ـ(42)ـ وفي غضون السنين، شاحذا عزمه ـ صلى الله عليه وآله ـ للمضي في طريق الدعوة بلا مبالاة لما يتهمونه به. والآية تعرب عن أن الكتب السماوية الأخرى كالتوراة والإنجيل والزبور نزلت جملة واحدة، فرغب الكفار في ان ينزل القرآن مثلها دفعة واحدة. وليست الدواعي للنزول التدريجي منحصرة فيما سبق، بل إن هناك أسبابا ودواعي أُخر دعت إلى نزوله نجوما، وهي مسايرة الكتاب للحوادث التي تستدعي لنفسها حكما شرعياً، فإن المسلمين كانوا يواجهون الأحداث المستجدة في حياتهم الفردية والاجتماعية ولم يكن لهم محيص من طرحها على النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ بغية الظفر بأجوبتها، وقد تكرر في الذكر الحكيم قوله سبحانه: ?يسألونك? قرابة خمس عشرة مرة وتصدى النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ للإجابة عنها، وتختلف تلك المواضيع بين الاستفسار عن حكم شرعي، كحكم القتال في الشهر الحرام، والخمر، والميسر، والتصرف في أموال اليتامى، والأهلة، والمحيض، والأنفال، وغير ذلك؛ أو الاستفسار عن أمور كونية كالروح والجبال والساعة. وهناك شيء آخر ربما يؤكد لزوم كون التشريع أمرا تدريجيا، وهو أن موقف النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ تجاه أمته كموقف الطبيب من مريضه، فكما ان الطبيب يعالج المريض شيئاً فشيئاً حسب استعداده، فكذلك الطبيب الروحي يمارس نشاطه التربوي طبقا لقابليات الأمة الكامنة بغية الاستجابة، لئلا تثبط عزائمهم ويطفأ نشاطهم ويثقل كاهلهم. ومع ذلك فإن كانت الظروف مهيئة لنزول تشريع أكثر تفصيلا وأوسع تعقيدا وافاهم الوحي به، كما في قوله سبحانه: ?قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلاَدَكُم مِّنْ إمْلاَقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