[ 179 ] إرسال يزيد الجيوش إليهم قال: فلما أجمع رأى يزيد على إرسال الجيوش، صعد المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أما بعد يا أهل الشام، فإن أهل المدينة أخرجوا قومنا منها، والله لان تقع الخضراء على الغبراء (1) أحب إلى من ذلك. وكان معاوية قد أوصى يزيد فقال له: إن رابك منهم ريب، أو انتقض عليك منهم أحد، فعليك بأعور بنى مرة مسلم بن عقبة، فدعا به فقال: سر إلى هذه المدينة بهذه الجيوش، وإن شئت أعفيتك، فإني أراك مدنفا منهوكا. فقال: نشدتك الله، أن لا تحرمني أجرا ساقه الله إلي، أو تبعث غيري، فإني رأيت في النوم شجرة غرقد (2) تصيح أغصانها: يا ثارات عثمان، فأقبلت إليها، وجعلت الشجرة تقول: إلي يا مسلم بن عقبة، فأتيت فأخذتها، فعبرت ذلك أن أكون أنا القائم بأمر عثمان، ووالله ما صنعوا الذي صنعوا إلا أن الله أراد بهم الهلاك. فقال يزيد: فسر على بركة الله، فأنت صاحبهم، فخرج مسلم فعسكر وعرض الاجناد، فلم يخرج معه أصغر من ابن عشرين، ولا أكبر من ابن خمسين على خيل عراب، وسلاح شاك، وأداة كاملة، ووجه معه عشرة آلاف بعير تحمل الزاد حتى خرج، فخرج معه يزيد فودعه. قال له: إن حدث بك حدث فأمر الجيوش إلى حصين بن نمير، فانهض بسم الله إلى ابن الزبير، واتخذ المدينة طريقا إليه، فإن صدوك أو قاتلوك فاقتل من ظفرت به منهم، وأنهبها (3) ثلاثا، فقال مسلم بن عقبة: أصلح الله الامير، لست بآخذ من كل ما عهدت به إلا بحرفين. قال يزيد: وما هما ؟ ويحك. قال: أقبل من المقبل الطائع، وأقتل المدبر العاصى. فقال يزيد: حسبك، ولكن البيان لا يضرك، والتأكيد ينفعك، فإذا قدمت المدينة فمن عاقك عن دخولها، أو نصب لك الحرب، فالسيف السيف، أجهز على جريحهم، وأقبل على مدبرهم، وإياك أن تبقى عليهم، وإن لم يتعرضوا لك، فامض إلى ابن الزبير. فمضت الجيوش، فلما نزلوا بوادي القرى، لقيتهم بنو أمية خارجين من المدينة، فرجعوا معهم، واستخبرهم مسلم بن عقبة عما خلفهم، وعما لقوا، وعن عددهم. فقال مروان: عددهم كثير، أكثر مما جئت به من الجيوش، ولكن عامتهم ليس لهم نيات ولا بصائر، وفيهم قوم قليل لهم نية وبصيرة، ولكن لا بقاء لهم مع السيف، وليس لهم كراع ولا سلاح، وقد خندقوا عليهم وحصنوا. قال مسلم: هذه أشدها علينا، ولكنا نقطع عنهم مشربهم، ونردم عليهم ________________________________________ (1) الخضراء: السماء، والغبراء: الارض. (2) الغرقد: شجر عظيم كبير الحجم، وسميت مقبرة المدينة بقيع الغرقد لان هذا الشجر ينبت فيها. (3) أنهبها: اجعلها نهبا أي مباحة ثلاثة أيام لعسكرك يفعلون فيها ما يشاءون. (*) ________________________________________