[ 325 ] والسبب الأصلي لسوء الخلق وغلظة القلب وقساوته بأن من كرم أصله ولطف عنصره الذي ينحل إليه البدن وشرفت طينته التي منها خلق شرف قلبه يعني نفسه الناطقة لأن الشريف إنما يتعلق بالشريف، ومن شرف قلبه شرفت صفاته من اللينة والرأفة وحسن الخلق وغيرها لأن فعل الشريف وصفاته لا يكون إلا شريفا، ومن خشن عنصره وكثفت طينته غلظ كبده وخس قلبه لأن الخسيس إنما يتعلق بالخسيس ومن خس قلبه قبحت صفاته من الخشونة والغلظة وسوء الخلق وغيرها، وأورد لفظ الكبد بدل القلب للتنبيه على عدم استحقاقه (1) لهذا الاسم وبالجملة الأخلاق والصفات مترتبة على اجتماع النفوس والأبدان فأشرف الأخلاق يتعلق بأشرف النفوس وأشرف النفوس يتعلق بأشرف الأبدان وألطفها وأخس الأخلاق يتعلق بأخس النفوس وأخس النفوس يتعلق بأخس الأبدان وأكثفها، فالتفاوت إنما نشأ من كرم الأصل وخسته، كل ذلك ظاهر إلا التفاوت في الأصل فانه دقيق جدا، ومعرف ذلك يتوقف على التأمل الدقيق في الروايات المذكورة في كتاب الكفر والإيمان. وقيل المراد بكرم الأصل كون النفس فاضلة شريفة ذات ارتباط شديد وتأيد بالنور ومن كان كذلك لأن قلبه الذي هو مبدء الآثار العقلانية لأن النفس أولا يتعلق بالروح (2) الحاصلة فيه فلأن عناصره باستمداد من الروح الذي يجيئ إليها من القلب " ومن خشن عنصره غلظ كبده " أي ومن لم يكن كريم الاصل وهو من خشن عنصره وخبث طينته غلظ منه ما هو المناط في قوام البدن وقوته وهو الكبد فيستولي القوى البدنية فيه على القوة العقلانية (ومن فرط تورط) يقال: فرط في الأمر فرطا أي قصر فيه وضيعه حتى فات وكذلك التفريط وفرط أيضا فهو فارط إذا سبق وتقدم وجاوز الحد، وتورط في الورطة أي وقع في الهلكة، ولعل المراد من فرط في الحق وقصر فيه وقع في الهلكة لأن أصل التقصير في الحق ورطة وهلكة أو لانه مستلزم لوقوعه في ضد الحق أعني الباطل أو المراد من سبق إلى دواعي النفوس وجاوز الحد في متابعة القوى النفسانية فقد وقع في الهلكة. ________________________________________ 1 - يعني ليس المراد بالكبد هذا العضو الجسماني الواقع في الجانب الايمن من البطن لطبخ الغذاء وتبديل الكيلوس إلى الكيموس بل المراد منه النفس وكذا القلب وإنما يعبر عن النفس تارة بالكبد وتارة بالقلب والكبد عند الاطباء مبدء القوة الطبيعية أي النفس النباتية والقلب محل القوة النفسانية أي الحيوانية، والقلب أقرب إلى النفس الناطقة من الكبد، وأشار (عليه السلام) بهذه العبارة إلى أن من خشن عنصره فالمناسب أن يعبر عن نفسه بالكبد لبعده عما خلق له وميلانه إلى الطبيعة (ش). 2 - المراد بالروح هنا الروح الطبيعي الحيواني في اصطلاح الاطباء وهي عندهم بخار له مزاج سار في العروق ومسام البدن وبطون الدماغ وهو اكثر في الشرائين من الاوردة، النفس يتعلق أولا به وبتوسطه بالبدن وليس المراد بالروح هنا النفس الناطقة (ش). (*) ________________________________________