ـ(414)ـ أو شعار واحد، وقد رأينا شعوباً مختلفة تلتقي فعلاً وتتآزر وتتّحد استناداً إلى واحدٍ من هذه الأسس والهموم. أما بالنسبة إلى أُمّة الإسلام فإنّ كلّ هذه الأسس والأركان تستند إليها، ويقوم الدين الإسلامي عليها، وهناك مبدأ الأخوّة الإسلاميّة الذي يقتضي الاشتراك في الهمّ الاقتصادي، على ما قال الرسول الأعظم صلّى الله عليه وآله وسلّم: "ليس منّا من بات شبعاناً وجاره جائع" والزكاة هنا أسلوب للتكافل شرّعه الإسلام، كما أنّ هناك الهمّ الذي يقتضي أن يكون المسلمون يداً على من سواهم، ويسعى بذمّتهم أدناهم، وقد قال الرسول الأعظم صلّى الله عليه وآله وسلّم: "من أصبح ولم يهتم بأمور المسلمين فليس منهم"، ثمّ هناك الاعتقاد الواحد الذي يسوق المسلمين إلى التوجّه للصلاة وإلى الحجّ لتأدية مناسك واحدة، وتلك كلّها مرتكزات تقوم عليها الأُمّة الواحدة. إنّ هذه الأركان والدعائم التي عليها بناء الإسلام قد اشتركت في روايتها كتب الفريقين، واجتمع على العمل بها أبناء الملّة الإسلاميّة في أقصى الأرض وغربها، السنّة والشيعة على حدّ سواء، ليس بينهم اختلاف ولم يعمل أحدٌ بخلافها لا تأوّلاً ولا اجتهاداً، فشهادة أنّ لا إله إلاّ الله وأنّ محمداً صلّى الله عليه وآله وسلّم رسول الله تصدع بها مآذن المسلمين في كلّ مكان، ويجتمع عندها الناس للصلاة في بيوت الله تعالى، والصوم في رمضان لا يختلف فيه اثنان فرضاً واجباً، والحجّ إلى بيت الله الحرام ملتقاهم ومهوى أفئدتهم، وهو مظهر الفتهم ووحدتهم، والزكاة تحكي تكافلهم، وتدلّ على صدق عهدهم لله وللرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم، بهذا كلّه التزم المسلمون على اختلاف الأوطان والألسن والألوان، وهم في طول هذه المدّة المديدة من حين البعثة النبويّة الشريفة يتنادون إلى النصرة كلّما دهمهم عدوّ كافر، ويتناصحون كلّما حزبهم أمر، ويتكافلون في البأساء والضرّاء، هذا على رغم ما زرعه العدو الحاقد من بذور الفتن، وما بثّه خصوم الإسلام قديماً وحديثاً من أسباب الخصام.