ومثل الشواهد القولية والعملية الكثيرة من السنة كالنهي عن شتم الرجل أبوي غيره حتّى لا يكون ذريعة إلى سب أبوي نفسه، والنهي عن خطبة المعتدة كيلا يؤدي إلى الزواج في العدة، والنهي عن بيع وسلف لئلا يؤدي إلى الربا، والنهي عن قبول هدي المقترض لئلا يتخذ ذريعة إلى تأخير الدين لاجل الهدية، فيكون ربا. وينحصر محل الخلاف في الذرائع في البيوع الربوية أو بيوع الآجال، ومنها بيوع العينية، لأنه يتوسط في التعامل بالربائين، كأن يبيع الشخص سلعة بثمن مؤجل ثم يشتريها من المشتري بثمن معجل أقل، فيكون الفرق ربا. لقد حرم المالكية والحنابلة(1). هذه البيوع بسبب كثرة قصد الناس التواصل بها إلى ممنوع شرعاً في الباطن كبيع بسلف، وسلف بمنفعة وروي في السنة حديث يمنع من بيع العينة وهو: «إذا ضمن الناس بالدينار والدرهم، واتبعوا بالعينة، وابتعها أذناب البقر، وتركوا الجهاد في سبيل الله، أنزل الله عليهم بلاء، فلا يرفعه حتّى يراجعوا دينهم»(2). ومنع أبو حنيفة بيع العينة لا بسبب الذرائع، وإنّما بسبب فساد البيع الثاني لعدم تمام البيع الأول، وللنهي عن بيع الشيء قبل قبضه وصحح الشافعي هذا البيع لسلامته في الظاهر واستيفاء أركانه وشرائطه، وترك ناحية القصد الباطن إلى الله بتقرير الإثم والعقاب الاخروي، أي أن العقد حرام للنهي عنه، صحيح في الظاهر، حتّى يقوم الدليل على قصد الربا المحرم(3). وأما الإمامية فيرون في الأصح أو الأشبه كراهة بيع المكيل أو الموزون قبل قبضه، وليس البيع حراماً ولا باطلاً، لان المشتري باع ما يملكه بمجرد انعقاد العقد(4)، وهم