أن العولمة بقدر ما يظهر عليها من علائم القوة والسطوة، تحمل معها بذور ضعفها وانهيارها، ومن شأن هذه البذور أن تزداد نموا كلما اتسعت الدائرة وتعددت مناطقها ومساربها. وأول نقاط الضعف أنها نظام مادي صرف يقوم على الجشع والسيطرة والاستغلال، وشهوة الكسب، ويثير أكثر الميول وضاعة في النفس الإنسانية، ميول التقليد الأعمى، وعشق المظاهر، والتبذير، والاستسلام للشهوات، وبتعبير آخر إطلاق الوحش البدائي الذي يقطن أعماق الإنسان، وتحطيم تلك الكوابح الأخلاقية التي جاء بها الأنبياء، وصاغها الفلاسفة والحمكاء. ومن شأن هذه الميول أن تزداد ضراوة كلما اشتدت التناقضات التي تفد مع المادية كالطبقية والظلم الاجتماعي، وتفاوت الدخول، وغلبة الاستهلاك على الإنتاج، وفي غيبة التدين وانحسار القيم والأخلاق، تصل هذه التناقضات ذروتها في موجات العنف، والإرهاب، والحروب الأهلية،وتقع الصورة التي حذر منها القرآن الكريم أمثال هذه المجتمعات «قد مكر الذين من قبلهم فأتى الله بنيانهم من القواعد فخر عليهم السقف من فوقهم واتاهم العذاب من حيث لا يشعرون»(1 ). وعلى شبابنا أن يحيطوا أنفسهم علما بنقاط الضعف في هذه الظاهرة، وان يستعينوا بالله والإيمان به والتمسك بالإسلام، حتى يحصنوا أنفسهم وأهليهم والبيئات التي يعملون فيها، وهذا الميدان الواسع يحتاج إلى تعاون منظم بين المنظمات الإسلامية المعنية بالشباب. و«العولمة» بعد ذلك هي نوع جديد من أنواع الاستعمار، فيه كل ما في الاستعمار القديم من صفات، وله ما لسلفه من الأهداف والغايات، غير أنه ظن انه استفاد من دروس الماضي، حين أخفى مخالب الاستعمار القاسية تحت ألفاظ ناعمة كالتعاون، والشراكة، والنشاط المتبادل، وحشد إلى جوار القوة العسكرية هيمنة المال والاقتصاد والتكنولوجيا الحديثة ووسائل الثقافة والإعلام، وأسباب التسلية والترفيه. وهذه الهجمة الكاسحة على مناطق الضعف والفراغ سوف تحدث أثرها دون شك، لكن ذلك سوف يكون لمدى محدود، يطول أو يقصر وفقا للظروف،وهو ما تنبأ به أيضاً هنتنجتون وفوكوياما وغيرهم من الكتاب الاستراتيجيين الذين أشرنا إليهم، ودون أن نضطر للاقتباس من نظرياتهم ونبوءاتهم، فان تاريخ الاستعمار القديم يؤكد أن كل موجة من موجاته قد حملت معها عوامل انهيارها منذ البداية، بحيث بانت خطوط الصلة واضحة بين مراحل النشوء ومراحل النهاية والدمار، كما صورها الحكيم الروماني بلوتارك وهو يقف على أطلال روما حين قال «ان أول رجل تسبب في خراب الإمبراطورية هو الذي بدأ يقدم لها الغنائم والأسلاب»، لأنه أثار لدى أهلها غول النهب والسيطرة من ناحية، والرفض ـ في المدى الطويل ـ من سحق الهوية، وتدمير الثقافة، واستلاب خيرات الشعوب، نقول