ـ(22)ـ ولاثارة المشاكل للدولة الإسلامية. إن هناك فرقاً بين أن تبدع الرأي الفقهي أو السياسي لإغناء التجربة الفكرية فيما تحتاجه الأمة من تجارب الفكر في دائرة الحرية التي تتسع لك ولغيرك، ما دام الهدف خدمة الإسلام والمسلمين، وبين أن تحرك رأيك لتؤكد ذلك فيه، ولتثير الضوضاء من حولك على أساسه، ولتبعد الأنظار عن التفكير فيما هو الأصلح للأُمة فيها. ولعل هذا الاتجاه في إدارة المسألة الاجتهادية في القضايا السياسية بالمعنى الواسع للسياسة، على طريقة حركة الاجتهاد في القضايا الفقهية، كما كان الأمر في العهود الماضية لدى الفقهاء السابقين. لعل هذا الاتجاه الذي يتحرك برعاية الولاية الفقهية الواعية يترك تأثيراته الإيجابية على مستوى الذهنية الإسلامية العامة للأُمة، عندما تختزن في داخلها الفكرة التي تنفتح على أكثر من رأي في المسالة الواحدة لتختار الأصوب، أو تتحمل الرأي المضاد للرأي الذي تختاره، لتعيد النظر من جديد فيما اختارته، أو لتدخل في حوار دقيق للوصول بأصحاب الرأي الآخر إلى ما هو الحق بعيداً عن كل الحساسيات الذاتية والانفعالات المرضية.. وبذلك تستطيع هذه التربية العلمية الإسلامية التي ترتفع إلى مستوى المسؤولية العلمية عن الفكر، أن تحفظ المجتمع الإسلامي من الاهتزاز أمام الحالات الطارئة التي تختلف فيها الأفكار، فيهتز الناس في أوضاعهم العامة من خلال ذلك، لأن المجتمع إذا اعتاد على اختلاف الفكر في دائرة المصلحة العامة على أساس البحث عما هو الأصلح، فلا تكون النظر إلى هذه الظاهرة كحالة سلبية، بل تكون النظرة إليها كمناهض إيجابي للمستوى الرفيع الذي يرتفع إليه المجتمع في وعيه لحركة التطور في الحاضر والمستقبل. وهذا هو الذي يمكن أن يطرح لدى الإسلاميين قضية الحرية في الدائرة الإسلامية، ليتناقشوا فيما هي قضية الحرية في الدائرة العامة، بعيداً عن الهواجس النفسية التي ترفض مجرد المناقشة في إعطاء أية فرصة للباطل حتى على صعيد