشوب خلافاتها مهد السبيل لسيطرة أعداء الإسلام على الإسلام والمسلمين شرقا وغربا، وكثيرا من الأحزاب الإسلامية في العالم وقعت في شبكة الجمهورية الوضعية التي وردت من الغرب ومن إستراتيجياتها المضللة، فبدأت نشاطاتها الإنتخابية تحت الدستور العلماني ومراقبة العلمانيين، ولأجل ذلك لا يكون تمزيق التضامن الإسلامي بين المسلمين وحدهم بل تكتوى الأخلاق الإسلامية بالعيوب، وبناءً على هذه العيوب لا يعتمد عامة الناس على هذه الأحزاب الإسلامية، وكذلك المجاهدون الأفغان وأحزابهم المتفرقة وحكومة طالبان خاضت في المعركة الأهلية منذ نعومة أظفارها لنيل السلطة في البلاد، مع أنهم يزعمون بأنهم دعاة الإسلام وأبطاله، ويجاهدون في سبيل الله لإعلاء كلمته في الأرض، ولكنهم يسفكون دماء المسلمين الأبرار كالماء الجاري في الأنهار والبحار من أول يومهم وفي حقيقة لا تنكر، وبهذه الأعمال فإنهم قدموا صورة الإسلام إلى العالم الراهن كصورة قبيحة وخسر الإسلام بها خسراناً عظيماً. طريق الإتحاد الكامل وتوطيد العلاقة: قد وصل عدد المسلمين الى 170 الف مليون نسمة في العالم الراهن حسب الإحصائيات الحقيقية، يعني عدد المسلمين في العالم 28% بالنسبة إلى الأمم الأخرى، وإن المسلمين يملكون أموالاً طبيعية هائلة تحت التربة في داخل أراضيهم، منها والنفط والغاز والأموال المعدنية الأخرى، والغابات الكثيفة والحيوانات المألوفة، والأراضي الزراعية الواسعة وسواحل الأنهار الممتدة وشواطىء البحار الكبيرة كذلك، وعليه ذلك فإنهم يستطيعون أن يخرجوا إلى حيز الظهور كقوة إقتصادية وحربية هائلة في المستقبل، ومن الأسف الشديد مع هذه الفرص السانحة فإن الدول الإسلامية لا تستطيع أن تلعب دوراً فعالاً وبارزاً في حل قضايا الأمة في العالم الراهن، ولا تستطيع أن تلعب دوراً كبيراً في الرحاب السياسي العالمي فضلا عن أن تقاوم المؤامرات الشنيعة التي تحاك ضدها على صعيد العالم من وراء ستار القوى العالمية، ولا ترد الدعايات الكاذبة ضد الأمة الإسلامية رداً قاطعاً بسبب النزاعات والخلافات وحدها، ومع ذلك كله إذا زالت الخلافات وقامت المحبة والألفة وتوحدت صفوف الأمة فإنها تستطيع أن تقود السياسة العالمية، ولا تكون أية حركة في العالم إلا بإشارتها بل بحكمها، وإننا نستطيع أن نعتبر توحيد صفوف الأمة وتوطيد علاقاتها من الطرق الثلاثة التالية: أولاً: من الناحية السياسية، وهذا على صعيد الدول وصعيد الشعوب. ثانياً: من الناحية المذهبية والفقهية. ثالثاً: من ناحية الحركة الإسلامية التي تريد إقامة الحكومة الإسلامية في العالم. وإننا نستطيع أن نقبل البرامج التالية لتوحيد صفوف المسلمين من الناحية السياسية على صعيد الدول والشعوب كذلك. أولاً: يجب على المسلمين أن يجتنبوا اجتنابا تاما إتخاذ الدول غير الإسلامية والشعوب الكفرة والأمم الفاجرة عامة والدول الإستعمارية والقوة الصليبية خاصة كصديق حميم وبقلب رحيم، وأن يتركوا الإعتماد عليها، لأن السبب الذي نراه كآلة كبيرة في شق الوحدة الإسلامية هي مؤامرة الإستعماريين والصليبيين والغش والخداع من قبلهم، فإنهم لا يكونون أصدقاء مخلصين للأمة الإسلامية أبدا، ولأجل ذلك منع الله تبارك وتعالى المسلمين المؤمنين عن اتخاذ المؤمنون الكافرين أولياء، كما أشار القرآن الكريم إلى هذا الأمر وبقوله الخالد: (لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلاّ أن تتقوا منهم تقاة ويحذركم الله نفسه وإلى الله المصير) (سورة آل عمران ـ 28). ويقول الله جل جلاله في موضع آخر في كتابه الحكيم (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين)(سورة المائدة ـ 51). ولكن كثيرا من أبناء المسلمين وصلوا إلى درجة عالية ومنزلة رفيعة