ـ(493)ـ وتمام الكلام في هذا الموضوع يتطلّب فتح كراس خاصّ بذلك، ونحن هنا نواكب الفقه ومصادره وفق ما عليه جمهور المسلمين من الأخذ بأقواله وأفعاله وتقاريره صلّى الله عليه وآله وسلّم بلا تقييد واستثناء، ومع الاعتراف بعصمته المطلقة لا يبقى تعارض أصلاً، وعلى غير المعترفين بالعصمة أن يجدوا حلاًّ مع إذعانهم بها قولاً وعملاً، والاعتراف بحجّية أفعاله وأقواله وتقاريره. ولا ضير أن نذكر هنا نموذجاً لكلمات عباقرة الفن كي نقف على فكرة منصوصة، ونجتزئ لذلك بذكر كلام الآمدي حول عصمة الأنبياء وإليك نصّه: "أمّا قبل النبوّة فقد ذهب القاضي أبو بكر وأكثر أصحابنا وكثير من المعتزلة إلى أنّه لا يمتنع عليهم المعصية كبيرة كانت أو صغيرة، بل ولا يمتنع عقلاً إرسال من أسلم وآمن بعد كفره؛ وذهبت الروافض(1) إلى امتناع ذلك كلّه منهم قبل النبوّة، لأنّ ّذلك ممّا يوجب هضمهم في النفوس واحتقارهم والنفرة عن اتّباعهم، وهو خلاف مقتضى الحكمة من بعثة الرسل، ووافقهم على ذلك أكثر المعتزلة إلاّ في الصغائر؛ والحقّ ما ذكره القاضي لأنّه لا سمع قبل البعثة يدلّ على عصمتهم عن ذلك (2). والعقل دلالته مبنيّة على التحسين والتقبيح العقلي، وأمّا بعد النبوة فالاتّفاق من أهل الشرائع قاطبة على عصمتهم عن تعمّد كلّ ما يخلّ بصدقهم فيما دلّت المعجزة القاطعة على صدقهم فيه من دعوى الرسالة والتبليغ عن الله تعالى، واختلفوا في جواز ذلك عليهم بطريق الغلط والنسيان، فمنع منه الأستاذ أبو إسحاق وكثير من الأئمّة، لما فيه من مناقضة دلالة المعجزة القاطعة، وجوّزه القاضي أبو بكر مصيراً منه إلى أنّ ما كان من النسيان وفلتات اللسان غير داخل تحت التصديق _______________________________________ 1 ـ لفظة "الروافض" هي ما لقبت الشيعة بها تشنيعاً بهم،وقد تستعمل في معنى أخصّ من ذلك، ولا يهمّنا التعبير وإنّما نعمد إلى المعبَّر عنه. 2 ـ لا يخفى إنّهم استدلّوا أيضاً بوجوه سمعيّة منها قوله تعالى ?لا يَنالُ عَهدي الظالِمين?(سورة البقرة: 124) وقد أجاد الكلام في ذلك الفخر الرازي في تفسيره الكبير، فراجع ذيل الآية الشريفة.