[ 8 ] أمره - لا مناص من الجزم به، وقع به رواة وقنوات النقل بين حلقات الزمن الغابر من جهة، وبين الصفحات التي تسطرها أيدي اولئك الكتاب الخاضعين للموثرين السابقين من جهة اخرى، فكان ما نراه من مؤلفات وأسفار عجزت من أن تكون صادقة النقل، وأمينة السرد، ودقيقة الاستشراف. نعم، فان من يتأمل في حقيقة مناهج الرواد الاوائل، والحقبة الزمنية التي عاصروها والمتمخضة عن المتبنيات الفكرية التي نادت بها السلطة الحاكمة، والتي وافقت أو أقسرت اولئك الرواد على تتبع خطواتها، وتجنب حدودها، كل ذلك يظهر بجلاء صواب وحقيقة ما ذهبنا إليه من تركيز المنهج الخاطئ في صياغة الحلقات الاساسية التي ارتكز عليها البناء المعروف للتأريخ الاسلامي بروافده المتكاثرة المتفرعة عنه. فإذا عرفنا بان المدينة المنورة كانت هي الموطن الاساس الذي اختص بالتأليف في المغازي قبل القرن الثاني للهجرة، فان جيلا من المؤلفين والمصنفين المشخصين قد تصدوا لوضع الحجر الاساس في كتابة التأريخ الاسلامي بالكيفية التي أشرنا إليها، منهم: عروه بن الزبير المتوفى عام 93 ه‍ (1). ________________________________________ (1) لا يخفى على أحد موقف عروة من أهل البيت عليهم السلام توافقا مع موقف أبيه وأخيه عبد الله، حتى انه نقل عنه مبادرته للخروج مع أصحاب الجمل لقتال علي عليه السلام ولكنه منع من ذلك لصغر سنه. بل وكان أيضا من أشد المؤيدين لخالته عائشة، والمتحمسين لمواقفها من علي وأهل بيته عليهم السلام من جانب، ومن المنحازين الى جانب الامويين في أمورهم وأفعالهم من جانب اخر، حتى انه قد نقل عنه موقفه المؤيد لعبد الملك بن مروان في حربه مع أخيه عبد الله، كما يذكر ذلك المسعودي في مروجه الذهب (3: 113) حيث يقول: وكان عروة بن الزبير على رأي عمه عبد الملك ين مروان، وكانت كتب (*) = ________________________________________