للعب دورهم البارز ضد الإسلام ومصالح الأمة الإسلامية، وقدموا كل ما لديهم لخدمة أعداء الإسلام مطيعين وممتثلين لأوامرهم، وكذلك أنهم تجاوزوا الحدود الشرعية وأصبحوا غارقين في الآثام حتى وصلوا إلى قعر الذنوب، ففقدوا ثقتهم بالله وعند المسلمين وآنسوا حسن القبول لدى الآخرين، بل أنهم حازوا قبولا عظيما وثقة كبيرة ورزقوا في سيادة أعداء الإسلام وقيادتهم حظوة هائلة وسمعة رخيصة لدى الإستعماريين والغربيين بسبب خدمتهم وإظهار عداوة الأمة الإسلامية، وهؤلاء الرجال لا يتأسفون على ما سبق منهم، ومع ذلك كله يجب عليهم أن يدركوا الكفار والمشركين كل الإدراك، وإننا نستطيع أن نقول في ضوء الحقائق والأرقام: إن من ميزة الكفار والمشركين إنهم لا يقبلون أحدا حتى يتبع ملّتهم، وقد أشار القرآن الكريم إلى حقيقة الكفار والمشركين بلسانه البليغ (ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملّتهم قل إن هدى الله هو الهدى ولئن اتّبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم مالك من الله من ولي ولا نصير) (سورة البقرة ـ 12). وإذا قامت العلاقة الودية بين الكفاروالمشركين على تحقيق المصالح الدنيوية فلا تدوم هذه العلاقة ولا بقاء لها، وإننا نجد أمثلة كثيرة لكسر العلاقة والصداقة بعد تحقيق المصالح والأهداف والضرورات وحينئذ يتركون الخادمين المطيعين في كل أمر من الأمور ويرفضونهم رفضا كاملا في رابعة النهار، كما يشهد لنا التاريخ في فيتنام الجنوبية قبل إنتصار الشيوعية، وغارات أمريكا على العراق وعند فشل الشيوعية في أوروبا الشرقية، وكذلك نجد هذه الأمثلة في أماكن مختلفة في العالم كما سجل التاريخ بكل دقة وأمانة، وإن دل ذلك على شيء فإنه يدل على أن من الواجب على الحكام المسلمين أن لا يتخذوا الكافرين أولياء، ولا يقبلوا سيادتهم وقيادتهم في حل أمور المسلمين الداخلية والخارجية، وهذا أمر لازم للمسلمين الغيورين، وهو أمر حقيقي واقعي، وأن يقوموا بتوطيد العلاقات السياسية والأخوة الإسلامية بين الدول الإسلامية وسكان بلادهم كالأصدقاء والإخوان، كما عبر القرآن الكريم عن العلاقة بين المسلمين كأخوة (إنّما المؤمنون إخوة). ثانيا: إننا لا نقول في هذا الصدد عن كسر العلاقة مع الدول الكافرة ولا نحرض الآخرين على الثورة العدوانية ضد هذه العلاقة، بل نقول بكل صراحة: إن من اللازم تدعيم الروابط وتوطيدها مع الدول الكافرة بناءً على العزة والكرامة، وليس من اللازم أن يؤمن المسلمون بهم، ويعتمدون عليهم في شيء، ولا يختارون خطة من الخطط السياسية والبنائية في داخل بلادهم إلا بمشاورتهم، وكذلك يجب على الدول المسلمة أن تجمع في رصيف واحد تحت برنامج سياسي، وأن الحكومات المسلمة تستطيع أن تجتمع جزءاً من حكوماتها في ساحة واحدة، وتقوم به حكومة مركزية مثلما فعل الإتحاد الأوروبي، وهذا يمكن بتحويل منظمة المؤتمر الإسلامي (O.I.C.) إلى تكوين إتحاد كونفدرالي (United Confederation) تحت شروط قليلة، وهناك ينبعث سؤال هام من قبل المراقبين على الظروف والأوضاع: إذا استطاعت الدول الأوروبية المتقدمة في الصناعة والحرف أن تجتمع في ساحة واحدة لتحقيق المصالح فلماذا لا تستطيع دول المسلمين أن تجتمع في رحاب واحد لتحقيق المصالح الإسلامية؟. ومما يجدر بالذكر إن زعيم الثورة الإيرانية الإسلامية الإمام الخميني رحمه الله قدم خطوة لتحقيق هذا الهدف القيم في خطبته الأخيرة، وقد أشار الإمام الخميني رحمه الله إلى خطة توحيد الدول المسلمة مع وجودها المستقل، كما قال الإمام الخميني: «نمشي بالجمهوريات الحرة المستقلة إلى قيام حكومة إسلامية كاملة». وهذه الحكومة الإسلامية المركزية تقوم بإجراءات لازمة لصيانة الإسلام والمسلمين على الصعيد