[ 9 ] وصار بلا فائدة، وذلك كما إذا قصدت بناء دار معينة محدودة بحدود معينة وموصوفة بصفات مخصوصة وموضوعة على أركان وهيئة معلومة عندك وطلبت بناءها من زيد فلا بد لزيد من أن يعلم مقصودك المشتمل على تفاصيل مذكورة ثم يشتغل بالعمل ويبنيها على نحو ما قصدت ليتم على وجه الكمال كما أردت، فلو اشتغل بالبناء من غير أن يعلم مقصودك لكان ما يبنيه غير موافق لمقصودك غالبا، إذ الاتفاق نادر جدا، ولو علم مقصودك ولم يشتغل بالعمل لم ينفعه ذلك العلم ولم يستحق منك الثناء والأجر، ومن هاهنا ظهر أن كمال الدين وتمامه بالعلم والعمل، وقال بعض الناظرين إلى هذا الحديث: المراد بالدين الأعمال البدنية مثل الصلاة والصوم والحج ونحوها، والمراد بكماله غايته يعني أن غاية الأعمال البدنية والتكاليف الشرعية طلب العلم وذلك لأن الأعمال البدنية إنما تراد للأحوال أعني طهارة القلب وصفاءه عن الأخباث والشهوات والتعلقات وتلك الأحوال إنما تراد للعلم ثم هذا قسمان علم عقلي كالعلم بذات الله تعالى وصفاته وأفعاله، وعلم عملي وهو المتعلق بكيفية أعمال الطاعات وترك المعاصي والسيئات، فالقسم الأول إنما يراد لنفسه لا لغيره، والقسم الثاني إنما يراد للعمل به والعمل يراد للعلم أيضا، فالعلم هو الأول والآخر والمبدأ والغاية، فضرب من العلم وهو العملي وسيلة، وضرب من العلم وهو العقلي غاية، وهو الأشرف الأعلى والعمل لا يكون إلا وسيلة، فقوله (عليه السلام): " والعمل به " إشارة إلى ثمرة ضرب من العلوم وأوايلها ومباديها أعني العملي فلا خير في طاعة لا يكون وسيلة للعلم وكذا لا خير في علم متعلق بها إذا لم يكن وسيلة إلى العمل المؤدي إلى الحال المؤدي إلى العلم. (ألا وإن طلب العلم أوجب عليكم من طلب المال) فيه أمران: الأول: أن طلب المال يعني قدر الكفاف واجب وهو كذلك لأن فيه حفظا للبدن وقواه، وصيانة للعرض وماء الوجه من ذل السؤال، وقطعا للطمع عما في أيدي الناس، واستعانة بالعبادات والطاعات كما ورد " لولا الخبز ما صلينا ولا صمنا " (1)، وهذا لا ينافي الروايات الواردة للزهد في الدنيا والحث على تركها لأن الزهد في الدنيا ليس بإضاعة المال ولا تحريم اكتساب الحلال بل الزهد فيها أن لا تكون بما في يدك أوثق منك بما عند الله عز وجل (2)، وقد فسر الزهد فيها سيد الوصيين بقصر الأمل وشكر كل نعمة والورع عن كل ما حرم الله عز وجل (3) وكيف يكون الزهد عبارة عن ترك الحلال وقال الصادق (عليه السلام): " لا خير فيمن لا يحب جمع المال من حلال، يكف به وجهه، ويقضي ________________________________________ 1 - الفروع من الكافي - كتاب المعيشة - باب الاستعانة بالدنيا على الآخره، تحت رقم 13. 2 - المصدر باب معنى الزهد. 3 - المصدر باب معنى الزهد. (*) ________________________________________