ـ(476)ـ والضلالة ويعتبر منحرفاً عن الدين. وهذه النقطة هي التي ترسم لنا المفهوم بالضبط، ولا بدّ أنّ نركّز عليها في تحديد مفهوم السنّة والبدعة في الدين؛ كي لا نقع في الخطأ عند مواجهة العادات الاجتماعية والشعبية وتمييز البدعة منهما. ولتسليط مزيد من الضوء على الموضوع أعطيكم مثالاً آخر: من يتصحّر في كلّ يوم صباحاً لشمّ الهواء أو للرياضة الخفيفة، ويختار لذلك مصيفاً أو متنزّهاً ويصلّي الفجر هناك، حتّى صارت هذه العملية عادة مستمرّة لـه، لا مجال لأن نرميه بالبدعة ونقول لـه: إنّك ابتدعت في الدين إذ تصلّي الصبح في الصحراء أو المتنزّه. ولكن هذا الشخص لو صلّى الفجر في الصحراء كعمل مستحب شرعي ندب إليه الشارع - كما يستنّ ذلك في صلاة العيدين مثلاً - فهو مبتدع قد أحدث في الدين ما لم يكن منه، وذلك الشخص إن التزم كلّ يوم بالقمار للتسلّي ارتكب الحرام ولكنّه ليس بمبتدع، غير أنّه إنّ مارس لعباً خاصّاً كعمل رسميّ مستحب فهو مبتدع بلا غرو. وحينما نخطو خطوات في أوساط المسلمين نرى هناك عادات ورسوماً يلتزم بها بعض الشعوب المسلمة؛ فعلينا أنّ نقوّمها بنفس الميزان، فما كان منها مستمدّاً من غير الكتاب والسنّة ولكن يؤتى كعمل ديني إسلامي فعلينا أنّ نكافحه بصفته بدعة محرّمة، وما كان غير مستمد من الكتاب والسنّة ولكن لا يؤتى كعمل ديني، بل يؤدّى كعادة شعبية ورسم قطري فلا ينبغي أنّ نوسمه بالبدعة. وهناك مورد آخر لأخذ مفهوم البدعة في غير موردها، وهو: فيما إذا كانت الكبرى مأخوذة عن الشرع، والتطبيق عادة من الشعب كأسلوب من أساليب تطبيق تلك الكبرى. وأعطيك مثالاً لذلك: في هندسة المساجد لم يندب الشرع إلى شيء خاص غير المئذنة، ولكن خلقت الظروف الإقليمية والاقتصادية والاجتماعية أساليب خاصة