[ 14 ] أمير المؤمنين أمرني أن أتوجه إلى المدينة في ثلاثين ألفا. فقال له: استعفه. قال: لا. قال: فاركب فيلا أو فيلة، وتكون أبا يكسوم (1)، فمرض مسلم قبل خروجه من الشام، فأدنف فدخل عليه يزيد بن معاوية يعوده، قال له: قد كنت وجهتك لهذا البعث، وكان أمير المؤمنين معاوية قد أوصاني بك، وأراك مدنفا ليس فيك سفر. فقال: يا أمير المؤمنين أنشدك الله، أن لا تحرمني أجرا ساقه الله إلي، إنما أنا امرؤ وليس بي بأس. قال: فلم يطق من الوجع أن يركب بعيرا ولا دابة، فوضع على سرير، وحمله الرجال على أعناقهم، حتى جاءوا مكانا يقال له البتراء، فأرادوا النزول به. فقال لهم: ما اسم هذا المكان ؟ فقيل له البتراء. فقال: لا تنزلوا به، ثم سار حتى حاجزة، فنزل به، فأرسل إلى أهل المدينة: إن أمير المؤمنين يقرأ عليكم السلام، ويقول لكم: أنتم الاصل والعشيرة والاهل، فاتقوا الله واسمعوا وأطيعوا، فإن لكم عندي في عهد الله وميثاقه عطاءين في كل سنة، عطاء في الصيف، وعطاء في الشتاء، ولكم عندي عهد الله وميثاقه، أن أجعل سعر الحنطة عندكم كسعر الحنطة عندنا، والحنطة يومئذ سبعة آصع بدرهم، وأما العطاء الذي ذهب به عنكم عمرو بن سعيد، فعلي أن أخرجه لكم، وكان عمرو بن سعيد قد أخذ أعطياتهم، فاشترى بهم عبيدا لنفسه. فقالوا لمسلم: نخلعه كما نخلع عمائمنا، يعنون يزيد، وكما نخلع نعالنا. قال: فقاتلهم، فهزم الناس أهل المدينة. قال أبو معشر: حدثنا محمد بن عمرو بن حزم، قال: قتل بضعة وسبعون رجلا من قريش، وبضعة وسبعون رجلا من الانصار، وقتل من الناس نحو من أربعة آلاف (2)، وقتل ابنان لعبد الله بن جعفر، وقتل أربعة أو خمسة من ولد زيد بن ثابت لصلبه (3). فقال مسلم بن عقبة لاهل الشام: كفوا أيديكم، فخرج محمد بن سعد بن أبي وقاص، يريد القتال، فقاتلهم بعد الكف. فقال مسلم بن ________________________________________ (1) أبو يكسوم، كنية أبرهة الحبشي الذي قدم مكة على الفيل لهدم البيت فأرسل الله عليه وعلى جيشه طيرا من البحر أمثال الخطاطيف يحمل كل منها ثلاثة أحجار، فكانت لا تصيب أحدا منهم إلا أهلكته فانهزموا أي هزيمة (انظر سيرة ابن هشام 1 / 54 - 55). (2) تقدمت الاشارة إلى عدة من قتل يوم الحرة في الجزء الاول. (3) وهم: سعيد وسليمان وزيد ويحيى وعبيد الله بنو زيد بن ثابت (تاريخ خليفة بن خياط ص 247). (*) ________________________________________