ـ(547)ـ ? الأفكار المقدسة للقوة: للقوة هيبة يحترمها الناس جميعاً، ولكن عندما تقوم دولة أو حزب على أساس تقديس القوة، فذلك أمر خطير، لأنه يغري الدوافع الشريرة في النفس البشرية كي تقضي على كل دافع خير فيه، فتحول الإنسان عندها إلى وحش كاسر بل وأخطر من الوحش، لأنه عندئذ يرتكب الجرائم المروعة بدافع العمل المقدّس! والمجتمع البشري مخلوق بطبيعته على نوعين؛ قوي وضعيف، والرحمة المودعة في ذات الإنسان هي التي تدفعه للإحسان إلى الضعفاء، والتعاطف معهم، ولأن الناس ينتقلون باستمرار من حالة القوة، وبالعكس، فان التعاطف فيما بينهم يشد بعضهم إلى بعض، ويعطي للحياة نكهة طيبة، وإلا فان مجتمع الوحوش افضل ألف مرة من مجتمع إنساني لا رحمة فيه. ان الفلسفة المقدسة للقوة تعني الدعوة إلى التحول إلى مجتمع يتحكم فيه الأقوى، أي الأكثر خبثا وشرا وإقداما على الشر... وعندما تقوم الدولة على مثل هذه الفلسفة فان ذلك يدعوها إلى استغلال الضعفاء واستعمارهم وامتصاص آخر قطرة من دمائهم.. على مثل تلك الفكرة الجهنمية قامت حكومة إيطاليا على يد (موسيليني)، وبتلك الروح الشريرة انطلقت تستعمر الشعوب المستضعفة، وكان من إحدى ضحاياها الشعب الليبي الذي ناضل بكل بسالة ضد اعتدائه واستعباده... وليس الحزب الإيطالي وحده سار في هذا الاتجاه، بل هناك اليوم الكثير من البلدان الأوروبية وغير الأوروبية تمجّد القوة وتقدّسها، وليست لها رسالة إلا الحصول على القدرة السياسية واستضعاف الشعوب الأخرى واستعمارها.