[ 174 ] فقال لها الرشيد: ويحك ! إنما هي أمة محمد، ورعاية من استرعاني الله تعالى مطوقا بعنقي وقد، عرفت ما بين ابني وابنك، ليس ابنك يا زبيدة أهلا للخلافة، ولا يصلح للرعاية. قالت: ابني والله خير من انبك، وأصلح لما تريد، ليس بكبير سفيه، ولا صغير فهيه، وأسخى من ابنك نفسا، وأشجع قلبا. فقال هارون: ويحك ! إن ابنك قد زينه في عينك ما يزين الولد في عين الابوين، فاتقى الله، فو الله إن ابنك لاحب إلي، إلا أن الخلافة لا تصلح إلا لمن كان لها أهلا، ولها مستحقا، ونحن مسئولون عن هذا الخلق، ومأخوذون بهذا الانام، فما أغنانا أن نلقى الله بوزرهم، وننقلب إليه بإثمها، فاقعدي حتى أعرض عليك ما بين ابني وابنك، فقعدت معه على الفراش، فدعا ابنه عبد الله المأمون، فلما صار بباب المجلس سلم على أبيه بالخلافة، فأذن له بالجلوس فجلس، وأمر له فتكلم، فحمد الله على ما من به عليه من رؤية أبيه، ورغب إليه في تعجيل الفرج مما به، ثم استأذن في الدنو من أبيه، فدعا منه، وجعل يلثم أسافل قدميه ويقبل باطن راحتيه، ثم انثنى ساعيا إلى زبيدة، فأقبل على تقبيل رأسها، ومواضع ثدييها، ثم انحنى إلى قدميها، ثم رجع إلى مجلسه. فقال الرشيد: يا بني إنى أريد أن أعهد إليك عهد الامامة، وأقعدك مقعد الخلافة، فإنى قد رأيتك لها أهلا وبها حقيقا، فاستعبر عبد الله المأمون باكيا، وصاح منتحبا يسأل الله العافية من ذلك، ويرغب إليه أن لا يريه فقد، أبيه. فقال له: يا بني إنى أرانى لما بى وأنت أحق، وسلم الامر لله، وارض به، واسأله العون عليه، فلابد من عهد يكون في يومى هذا. فقال عبد الله المأمون: يا أبتاه، أخى أحق منى وابن سيدتي، ولا إخال إلا أنه أقوى على هذا الامر منى، ثم أذن له فقام خارجا. ثم دعا هارون بابنه محمد، فأقبل يجر ذيله، ويتبختر في مشيته، فمشى داخلا بنعليه قد نسى السلام، وذهل عن الكلام، نخوة وتجبرا، وتعظما وإعجابا، فمشى حتى صار مستويا مع أبيه على الفراش. فقال هارون: ما تقول أي بني، فإنى أريد أن أعهد إليك ؟ فقال: يا أمير المؤمنين ومن أحق بذلك مني، وأنا أسن ولدك، وابن قرة عينك. فقال هارون: اخرج يا بني، ثم قال لزبيدة: كيف رأيت ما بين ابني وابنك ؟ فقالت: ابنك أحق بما تريد، فكتب عهد عبد الله المأمون، ثم محمد الامين بعده. فلما كان سنة خمس وتسعين ومئة، توفى الرشيد رحمه الله، وعبد الله المأمون خارج عن العراق، وكان وجهه أبوه بالجيوش إلى بعض الفرس لشئ بلغه عنهم، فلظ (1) بمحمد الامين قوم من شرار أهل العراق. فقيل له: معك الاموال والرجال والقصور، فادفع في نحر أخيك العون عليه، فلابد من عهد يكون في يومى هذا. فقال عبد الله المأمون: يا أبتاه، أخى أحق منى وابن سيدتي، ولا إخال إلا أنه أقوى على هذا الامر منى، ثم أذن له فقام خارجا. ثم دعا هارون بابنه محمد، فأقبل يجر ذيله، ويتبختر في مشيته، فمشى داخلا بنعليه قد نسى السلام، وذهل عن الكلام، نخوة وتجبرا، وتعظما وإعجابا، فمشى حتى صار مستويا مع أبيه على الفراش. فقال هارون: ما تقول أي بني، فإنى أريد أن أعهد إليك ؟ فقال: يا أمير المؤمنين ومن أحق بذلك مني، وأنا أسن ولدك، وابن قرة عينك. فقال هارون: اخرج يا بني، ثم قال لزبيدة: كيف رأيت ما بين ابني وابنك ؟ فقالت: ابنك أحق بما تريد، فكتب عهد عبد الله المأمون، ثم محمد الامين بعده. فلما كان سنة خمس وتسعين ومئة، توفى الرشيد رحمه الله، وعبد الله المأمون خارج عن العراق، وكان وجهه أبوه بالجيوش إلى بعض الفرس لشئ بلغه عنهم، فلظ (1) بمحمد الامين قوم من شرار أهل العراق. فقيل له: معك الاموال والرجال والقصور، فادفع في نحر أخيك ________________________________________ (1) لظ به: اتصل به وتقرب إليه. (*) ________________________________________