الدولي، وتنسق بين أدوار دول المسلمين بتوطيد العلاقة الدولية بترك الخلافات المتبادلة، بل تقوم بالإتصالات التجارية والإقتصادية بتسهيل تبادل الأموال النقدية وبتوفير التسهيلات لسفر الناس بين جميع الدول المسلمة بالحرية والإستقلال، وتراعي المسلمين الذين يعيشون كالأقلية مضطهدين ومظلومين شرقاً وغرباً، وتساعد جميع الحركات الإسلامية التي تريد الحرية والإستقلال من أيدي الظالمين، وكذلك أنها تقوم بتشكيل جنود المسلمين الرئيسيين حيث أنهم يقاومون الأعداء في كل قضية من القضايا الإسلامية العالمية، ويجبرون الصهاينة على حل قضية فلسطين المسلمة حلا عادلا وشريفا، ويتخذون الخطط اللازمة لحل جميع القضايا الإسلامية التي تثور بين حين وآخر على صعيد العالم الراهن. ثالثا: لا تتدخل دولة من الدول المسلمة في أي شأن من شؤون دولة أخرى، ولا تتخذ أية خطوة تتسبب في خسارة دولة مسلمة وتهددها، ولا تقوم بتوطيد علاقة بين دولة أخرى تكون تهديدا لدولة مسلمة أخرى، ولا توقع على عهد وميثاق وإتفاقية ذاتية تخالف مصالح دولة مسلمة كذلك. رابعا: يجب عليها حل قضايا الدول المسلمة المتبادلة بالأمن والسلام وبالعدل والإنصاف، وتكون دولة ثالثة رابطة بين دولتين متنافستين، ويوجد أسلوبا جميلا في القرآن الكريم في هذه المناسبة، حيث أشار القرآن الكريم بلسان نبيه الكريم(صلى الله عليه وسلم) (إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم وأتقوا الله لعلكم ترحمون)(سورة الحجرات ـ 10). ولكن إذا وصلت القضية المتبادلة إلى اشتعال نيران الحرب المدمرة بين الدولتين المسلمتين، حيث لا ترضى أية دولة بإقامة الأمن والسلام بحل عادل وشريف، فحينئذ تستخدم القوة ضدها وتجبرها على الرضاء بالأمن والسلام في البلاد، ولكن لا يكون الإعتداء والتطاول عليها ولا على شعبها بسبب حكومته، وقد أشار القرآن الكريم إلى مثل هذه القضية التي سجلها القرآن الكريم بلسانه الخالد (وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فائت فاصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين) (سورة الحجرات ـ 9). خامسا: يجب على حكومات دول المسلمين أن تقوم بالإحتياجات الشعبية اللازمة للحياة البشرية وبناء المجتمع الإنساني، وأن تلتزم اليقظة لتوفير جميع التسهيلات في حياة الشعب للإرتياح والسرور، وتجد الدولة عزة وكرامة وأهمية وحظوة ونفوذا وتأثيرا لدى الدول الأخرى بناءً على قوة شعبها وقدرتها وتنمية بلادها، وهذا لا يمكن إلا إذا قام فيها توحيد صفوف شعبها، ولأجل ذلك فإنّ توحيد صفوف دول المسلمين أمر لازم، وعليها الإجتماع في رصيف واحد لحل قضية شعبية أصلية في كل وقت بدون أي تردد، وتبذل سعيها الكامل للقضاء على حاجات الشعب في البلاد، وتقوم بتنفيذ طلبات الناس بسعة صدرها فضلا عن إتخاذ إجراءات الظلم والإضطهاد ضد الشعب، وبهذه الطريقة فإنها تستطيع أن ترسخ جذورها في قلوب الشعب بكل سهولة، وتكسب الشعبية الكاملة يوما فيوم، فتنتهي العداوة بين الشعب والحكومة، وهكذا ينعدم البعد بين الشعب والحكومة ومن ثم تزداد عظمة الشعب والحكومة لدى الآخرين. تمهيد السبيل للوحدة عن طريق المذاهب الفقهية: يجب تكوين البيئة للمساواة والمواساة والمساعدة بالقضاء على الفرق الفقهية، وقد ذكرنا إن الخلافات وتباين الآراء قضية عامة، وإنها لا تؤثر على وحدة الأمة الإسلامية، ونجد نماذجا كثيرة رائعة في تاريخ الإسلام في عهده الأول عن المذاهب الفقهية ما تركت أثرا على وحدة الأمة الإسلامية، ولا نريد أن نطيل الكلام عليكم بذكر تلك النماذج الرائعة التأريخية. ولا تثار الخلافات بين الأمة الواحدة إلا بسبب فرق طائفية حيث أنها تعبر عن نفسها بأنها تسير على نهج صحيح وخطط شاملة