[ 6 ] بمرور الايام فيضيع الحق أو يخفى ويلتبس على كثير من العامة، كما حصل. ونتيجة لهذا الادراك تجمع لديهم - في أقل من ثلاثة قرون - ما يزيد على ستة آلاف وستمائة كتاب حفظت بأسمائها وأسماء مؤلفيها. وقد اشتهرت من بينها مجموعة من الكتب عرفت باسم (الاصول الاربعمائة " وهي أربعمائة مصنف لاربعمانة مصنف من أصحاب الامامين الباقر محمد بن علي (ت / 114 ه) والصادق جعفر بن محمد (ت / 148 ه) عليهما السلام، ومن أصحاب سائر الائمة عليهم السلام على رأي البعض. وقد تميزت هذه الاصول الاربعمائة عن سائر مؤلفات الشيعة في القرون الثلاثة الاولى من عمر الاسلام بمميزات كثيرة لعل من أهمها حصول الاجماع على اعتبارها حاكية لكلام المعصوم، ما اشتمل على نص كلامه عليه السلام سماعا بلا واسطة في النقل والتدوين. ولما كانت مؤلفات الشيعة ليست كلها بمثابة الاصول الاربعمائة في قوة الحجية، لهذا قام اللاحقون من أقطاب علماء الشيعة - بعد انتهاء ذلك العصر الزاهر بحياة الائمة عليهم السلام - بإعمال دورهم في التسابق إلى دراسة هذا التراث الضخم والنظر فيه وتدقيقه وتحقيقه بحسب ما لديهم من القرائن الكثيرة، فاجتهدوا في الوصول إلى الحق ما استطاعوا إليه سبيلا، وكان فيهم من هو في مرتبة عالية من مراتب النظر والتحقيق، وعلى درجة راقية من التعمق والتدقيق. وقد كان لعملهم هذا أثره الملموس، إذ تركوا لغيرهم كتبا كثيرة، مادتها: الاصول الاربعمائة، وغيرها من الكتب الاخرى التي بلغت من الاعتبار عند هؤلاء الاعلام درجة من الوثوق بها ما يوجب الركون إليها واعتمادها. ________________________________________