[ 34 ] مثلهم، متسلحين، فأحدقوا بخضراء دمشق، وفيها عبد الملك بن مروان. فقالوا لعمروا: إن دخلت على عبد الملك يا أبا أمية ورابك منه شئ فأسمعنا صوتك، فقال لهم: إن خفي عليكم صوتي ولم تسمعوه، فالزوال بيني وبينكم ميعاد، إن زالت الشمس ولم أخرج إليكم، فاعلموا أني مقتول أو مغلوب، فضعوا أسيافكم ورماحكم حيث شئتم، ولا تغمدوا سيفا حتى تأخذوا بثأري من عدوي. قال: فدخل، وجعلوا يصيحون: يا أبا أمية، أسمعنا صوتك. وكان معه غلام أسحم شجاع. فقال له: اذهب إلى الناس فقل لهم: ليس عليه بأس، ليسمع عبد الملك أن وراءه ناسا، فقال له عبد الملك: أتمكر يا أبا أمية عند الموت ! خذوه، فأخذوه، فقال له: إن أمير المؤمنين قد أقسم ليجعلن في عنقك جامعة منه، ثم نتر إلى الارض نترة، فكسرت ثنيته. قال: فجعل عبد الملك ينظر إليه. فقال عمرو: لا عليك يا أمير المؤمنين، عظم انكسر (1). فقال عبد الملك لاخيه عبد العزيز: اقتله حتى أرجع إليك. قال: فلما أراد عبد العزيز أن يضرب عنقه، قال له عمرو: تمسك بالرحم يا عبد العزيز أنت تقتلني من بينهم فتركه، فجاء عبد الملك فرآه جالسا، فقال له: لم لا تقتله ؟ لعنه الله ولعن أما ولدته ! قال: فإنه قال: تمسك بالرحم فتركته. قال: فأمر رجلا عنده يقال له ابن الزويرع (2)، فضرب عنقه، ثم أدرجه في بساط، ثم أدخله تحت السرير. قال: فدخل عليه قبيصة بن ذؤيب الخزاعي، وكان أحد الفقهاء، وكان رضيع عبد الملك بن مروان، وصاحب خاتمه ومشورته، فقال له عبد الملك: كيف رأيك في عمرو بن سعيد ؟ فأبصر قبيصة رجل عمرو تحت السرير، فقال: اضرب عنقه يا أمير المؤمنين. فقال له عبد الملك: جزاك الله خيرا، فما علمتك إلا ناصحا أمينا موافقا، قال له: فما ترى في هؤلاء الذين أحدقوا بنا، وأحاطوا بقصرنا ؟ قال قبيصة: اطرح رأسه إليهم يا أمير المؤمنين، ثم اطرح عليهم الدنانير والدراهم ________________________________________ (1) زيد في الطبري وابن الاثير: فلا تركب ما هو أعظم من ذلك. فقال له عبد الملك: والله لو أعلم أنك تبقي علي إن أنا أبقيت عليك وتصلح قريش لاطلقتك، ولكن ما اجتمع رجلان في بلدة قط على ما نحن عليه إلا أخرج أحدهما الآخر. (2) في مروج الذهب 3 / 123 أبو الزعيزعة. وفى ابن الاثير: أبو الزعيرية. وفي رواية في الطبري وابن الاثير والعقد الفريد أن عبد الملك هو الذي ضربه فقتله ثم جلس على صدره فذبحه وهو يقول: يا عمرو ان لا تدع شتمي ومنقصتي * أضربك حيث تقول الهامة اسقوني (*) ________________________________________