على الصواب، وإن الذين يسيرون على خطط أخرى فإنهم يسيرون إلى الضلال ويعيشون بعيدين كل البعد من نور الهداية فيتيهون في الظلمات، حتى أنهم خرجوا من دائرة الإسلام العظيم، وهذه الطائفة المتطرفة تنسى حقيقة المذاهب الفقهية وتاريخها حيث أن أئمتها لا يختلفون في أصول الدين وأحكامه الأصيلة، فإن المذاهب الفقهية تتكلم عن فروع الإسلام وفروع العقيدة والعبادات الإسلامية التي لا تثبت إلا بالأدلة الظنية، وهناك يختلف الفقهاء في شرح البراهين القاطعة وتوضيحها، ولذلك نستطيع أن نقول بكل ثقة في هذا الصدد: إن الفقهاء كانوا متفقين على 90% من الأمور الشرعية الهامة، بل لا توجد الخلافات بين الفقهاء في الأصول، فلذلك لا يستطيع أحد أن يكفر أحداً بناءً على 10% خلافات أئمة الفقهاء في الأمور الشرعية، وليس له حق أن يخرجه من دائرة الإسلام، وهذا العمل لا يقبل في مجتمع المسلمين في أي حال من الأحوال، وإن الله تبارك وتعالى لا يقبل أعمال هؤلاء المتطرفين المتشددين بل تكون أعمالهم فاسدة عند الله، وفهم هذا الأمر سهل جدا، حيث أنه ليس بالصعب والعسير، ومع ذلك كله فإننا لا ننظر إلى هذه القضية الخطيرة، بل فشلنا في حلها وفهمها، فانتهز المتطرفون هذه الفرص لتبليغ عقيدتهم ورسالتهم بين المسلمين وشق وحدة الأمة الإسلامية بناءً على 10% خلافات أئمة الفقهاء في الأمور الشرعية، فلذلك نريد من الخير أن نرشح العناية لهذه القضية. وإن الوقت الذي يقال عنه أنه وقت التطور والتقدم للمذاهب الفقهية، وإن الأئمة الذين تتعلق بهم المذاهب الفقهية إلى أين تنتهي سلسلتهم؟ وماذا فعلوا هؤلاء الأئمة البارعون في زمانهم في حل الأمور الشرعية؟ وإن التاريخ يشهد لنا فإنهم كانوا متفقين على إيمان هؤلاء الرجال الذين يؤمنون بالتوحيد الخالص والرسالة النبوية والحياة الأخروية، وكانت هذه العقيدة تكفي لإيمانهم ولدخولهم في ظل الإسلام عند الفقهاء، وإن الأئمة الثلاث المعاصرين ما أفتوا عن متبعي بعضهم بعضا وعن خروجهم من دائرة الإسلام، وهم الإمام جعفر الصادق والإمام أبوحنيفة والإمام مالك رحمهم الله، وإن العلاقة الودية التي كانت بينهم لا توجد عند الزعماء الإسلاميين فضلا عن المتبعين لهم في هذا العصر الراهن. وإن التاريخ يشهد لنا بأن علاقة هؤلاء الأئمة الثلاث ما كانت علاقة ظاهرية ومجاملة، وفارغة عن الحقيقة وحدها، بل كانت على رؤية إسلامية صحيحة وعلى نظام إسلامي حقيقي، وإن القرآن الكريم وسع نطاق العلاقة الودية الشاملة على جميع الأفق، وإن القرآن الكريم فتح بابا للذي يعلن إسلامه وإيمانه فإنه مؤمن، فلا يستطيع أحد أن ينكر إسلامه وإيمانه ويخرجه من دائرة الإسلام، كما يقول القرآن الكريم في هذا الصدد بكل وضوح وصراحة عبرة للمسلمين المؤمنين: (ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمناً) (سورة النساء ـ 94). وإذا آمن أحد بالتوحيد الخالص والرسالة والآخرة ويؤمن بمحمد (صلى الله عليه وسلم) كآخر نبي ورسول، ويؤمن بقبلة واحدة للمسلمين فهو مسلم ومؤمن، وهو شامل في زمرة الإسلام ويعد من الأمة المحمدية(صلى الله عليه وسلم)، ويجب على المسلمين الآخرين أن يمدوا أيديهم إليه بالمساعدة تارة وبالأخوة الإسلامية تارة أخرى، وإن المسلمين كلهم مع اختلاف مذاهبهم الفقهية يؤمنون بالله تبارك وتعالى وبالعقائد الإسلامية المذكورة كلها، ولذلك يجب على المسلمين أن لا ينكروا إسلام أحد منهم بسبب العقول الضيقة ووجهة النظر الضيقة، وإذا خالف أحد هذا التعليم الإسلامي فهو يتجاوز الحدود الشرعية، إلاّ القاديانيين لأنهم لا يؤمنون بمحمد (صلى الله عليه وسلم) كآخر نبي ورسوله، فهم خارجون من زمرة الإسلام والمسلمين. ومع ذلك كله توجد فروع كثيرة عن العقيدة الإسلامية