[ 164 ] يأهل الشام إن هؤلاء النفر دعاهم أمير المؤمنين، فوجدهم واصلين مطيعين، وقد بايعوا وسلموا قال ذلك: والقوم سكوت ولم يتكلموا شيئا حذر القتل، فوثب أناس من أهل الشام فقالوا: يا أمير المؤمنين إن كان رابك منهم ريب، فخل بيننا وبينهم، حتى نضرب أعناقهم. فقال معاوية: سبحان الله ! ما أحل دماء قريش عندكم يا أهل الشام. لا أسمع لهم ذاكرا بسوء، فإنهم قد بايعوا وسلموا، وارتضوني فرضيت عنهم، رضي الله عنهم. ثم ارتحل معاوية راجعا إلى مكة، وقد أعطى الناس أعطياتهم، وأجزل العطاء، وأخرج إلى كل قبيلة جوائزها وأعطياتها، ولم يخرج لبني هاشم جائزة ولا عطاء. فخرج عبد الله ابن عباس في أثره حتى لحقه بالروحاء، فجلس ببابه، فجعل معاوية يقول: من بالباب ؟ فيقال: عبد الله بن عباس ؟ فلم يأذن لاحد. فلما استيقظ قال: من بالباب ؟ فقيل: عبد الله بن عباس، فدعا بدابته، فأدخلت إليه، ثم خرج راكبا، فوثب إليه عبد الله بن عباس، فأخذ بلجام البغلة، ثم قال: أين تذهب ؟ قال: إلى مكة، قال: فأين جوائزنا كما أجزت غيرنا، فأومأ إليه معاوية، فقال: والله مالكم عندي جائزة ولا عطاء حتى يبايع صاحبكم. قال ابن عباس: فقد أبى ابن الزبير فأخرجت جائزة بني أسد، وأبى عبد الله بن عمر، فأخرجت جائزة بني عدي، فمالنا إن أبى صاحبنا، وقد أبى صاحب غيرنا ؟ فقال معاوية: لستم كغيركم، لا والله لا أعطيكم درهما حتى يبايع صاحبكم. فقال ابن عباس: أما والله لئن لم تفعل لالحقن بساحل من سواحل الشام، ثم لاقولن ما تعلم، والله لا تركنهم عليك خوارج. فقال معاوية. لا، بل أعطيكم جوائزكم، فبعث بها من الروحاء ومضى راجعا إلى الشام، فلم يلبث إلا قليلا، حتى توفى عبد الرحمن بن أبي بكر في نومة نامها رحمه الله. ما قال سعيد بن عثمان بن عفان لمعاوية قال: فلما قدم معاوية الشام، أتاه سعيد بن عثمان بن عفان، وكان شيطان قريش ولسانها. قال: يا أمير المؤمنين علام تبايع ليزيد وتتركني ؟ فو الله لتعلم أن أبى خير من أبيه، وأمي خير من أمه، وأنا خير منه، وأنك إنما نلت ما أنت فيه بأبى، فضحك معاوية وقال: يا بن أخي أما قولك: إن أباك خير من أبيه، فيوم من عثمان خير من معاوية، وأما قولك: إن أمك خير من أمه، ففضل قريشة على كلبية فضل بين، وأما أن أكون نلت ما أنا فيه بأبيك، فإنما هو الملك يؤتيه الله من يشاء، قتل أبوك رحمه الله، فتواكلته بنو العاصى (1)، وقامت فيه بنو حرب، فنحن أعظم بذلك منة عليك، وأما أن تكون خيرا من يزيد، فو الله ما أحب أن داري مملوءة رجالا مثلك بيزيد، ولكن دعني من هذا القول، وسلني أعطك. فقال ________________________________________ (1) تواكلته بنو العاص: تركت القصاص من قتله. (*) ________________________________________