وحاصل الآيات أن غيره سبحانه لا يستحق العبادة لأنها من شؤون الألوهية وهي من خصائص الله سبحانه لا غير، فيتحصل من ذلك أن العبادة عبارة عن الخضوع أمام موجود لأجل الاعتقاد بأنه إله حقيقي أو مجازي ولولا ذلك الاعتقاد فلا يوصف الخضوع بالعبادة والشاهد عليه أن العاشق الولهان إذا خضع لمعشوقته خضوعا بالغا لا يعد عبادة لها لأنه لم يصدر عن الاعتقاد بألوهيتها وأنها إله وإنّما صدر عن اعتقاد بأنها جميلة تجذب الإنسان مخائلها ونفسيتها وجمالها. ويدل على ما ذكرنا من أن دعوة المشركين وخضوعهم ونداءهم وسؤالهم كانت مصحوبة بالاعتقاد بألوهية أصنامهم أنّه سبحانه يفسر الشرك في بعض الآيات باتخاذ الإله مع الله. ويقول: ]... وأعرض عن المشركين إنا كفيناك المستهزئين، الّذين يجعلون مع الله إلهاً آخر فسوف يعلمون[(1). وفي بعض الآيات يندد بالمشركين بأنه ليس لهم اله غير الله فكيف يعبدون غيره ويقول: ]أم لهم إله غير الله سبحان الله عما يشركون[(2). والإمعان في هذه الآيات ونظائرها يوقفنا على أن اندفاع المشركين إلى عبادة الأصنام أو اندفاع الموحدين إلى عبادة الله كان هو اعتقادهم بكونها إلهة أو كونه إلها، فهذا الاعتقاد كان يجرهم إلى العبادة، ولأجل ذلك كانوا يقدمون لمعبوداتهم النذور والقرابين وغيرهما من التقاليد والسنن. وبما أن كلمة التوحيد تهدّم عقيدتهم بألوهية غيره سبحانه كانوا يستكبرون عند سماعه كما قال سبحانه: ]إنهم كانوا قيل لهم لا إله إلاّ الله يستكبرون[(3).