لدى المسلمين، ويكون تباين الآراء بين المسلمين المؤمنين عنها، وكذلك أنها تحمل أهمية كبيرة لديهم بسبب المذاهب الفقهية، ولأجل ذلك كلهم يزعمون أنهم يسلكون طريقا صحيحا،فلا يتفقون على إيمان الآخرين الذين يخالفونهم في هذه الفروع الفقهية، وهذا فعل عناد، لأن أئمة الإسلام ما كانوا حاملين مثل هذه العقيدة المتطرفة والمتشددة، وإن المسلمين كلهم يتبعون مذاهب أئمة الفقهاء فلماذا لا يتبعون في طريقتهم هذه؟. وإذا كانت عقيدة احد عن هذا الموضوع الجدلي صحيحة وصوابا على سبيل المثال، فليس له حق أن يقول عن أحد من المسلمين «هو ليس بمؤمن» و«هو منافق» و«هو كافر» لأن الزعماء الإسلاميين من جميع المذاهب الفقهية إتفقوا على هذا الموضوع حيث يقولون: إذا رفض أحد من المسلمين العقيدة الإسلامية وخالف مخالفة شديدة، وبسبب ذلك تم عليه إتمام الحجة، حينئذ يكون مجرما ومرتكبا ويتجاوز حدود الإسلام والشريعة الربانية، ولايكون الشك والريب عنه، ولكن لا يعلم أحد ما في النفس، وهذا يعلم الله تبارك وتعالى حيث أعلن بنفسه عن علمه (يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور) فلذلك لا يستطيع أحد أن يقول عن أحد «إنه كافر» و«إنه مشرك» مع إتمام الحجة عليه، وهو يذكر عقيدته عن الإسلام بسبب نفاقه. وإننا نستطيع أن نذكر هنا أمثلة في هذا الصدد على سبيل المثال، إن مذهب الشيعة يؤمن بـ12 إماما حسب العقيدة الشيعية، فهم منتخبون من الله تبارك وتعالى ومعلنون بواسطة الرسول (صلى الله عليه وسلم) كما في العقيدة الشيعية، وإنهم معصومون عن الخطايا والمعاصي ومن الذنوب والآثام، ولا يعملون شيئا إلا بالإلهام من عند الله سبحانه وتعالى، فلذلك لا يكون فراغ ومجال لتشريح أهمية عقيدة الإمام في مذهب الشيعة، ومع ذلك كله يُرى بين متبعي الإمام جعفر الصادق «إن الذين لا يعرفون الإمام فهو كافر» ولكن الإمام جعفر الصادق لا يقبل بنفسه مثل هذه العقيدة المتطرفة، وقد ذكر الشهيد المطهري في كتابه المشهور «العدل الإلهي» عن هذه العقيدة بالتفصيل والتطويل، ويجب على جميع المسلمين أن يسلكوا طريق الإمام جعفر الصادق في فروع العقائد عن قضية إتمام الحجة على أحد، وهو معلم الطريق لنا، ومعتبر في حل القضايا الجدلية الفقهية، وإننا نرى في الكتب الفقهية لا يقال عن أحد إذا أهمل الأعمال الجدلية «إنه كافر» بل يقال عنه «إنه فاسق» وفي هذه الحالة إذا ما عمل عملا بضوء الأحكام فكيف يخرجه من دائرة الإسلام؟ وهذا أمر عجيب وغير معقول وغير مقبول لدى المسلمين الحقيقيين، وما ثارت هذه الفكرة الهدامة لدى المسلمين إلا بسبب عدم توحيد صفوف المذاهب الفقهية وتوطيد العلاقة الأخوية بين أهل المذاهب الفقهية، بل الذين لا يمدون أيديهم إلى الآخرين لتوحيد صفوف الأمة المسلمة ولا يرضون على وحدة الأمة الإسلامية فهم يخالفون رسالة القرآن الكريم مخالفة عنيفة، حيث يقول القرآن الكريم للمسلمين: (واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا). ولكن ترك العادة التي دأب المسلمون عليها قرناً بعد قرن صعب جداً، وفي جانب آخر فإن المسلمين بعيدون عن التعاليم الإسلامية الصحيحة وأصبحوا فرائس لمؤامرات أعداء الإسلام والمسلمين، ووقعوا في الحفرة العميقة التي حفرها الأعداء بنشر الدعايات الكاذبة بوسائل الاعلام العالمية التي يرأسها الأعداء أنفسهم، فكيف يترك المسلمون تلك العادة بصفة عاجلة؟ وهذه الظروف تطلب منهم الخوض في العلوم الإسلامية ونهلها من مناهلها الأصلية ويتزينون بزي العمل الصالح والإخلاص لله تبارك وتعالى، ويخطون خطوة إلى ممارسة العلوم الإسلامية بين المسلمين من جديد. وفي الحقيقة يجب على زعماء الإسلام والمسلمين وعلمائه المخلصين أن يقودوا المجتمع الإسلامي ببراعتهم العلمية ومهارتهم الشرعية، وهذا أمر حتمي لسلامة المجتمع من الفساد وإنقاذ العقيدة الإسلامية من أيدي العابثين واللاعبين، ولذلك يجب تبادل الآراء بين المفكرين الإسلاميين وزعماء المذاهب الفقهية المختلفة لوحدة الأمة الإسلامية ويتقارب بعضهم بعضا، ويجتمع الجميع في رصيف واحد تاركين الخلافات والنزاعات، وفي هذه المناسبة ينبغي لهم أن يعتنقوا مبادىءً وقيماً وأسلوباً جميلاً في ممارسة العلوم الإسلامية بين علماء المسلمين حتى لا تثور الخلافات من جديد، يعني لا يتكلم أحد عند الممارسة إلا في ضوء البراهين القاطعة والأدلة الساطعة، ويجتنبوا الظن والشك كل الإجتناب فضلا عن الغضب والحقد، ويحترموا الآخرين ويقدموا الآراء إليهم بكل إحترام وإكرام، ولا يقولوا شيئا يشق قلوب السامعين فضلا عمّا يؤلف القلوب، ويختاروا أسلوبا ليّنا في ضوء القرآن الكريم، حيث يقول عن أسلوب الدعوة وجهتها: (فقولوا له قولا ليّنا لعله يتذكر أو يخشى) حتى لا تظهر الكراهية والإهانة والإزدراء في المفاوضات والمحادثات. طريق زيادة التقرب والوحدة بين الحركات الإسلامية: إننا نفهم بالحركات الإسلامية التي تبذل الجهود المتواصلة الجبّارة لإقامة الحكومة الإسلامية وإعلاء كلمة الله في الأرض، ومع ذلك كله يوجد التغير في برامجها ونشاطاتها وتشكيلها حسب الظروف والأوضاع وفي كل قطر من الأقطار وفي كل دولة من الدول، وكذلك الحركات محدودة في علاقاتها الجغرافية والمنطقية، وفي شعوب وأمم وقبائل وأقوام، وكذلك في دول ومناطق خاصة ومحدودة، وقليلة جدا منها منتشرة إلى دول متعددة، وإنها تختلف قراراتها ونظمها لكل دولة ومنطقة خاصة أن هذه الحركات كلها تحمل هدفاً واحداً وشعوراً واحداً لإقامة الحكومة الإسلامية وتنفيذ الشريعة الربانية في الأرض، ولكن كلها حرة في اتخاذ قراراتها ونظمها. ومما يجدر بالذكر إن قادة العالم الإسلامي وأحزابهم المتحالفة والمعارضة وطريقة قادة المذاهب الفقهية كلها تؤيد وحدة الأمة الإسلامية وتمهد السبيل إلى توحيد صفوف المسلمين، ولكن نعتبر هذه الفرصة ضئيلة جدا في ضوء التجربة والحقيقة، وفي هذه الظروف تقع هذه المسؤولية على كواهل العالم الإسلامي والحركات الإسلامية التي تبذل سعيها الكامل لتأسيس الحكومات الإسلامية في الأرض، وتؤدي مسؤولية التقرب بين الأمة الإسلامية بكل أهمية، لأنها تستهدف الإسلام وتنفيذه في العالم، ولذلك فهي مسؤولة عن أداء هذه الأمانة بكل دقة وأمانة. ومن الأسف الشديد لا توجد الوحدة المتبادلة بين الحركات الإسلامية العالمية في العصر الحاضر، ولذلك يجب على الحركات الإسلامية أن تلعب دورا فعالا بين أبناء بلادها وبين الأمة الإسلامية العالمية للوحدة والإجتماع في ساحة واحدة، وإذا وقعت هذه المنظمات في الخلافات فهذا أمر محزن ومخزي، وفي هذه الظروف فإننا نستطيع أن نُقسم هذه الحركات الإسلامية إلى قسمين رئيسيين: أولا: الحركات الإسلامية التي أسست على النظام التقليدي، وهي مشتملة على المراجع والشيوخ والمرشدين وعلى السيادة الدينية وقيادتها. ثانيا: الحركات الإسلامية التي أسست على الانظمة الجديدة وعلى أنظمة الأحزاب الغربية ودستورها العلماني. وإننا نجد نموذجا مثاليا حيا للحركة التقليدية التي ثارت تحت قيادة الإمام الخميني رحمه الله في ايران، وإن المسلمين المتدينين خاضوا في تلك الثورة الإيرانية بدون أي قالب حزبي تحت قيادته، حتى خرجوا فائزين من الثورة وأقاموا حكومة ثورية إسلامية إيرانية، ولكننا نرى في دول أخرى حركات أخرى أسست على طريقة الشيوخ والمرشدين، إنها ما استطاعت أن تلعب دورا كما لعبت الثورة الإسلامية الإيرانية في إيران، وما نجحت في تحقيق أهدافها، بل إذا قلت إنها لا تلعب أي دور فعال