[ 66 ] المادة في ذاته دون فعله في الأبدان بالتصرف والتدبير وهذا الجوهر يسمى نفسا باعتبار تعلقه بالبدن وعقلا باعتبار تجرده ونسبته إلى عالم القدس، إذ هو بهذا الاعتبار يعقل نفسه أي يحبسها ويمنعها عما يقتضيه الاعتبار الأول من الشرور والمفاسد المانعة من الرجوع إلى هذا العالم وله مراتب متفاوتة وحالات مختلفة في القوة والضعف. وهي ستة، أولها: حالة الاستعداد الصرف للكمالات (1). وثانيهما: حالة بها يشاهد الأوليات (2). وثالثها: حالة بها يشاهد النظريات من مرآت الأوليات (3). ورابعها: حالة بها يشاهد تلك النظريات بعد زوالها من هذه المرآة واختزانها من غير كسب جديد وهذه الحالة حالة علم اليقين، وهي حالة بها يشاهد الصور العلمية والمطالب اليقينية في ذاته، وخامسها: حالة عين اليقين وهي حالة بها يشاهد تلك الصور والمطالب في ذات المفيض (4). وسادسها: حالة حق اليقين وهي حالة بها يتصل بالمفيض اتصالا معنويا وتلاقي به تلاقيا روحانيا (5) وهذه الحالة هي أعظم الحالات للقوة البشرية، وقد تسمى هذه الحالات التي للنفس فيها عقلا أيضا. ومن ههنا ظهر وجه تفاوت العقول في البشر ووجه قبولها للكمال ________________________________________ 1 - قوله " الاستعداد الصرف " وهذه الحالة تسمى عند الفلاسفة بالعقل الهيولاني (ش). 2 - قوله: " الاوليات " أراد بذلك البديهيات لأنه جعلها مقابلة النظريات، والبديهيات أعم من الاوليات والمشاهدات والمتواترات والحدسيات والتجربيات وقضايا قياساتها معها، وهذه المرتبة تسمى عند الحكماء بالعقل بالملكة (ش). 3 - قوله: " من مرآة الاوليات " القوة التي بها تدرك الاوليات مرآة لادراك النظريات أيضا إذ ينتقل الذهن منها إليها وأدراك النظريات على وجهين: الاول ما يدركها بالبرهان والاستدلال لاول مرة وهي العقل بالفعل في اصطلاحهم، والثاني أن يكون بحيث يراجعها بعد الغفلة عنها لكونها حاضرة في الحافظة فيرجع إليه مهما أراد وهذا هو العقل المستفاد في اصطلاحهم وهي الحالة الرابعة (ش). 4 - قوله: " في ذات المفيض " وهذا المفيض هو العقل الفعال في اصطلاح الحكماء أذ لا بد لزيادة الصور في أذهان المتفكرين من علة فاعلة ولا بد أن تكون العلة الفاعلة للمعقولات عاقلة تدرك الكليات إذ لا يكون الموجد للشئ فاقدا له ولا بد أن يكون جوهرا مجردا، ثم إن ملاحظة الصور في العقل الفعال أعلى وأكمل من ملاحظتها في النفس فان ما في العقل الفعال بريئة عن شوائب الوهم ومحفوظة عن الخطأ، مصونة عن الغلط بخلاف ما يأخذه النفس عن العقل فيدركه في لوح نفسه فانه يحتمل اختلاطه بمدركات الوهم والحواس فيدخل فيه الخطأ، وإذا وصل النفس الى مقام يدرك عين الصور الحاصلة في العقل الفعال وتحقق لديه أنه ادركها فيه لا في نفسه، فهذه الحالة الخامسة التي تكون مدركات الانسان عين الحق ولا تحصل الا للكمل من الاولياء (ش). 5 - قوله: " روحانيا " هذا نحو من الاتحاد حققه الحكماء الالهيون والعرفاء الشامخون وللتفصيل فيه محل آخر وهو آخر سير البشر في السلوك إلى الله وعد بعض العرفاء اللطائف سبعة، " وللناس فيما يعشقون مذاهب " (ش). (*) ________________________________________