[ 454 ] يا كميل معرفة العلم دين يدان به، يكسب الانسان الطاعة في حياته، وجميل الاحدوثة بعد وفاته. والعلم حاكم والمال محكوم عليه. يا كميل هلك خزان الاموال وهم أحياء، والعلماء باقون وهم أموات ما بقي الدهر، أعيانهم مفقودة، وأمثالهم في القلوب موجودة. ها إن هنا لعلما جما - وأشار بيده الى صدره المبارك المكرم - ولو أصبت له حملة، بل أصيب لقنا غير مأمون عليه، مستعملا آلة الدين للدنيا، ومستظهرا بنعم الله على عباده، وبحجته على أوليائه، أو منقادا لحملة الحق لا بصيرة له في أحنائه، ينقدح الشك في قلبه لاول عارض من شبهة، آلا لا ذا ولا ذاك، أو منهوما باللذة، سلس القياد للشهوة، أو مغرما بالجمع والادخار، هما ليسا من رعاة الدين في شئ، أقرب شبها بهما الانعام السائمة، كذلك يموت العلم بموت حامليه. اللهم بلى لا تخلو الارض من قائم بحججه، إما ظاهرا مشهورا، وإما خائفا مغمورا، لئلا تبطل حجج الله وبيناته، وكم ذا ؟ وأين أولئك ؟ أولئك والله الاقلون عددا، والاعظمون عند الله قدرا، بهم يحفظ الله حججه وبيناته، حتى يودعوها نظراءهم، ويزرعوها في قلوب أشباههم، هجم بهم العلم على حقيقة البصيرة، وباشروا روح اليقين واستلانوا ما استوعره المترفون، وآنسوا بما استوحش منه الجاهلون، وصحبوا الدنيا بأبدان أرواحها معلقة بالمحل الاعلى. أولئك خلفاء الله في أرضه، والدعاة الى دينه، آه آه شوقا الى رؤيتهم. يا كميل انصرف إذا شئت. ________________________________________