[ 173 ] لا أدرى ما هو، وإنه لمطبوع عليه بطابعه ما أخذ منه شئ إلى يومه هذا، فأثنى عليها الحسين خيرا، وقال: بل أدخله عليك حتى تبرئى إليه منه كما دفعه إليك. ثم لقى عبد الله بن سلام، فقال له: ما أنكرت مالك، وزعمت أنه لكما دفعته إليها بطابعك، فادخل يا هذا عليها، وتوف مالك منها. فقال عبد الله بن سلام: أو تأمر بدفعه إلي جعلت فداك. قال: لا، حتى تقبضه منها كما دفعته إليها، وتبرئها منه إذا أدته. فلما دخلا عليها قال لها الحسين: هذا عبد الله بن سلام، قد جاء يطلب وديعته، فأديها إليه كما قبضتها منه، فأخرجت البدرات فوضعتها بين يديه، وقالت له: هذا مالك، فشكر لها، وأثنى عليها، وخرج الحسين، ففض عبد الله خاتم بدره، فحثا لها من ذلك الدر حثوات، وقال: خذي، فهذا قليل مني لك، واستعبرا جميعا، حتى تعالت أصواتهما بالبكاء، أسفا على ما ابتليا به، فدخل الحسين عليهما وقد رق لهما، للذي سمع منهما. فقال: أشهد الله أنها طالق ثلاثا، اللهم إنك تعلم أني لم أستنكحها (1) رغبة في مالها ولا جمالها، ولكني أردت إحلالها لبعلها، وثوابك على ما عالجته في أمرها، فأوجب لي بذلك الاجر، وأجزل لي عليه الذخر إنك على كل شئ قدير، ولم يأخذ مما ساق إليها في مهرها قليلا ولا كثيرا. وقد كان عبد الله ابن سلام سأل ذلك أرينب، أي التعويض على الحسين، فأجابته إلى رد ماله عليه شكرا لما صنعه بهما، فلم يقبله، وقال: الذي أرجو عليه من الثواب خير لي منه فتزوجها عبد الله بن سلام، وعاشا متحابين متصافيين حتى قبضهما الله، وحرمها الله على يزيد. والحمد لله رب العالمين. وفاة معاوية رحمه الله قال: وذكروا أن عتبة بن مسعود قال: مر بنا نعى معاوية بن أبى سفيان ونحن بالمسجد الحرام. قال: فقمنا فأتينا ابن عباس، فوجدناه جالسا قد وضع له الخوان، وعنده نفر. فقلنا: أما علمت بهذا الخبر يا بن عباس ؟ قال: وما هو ؟ قلنا: هلك معاوية. فقال: ارفع الخوان يا غلام، وسكت ساعة، ثم قال: جبل تزعزع ثم مال بكلكلة (2)، أما والله ما كان كمن كان قبله، ولما يكن بعده مثله. اللهم أنت أوسع لمعاوية فينا وفي بني عمنا هؤلاء لذي لب معتبر، اشتجرنا بيننا، فقتل صاحبهم غيرنا، وقتل صاحبنا غيرهم، وما أغراهم بنا إلا أنهم ________________________________________ (1) أستنكحها: أطلب نكاحها أي زواجها. (2) الكلكل: الصدر. (*) ________________________________________