ـ(416)ـ المسائل التي عرضت للنبي صلّى الله عليه وآله وسلم ولم يكن يبدي فيها رأياً حتى ينزل عليه الوحي بالجواب كقصة المجادلة، وأحياناً كان يبدي رأيا أو يتصرف تصرفا فيأتي الوحي مخالف لما فعله عليه الصلاة والسلام كقصة أسرى بدر. أما سلطة التنفيذ فكانت بيده صلّى الله عليه وآله وسلم فقد اجتمعت في يده وظائف الدولة من حكم وقيادة وإدارة. أما القضاء فقد كان عليه الصلاة والسلام يقضي بين الخصوم بنفسه، ملتزما النص التشريعي، أي القرآن الكريم. أما في المناطق البعيدة عنه فكان يعين لها القضاة المستقلين عن العمال أو الولاة، ويتبين ذلك من إرساله معاذ قاضيا إلى اليمن. ومع انتقال الرسول صلّى الله عليه وآله وسلم، وانتقال السلطة إلى الخلفاء ظل هؤلاء(رضي) يقضون بين الناس في مواضعهم بأنفسهم ويكلفون قضاة آخرين بالقضاء في الأماكن البعيدة، فقد عين أبو بكر الصديق شريحا قاضيا واستمر في منصبه إلى زمن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام. أما التشريع فقد ظل مستقلا استقلالا تاما عن سلطة الخلفاء، حيث أدى الفقهاء مهمتهم في فهم النصوص، واعملوا قواعدهم الأصولية في استخراج الأحكام الشرعية. وقد شهد التاريخ الإسلامي وقائع متعددة حصل فيها الصدام بين الحاكم والفقيه منها ما حصل لأئمة أهل البيت، ولأبي حنفية ومالك والشافعي واحمد بن حنبل والعز بن عبد السلام وغيرهم كثير. وقد وقف العلماء والفقهاء، المواقف المشرفة التي حفظت كرامة العلم والعلماء، وأبو الخضوع لرغبة الحاكم رغم الترغيب والترهيب. ورغم ما تميز به العلماء من استقلال في تأدية رسالتهم والقيام بواجبهم الشرعي. إلا ان الأمر لم يرق إلى حد اعتبار الفقهاء سلطة تشريعية، كما هو معروف في العصر الحالي، لها نظامها الخاص كهيئة مستقلة أو ذات حصانة. ولم يكونوا يشكلون أي هيئة رغم ما عرف في الفقه الدستوري الإسلامي عن أهل الشورى وأهل الحل والعقد.