لتوحيد الصفوف الشعبية ما كنت مبالغا، وربما تلعب دورا مخالفا للإسلام والمسلمين، وما هذا إلا بعدم القيادة الأكفأ والمتأهلة في هذه الحركات الإسلامية. وإن الحركات الإسلامية الجديدة تواجه هذه المشاكل لعدم السيادة التأهيلية كذلك، ويُرى فيها مرج ألسنتها في أعراض الناس الآخرين في كل حين من الأحيان وفي كل مكان من الأماكن، ويكون الفرق بين أساليب الدعوة والحركة ونشاطاتها حسب الظروف والأماكن والأحوال والأوضاع، ولم تجد مفرا من هذا السبيل، ولكننا نرى حركات إسلامية متعددة في دولة مسلمة وبيئة واحدة تقوم بالبرامج المعارضة المتبادلة، وتقوم بنشاطات ومشروعات مختلفة، ولا تقف عند هذا الحد بل أنها تقوم بتوطيد العلاقة السياسية مع الأحزاب العلمانية بذكر المعاذير والمبررات، ويخالف بعضها بعضا، وتثير على البعض عاصفة شديدة من النقد من كل جانب، ولكن إذا واجهت الدولة خطرا شديدا في سلامتها وحريتها أو أنها تواجه أخطارا أخرى فحينئذ إذا رأى رؤساء الحركات الإسلامية وزعمائها من الخير أن يشاركوا في برامج الأحزاب العلمانية وحكومتها مؤقتا فإنهم يشاركون، وبناء على هذا إزداد البعد والفرق بين الحركات الإسلامية شقاوة ومأساة للإسلام والمسلمين. وهناك سبب هام وراء إتخاذ النظام المعارض المتبادل بين الحركات الإسلامية، وهو أن كثيرا من الحركات الإسلامية تريد أن تصل إلى كرسي الحكومة بمشاركتها في الإنتخابات التي تجري تحت الدستور العلماني، لأنها تريد أن تقوم بالحكومة الإسلامية في البلاد، وإنها تخطط للوصول إلى كرسي الحكومة، ولو لا ينكر تحقيق هذه الخطط فكريا، نستطيع أن نقول في ضوء الحقائق والأرقام عن هذه الخطط: إن هذه الخطط زائفة وعاثرة، ولا أساس لها في العالم الحقيقي، لأن تنفيذ الأسوة الأيديولوجية يحتاج إلى مشروعات وبرامج في ضوئها تنسجم مع أهداف الحركة إنسجاما تاما، وإلا لا يرجى النجاح والفلاح في تحقيقها وحيلها السياسية، وبناء على هذا نستطيع أن نقول: إنّ إقامة الحكومة الإسلامية وتنفيذ الشريعة الربانية بالمشاركة في الإنتخاب تحت الدستور العلماني حلم لا حقيقة له، لأن الأحزاب الإسلامية إذا خرجت فائزة من المعركة الإنتخابية بكسب التأييد من الشعوب والأمم حينئذ تستطيع أن تقوم بحكومة إسلامية لا يوجد لها ضمان، ونجد أمثلة كثيرة في التاريخ في هذا الصدد، كما رأينا في إندونيسيا في الخمسينات من هذا القرن، وفي التسعينات في الجزائر وتركيا كذلك، حيث كسبت الأحزاب الإسلامية أصواتاً في الإنتخابات، ولكن وقع ما وقع فيها وأخيرا فشلت الأحزاب الإسلامية تماما في إقامة الحكومة الإسلامية فيها، وإن دل ذلك على شيء فإنه يدل على أن الحكومة الإسلامية لا تقوم إلا بالثورة والنهضة التي تمهد السبيل لإقامة الحكومة الإسلامية في العالم، وليس فيه الريب والشك، ونجد وراء فشلها أسبابا متعددة منها: أولا: إن خلافات الحركات الإسلامية التقليدية والحركات المتبادلة ونشاطاتها تخالف الحركات الإسلامية الأخرى، وهي لا تثور إلا بسبب حرص الزعماء لنيل القيادة والسيادة في البلاد، وإعتراض الخطر في كسب المصالح الذاتية في جانب، وزعماء آخرون يبيعون أنفسهم عند أعداء الإسلام بثمن بخس بدراهم معدودة، وبتوطيد علاقاتهم مع أعداء الإسلام في جانب آخر، وأكبر سبب من جميع هذه الأسباب أنه عدم وجود الزعماء الإسلاميين الأكفاء في مجال العمل، وإن الحركة الإسلامية تعني أنها سلسلة الأنبياء والرسل، حيث ورثها العلماء الذين ورثوا الأنبياء، ولذلك يجب على هؤلاء الوارثين أن يكونوا مستحقين وصالحين، ومتقين ومبصرين، وهؤلاء يستطيعون أن يقوموا بتوحيد الأمة الإسلامية تاركين الخلافات والأفكار الضيقة لأجل الإسلام والشريعة، فلذلك يجب على الحركات الإسلامية