[ 51 ] مصدقا. لأن المصدق لا يكون مصدقا حتى يكون عارفا بما صدق به من غير شك ولا شبهة، لأن الشاك لا يكون له من الرغبة والرهبة والخضوع والتقرب مثل ما يكون من العالم المستيقن وقد قال الله عز وجل: " الا من شهد بالحق وهم يعلمون " فصارت الشهادة مقبولة لعلة العلم بالشهادة، ولولا العلم بالشهادة لم تكن الشهادة مقبولة، والأمر في الشاك المؤدي بغير علم وبصيرة إلى لله جل ذكره إن شاء تطول عليه فقبل عمله وإن شاء رد عليه، لأن الشرط عليه من الله أن يؤدي المفروض بعلم وبصيرة ويقين كيلا يكونوا ممن وصفه الله فقال تبارك وتعالى: * (ومن الناس من يعبد الله على حرف فإن أصابه خير اطمأن به وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه خسر الدنيا والآخرة، ذلك هو الخسران المبين) * لأنه كان داخلا فيه بغير علم ولا يقين فلذلك صار خروجه بغير علم ولا يقين وقد قال العالم (عليه السلام): " من دخل في الإيمان بعلم، ثبت فيه ونفعه إيمانه، ومن دخل فيه بغير علم خرج منه كما دخل فيه ". وقال (عليه السلام): " من أخذ دينه من كتاب الله وسنة نبيه (صلى الله عليه وآله) زالت الجبال قبل أن يزول، ومن أخذ دينه من أفواه الرجال ردته الرجال ". وقال (عليه السلام) " من لم يعرف أمرنا من القرآن لم يتنكب الفتن ". * الشرح: (فأحق ما اقتبسه) العاقل من المؤدب والدليل، يقال: اقتبست منه علما أي استفدته (و التمسه) أي طلبه بالمسألة والسؤال (المتدبر الفطن وسعى له الموفق المصيب العلم بالدين ومعرفة ما استعبد الله به خلقه) إذ بهذين العلمين يخرج الخلق من ظلمات الجهالة ويعلمون كيفية الخروج عن غشاوة الغواية والضلالة، وبذلك يحصل لهم إصابة قرب رب العالمين ورفاقة من أنعم الله عليه من الانبياء والملائكة المقربين وحسن اولئك رفيقا. (من توحيده) بيان للدين أي العلم بالدين هو التصديق بوحدانيته وصفاته اللايقة به ويندرج فيه التصديق بملائكته وكتبه ورسله وأوصياء رسله، وبما أخبر به الرسل من أحوال الآخرة مثل الحشر والنشر والحساب والميزان والصراط والجنة والنار وغير ذلك من أحوال القيامة (وشرايعه وأحكامه وأمره ونهيه وزواجره وآدابه) بيان لما استعبد الله به خلقه (إذ كانت الحجة ثابتة) على صحيح الخلقة كامل الآلة وهذا مع ما عطف عليه دليل على أن العلم بالدين ومعرفة ما استعبد الله به خلقه أحق بالاقتباس وأولى بالالتماس (والتكليف لازما) لما عرفت من الدلايل (والعمر يسيرا) مع ما فيه من الضروريات التي لا يمكن البقاء بدونه كالنوم وتحصيل الغذاء واللباس ونحوها فلا يسع العمر إلا للأهم والأحق وهو الامور المذكورة (والتسويف غير مقبول) لأن العمر لا يفي بذلك ولأن التكليف ثابت في وقت التسويف أيضا (والشرط من الله جل ذكره فيما استعبد به خلقه أن يؤدوا جميع فرائضه ________________________________________