[ 335 ] باكتساب تلك العلوم وقد أشار إليها بعبارة وجيزة فكذلك له قوة عملية بها يؤثر فيما تحته وكمالها باكتساب الأعمال الصالحة والأخلاق الفاضلة وقد أشار إليها بقوله (وبحسن السياسة) في البدن والمنزل والمدينة (يكون الادب الصالح) أي العمل المندرج تحت القواعد النبوية والخلق الموافق للقوانين الشرعية وذلك لأن العقل سلطان في عالم الكون فيجب عليه أن ينظر أولا في أحوال البدن ومشاغل قواه وحواسه وجوارحه بالأمر والنهي وتهذيب الظاهر باستعمال الشرايع النبوية والنواميس الالهية (1) وتهذيب الباطن عن الشواغل الدنية والملكات الردية وتحليها بالملكات والأخلاق المرضية وإلى هذه المرتبة أشار جل شأنه بقوله * (يا أيها المدثر قم فأنذر وربك فكبر وثيابك فطهر والرجز فاهجر) * فإنه تعالى أمر رسوله (صلى الله عليه وآله) بهذه الخصال المرضية والاجتناب عن الرجز الشامل لجميع الملكات الردية وأن ينظر ثانيا في أحوال جماعة معه في النسب والمنزل من الخدم والحشم ويأمرهم بمثل ذلك وبما فيه صلاحهم في الدارين من التآلف والتوافق والتعاون غير ذلك مما يوجب تكميل نظامهم، وإلى هذه المرتبة أشار جل وعز بقوله: * (وأنذر عشيرتك الأقربين) * وإليها وإلى الاولى أيضا بقوله * (قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة) * وأن ينظر ثالثا إلى أحوال جماعة متشاركة في المدينة ومندرجة في سلك رعيته ويأمرهم بمثل ما مر. وإلى هذه المرتبة أشار عز سلطانه بقوله: * (وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا) * فإذا فعل ذلك وحملهم على تلك الأعمال والأخلاق بأسواط حسن السياسة والتدبير حصل لهم الآداب الصالحة وصاروا حزب الله سائرين إلى الله، ناظرين إلى جماله وكماله، نازلين في منازل عزه وجلاله ألا إن حزب الله هم المفلحون (وكان يقول التفكر حياة قلب البصير) لما أشار (عليه السلام) إلى أن أثر العقل هو الوصول إلى غور الحكمة والبلوغ إلى نهاية كمالها، وأن أثر الحكمة هو الوصول إلى غور العقل والبلوغ إلى غايته، وأن أثر حسن السياسة هو التخلق بالآداب الصالحة والتحلي بالأخلاق الفاضلة، من البين أن الغرض الأصلي من هذه الآثار هو الوصول إلى قرب الحق والنزول في ساحة عزه وهناك اتحدت الغايتان وتقاربت المسافتان أشار هنا إلى أن مبدأ تلك الآثار ومنشأ هذه الأطوار هو تفكر قلب البصير، الفهم الذكي، والتفكر هو حركة الذهن في مقدمات المطلوب والانتقال عنها إليه والقلب في عرف العارفين هي النفس الإنسانية، واستعار الحياة للتفكر إيضاحا ________________________________________ 1 - يعني أن الشريعة الإلهية النازلة بالوحي على الانبياء (عليهم السلام) مطابق لما ذكره الحكماء في العملية إلى ما يتعلق بالانسان وحده بينه وبين ربه، وما يتعلق بتدبير المنزل، وما يتعلق بسياسة المدن. (ش) (*) ________________________________________