أن تقوم بمشروعات هامة ببناء سيرة الزعماء والقادة قبل كل شيء. ثانياً: يجب على الحركات التقليدية والحركات الإسلامية الجديدة أن تخطط لتبادل الآراء عن الموضوعات الهامة بين الناس وبين رؤساء الحركات الإسلامية الآخرين، وبهذا الطريق يتضاءل البعد بينها وبين الآخرين. ثالثا: ينبغي لها أن تتخذ المشروعات والبرامج والنشاطات الأخرى بتبادل الآراء وبين الحركات الإسلامية كلها، وموقفاً متحداً ونظاماً واحداً لتحقيق الأهداف القيمة، وإذا ما كان من الممكن إتخاذ هذا الموقف يجب عليها أن تتفق على مبادىء الإسلام الأصيلة، وتبذل الجهود المتواصلة للثورة الشعبية في دولها وشعوبها. رابعاً: تقوم بتوطيد العلاقة بين الحركات الإسلامية التي تعمل في الدول المختلفة وعلى الصعيد العالمي، ويساعد بعضها بعضا في تحقيق الأغراض والأهداف، وكذلك تقوم بهيئة خاصة لتنسيق النظام العملي والحيل العملية بين الحركات الأخرى، وينبغي على السيادة الإسلامية الإيرانية أن تكون مبادرة إلى تشكيل هذه الهيئة وتكوينها، حيث أنها نجحت في الثورة في ايران، وتتحمل مسؤولية لتكوينها وتشكيلها تشكيلا صحيحا. ومع ذلك كله يكون من اللازم أن يُحدد شعور الأخوة الإسلامية ووحدتها لإقامة الأخوة في جميع مجالات السيادة الإسلامية وقيادتها، والتقريب بين الأمة الإسلامية من مشارق الأرض ومغاربها، ويجب على العلماء أن يلعبوا دورا رياديا في هذا المجال خاصة، وإن القرآن الكريم يعبر عن هذه الأخوة الإسلامية ووحدتها كبنيان مرصوص، ويجب على جميع المسلمين إدراك حقيقة هذه الرسالة القرآنية إدراكاً كاملاً حيث قال: (إنّ الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفاً كأنهم بنيان مرصوص) (سورة الصف: 4). فلا تنهدم وحدة الأمة الإسلامية في أي حال من الأحوال وفي أي ظروف قاسية وعواصف شديدة، إذا كان المسلمون متحدين، لأن هذا أمر الله تبارك وتعالى ورسوله الأمين(صلى الله عليه وسلم)، وإذا خالف أحد فيكون آثماً ومذنباً، لأن الإتحاد فرض من فرائض الإسلام، ولا يكون التذبذب والتردد في الوحدة فضلا عن العثرات والحواجز في سبيل وحدة الأمة الإسلامية، وهذا ممنوع وخطير جدا للكيان الإسلامي، فليس لأحد أن ينسى هذا الأمر، لأن الخلافات والنزاعات خطر شديد على المسلمين من مشارق الأرض ومغاربها، وإن أعداء الإسلام يكونون مسرورين وفرحين بخلافات الأمة الإسلامية ويجدون سبيلا لشق وحدتها، لأن العلماء إذا اختلفوا وصاروا شيعاً وأحزاباً حينئذ يكون من السهل أن يقوم أعداء الإسلام بالقضاء على الإسلام وإستئصال جذوره من المجتمع، ومن سوء حظ المسلمين يوجد في دولهم من هؤلاء الزعماء وعلماء السوء الكثيرين، وإنهم يقدمون مصالحهم الذاتية على مصالح الأمة الإسلامية أكثر مما يقدمون الأموال والأنفس لمصالح الإسلام والمسلمين، ويجب إنقاذ الإسلام من شبكتهم الضالة. وإن الله تبارك وتعالى قد أشار إلى تعريف العلماء والمفكرين بقوله البليغ في كتابه المجيد (أفمن يعلم أنما أنزل إليك من ربك الحق كمن هو أعمى إنما يتذكر أولو الألباب * الذين يوفون بعهد الله ولا ينقضون الميثاق * والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل ويخشون ربهم ويخافون سوء الحساب * والذين صبروا ابتغاء وجه ربهم وأقاموا الصلوة وأنفقوا مما رزقناهم سراً وعلانية ويدرؤون بالحسنة السيئة أولئك لهم عقبى الدار) (سورة الرعد: 19 ـ 22). ويجب وعي هؤلاء المفكرين الإسلاميين والعلماء الربانيين ونهضتهم في العالم الإسلامي كله، وحينئذ يكون سبيل التقرب ووحدة الأمة الإسلامية الشاملة مفتوحاً ووسيعاً شرقاً وغرباً (وما ذلك على الله بعزيز) وما توفيقي إلاّ بالله. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.