[ 230 ] وقال قائل: إبراهيم بن نعيم، ثم اجتمع رأيهم أن يقوم بأمرهم ابن حنظلة، وهرب عثمان بن محمد منهم ليلا فلحق بالشام، ثم أخذوا مروان بن الحكم وكبراء بني أمية، فأخرجوهم عن المدينة، فقالوا: الشقة بعيدة ولا بد لنا مما يصلحنا، ولنا عيال وصبية (1)، ونحن نريد الشام. قال: فاستنظروا عشرة أيام، فانظروا. ثم اجتمع رأي أهل المدينة أن يحلفوا كبراء بني أمية عند منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم لئن لقوا جيش يزيد ليردونهم عنهم إن استطاعوا، فإن لم يستطيعوا مضوا إلى الشام ولم يرجعوا معهم، فحلفوا لهم على ذلك، وشرطوا عليهم أن يقيموا بذي خشب (2) عشرة أيام، فخرجوا من المدينة، وتبعهم الصبيان، وسفهاء الناس يرمونهم بالحجارة، حتى انتهوا إلى ذي خشب، ولم يتحرك أحد من آل عثمان بن محمد، ولم يخرج من المدينة، فلما رأت بنو أمية ما صنع بهم أهل المدينة من إخراجهم منها، اجتمعوا إلى مروان، فقالوا: يا أبا عبد الملك ما الرأي ؟ قال: من قدر منكم أن يغيب حريمه فليفعل، فإنما الخوف على الحرمة، فغيبوا حرمهم، فأتى مروان عبد الله بن عمر، فقال: يا أبا عبد الرحمن، بلغني أنك تريد الخروج إلى مكة، وتغيب عن هذا الامر، فأحب ________________________________________ = - فشل الخليفة يزيد أمام الازمات الخطيرة التي واجهت حكمه وانغماسه (حسب الروايات) بالترف والمجون واستغراقه حتى العبث في حياته الخاصة ساهم في إذكاء روح المعارضة وتجرؤها على الاعلان عن نفسها. - ضربه الرموز الاسلامية بمنتهى العنف، حيث رأى في أتباعه هذه السياسة مدخلا إلى إثبات حضوره السلطوي لكن هذا شجع المعارضة على المبادرة إلى اتخاذ موقف علني ضده - ثورة الحسين التي كانت السباقة إلى رفض الامر الواقع والتي انتهت بمأساة دموية في العراق وأوقعت النظام الاموي في ارتباك شديد. - حركة ابن الزبير التي استطاعت أن تستثمر النقمة المتزايدة على الحكم الاموي - وجود الوالي عثمان بن محمد بن أبي سفيان والذي وصفه بأنه غر قليل التجربة حديث السن وإخفاقه في التعاطي مع المستجدات الخطيرة في مكة والمدينة - محاولة أهل المدينة (الانصار) إعادة التوازن الذي اختل منذ السقيفة، وهنا لا بد من الاشارة إلى أن دعوة ابن الزبير للمدينة لبيعته بعد مقتل الحسين لم يرافقها في المدينة كثير من الحماسة فقد انقسمت بين مؤيد له ومتحفظ ومتردد، لكن اللقاء مع ابن الزبير تمحور حول هدف كبير مشترك هو الاطاحة بالخليفة الاموي. وما تولي عبد الله بن حنظلة (من الاوس)، (وهو ما سيرد بعد أسطر) إلا الاشارة على التوجه الانصاري لاهل المدينة. وهذا ما سيؤدي إلى استفراد المدينة في الحملة العسكرية التي استهدفتها. (1) كانوا نحوا من ألف رجل (رواية الطبري). (2) ذو خشب: واد بالمدينة. (*) ________________________________________