وبعبارة أخرى: إنّ الآتيان بهذه الأعمال يعد طاعة لله ولكن ليس طاعة عبادة. وان شئت قلت: أن هناك أموراً عبادية وأموراً قربية، وكل عبادة مقرب، وليس كلّ مقرب عبادة، فدعوة الفقير إلى الطعام والعطف على اليتيم ـ مثلا ـ يوجبان القرب ولكنهما ليسا عبادة بمعنى أن يكون الآتي بهما عابدا بعمله لله تعالى. العبادة هي الخضوع الناشئ عن اعتقاد خاص: أن لفظ العبادة من المفاهيم الواضحة، ولكن ربما يمنع ظهور معناها عن التحديد الدقيق غير انه يمكن تحديدها بالإمعان في موارد تستعمل فيها تلك اللفظة، فقد استعملها القرآن في مورد الموحدين والمشركين وقال سبحانه في الدعوة إلى عبادة نفسه ]... ولكن أعبد الله الذي يتوفاكم...[(1) وقال سبحانه ]قل إني أمرت أن أعبد الله مخلصا له الدين[(2). وقال في النهي عن عبادة غيره: ]إنّما تعبدون من دون الله أوثاناً وتخلقون إفكاً..[(3) وقال: ]... أتعبدون ما تنحتون[(4) فعلى الباحث أن يقتنص معنى العبادة بالدقة في أفعال العباد، وعقائدهم من غير فرق بين عبادة الموحدين، وعبادة المشركين فيجعله حداً منطقياً للعبادة. أن الإمعان في ذلك المجال يدفعنا إلى القول بأن العبادة عندهم عبارة عن الفعل الدال على الخضوع المقارن مع عقيدة خاصة في حق المخضوع له، فالعنصر المقوم للعبادة أمران: 1 ـ الفعل.