[ 303 ] الفضل لمن جاء بالأحسن منه. (فأتاهم من عند الله من مواعظه وحكمه) أي من مواعظه القرآنية وحكمه الفرقانية (ما أبطل به قولهم واثبت به الحجة عليهم) لأنه أتاهم بالقرآن يشفي رمد بصاير أهل العرفان فان الاكتحال بكحل حقايقه يسقى كبد العطشان بالورود على زلال دقايقه ولا يحول فؤاد الأفكار إلى أقصى معارج عجابيه ولا يجول جواد الأنظار إلى أعلى مدارج غرايبه وهو نير مضئ لا يضل من ضوئه عقول المسافرين وعلم رفيع لا يعمى منه أبصار السائرين، وبحر زاخر لا يصل إلى قعره غوص العارفين، ومنهج واضح لا يزل فيه قدم السالكين، وشجرة نصوص لا يتحرك بهبوب صرصر الشبهات أوراقه وأغصانه. وبنيان مرصوص لا ينهدم بحوادث الخطرات حيطانه واركانه، وناطق فصيح لا ينقطع بشبه المخالفين دلايله وبرهانه، وناصر معين لا يخذل بهجوم المعاندين أنصاره وأعوانه، ونور ساطع في قلوب أرباب العرفان، وشعاع لامع في صدور أصحاب الايمان، ومعدن الفضل والتوحيد والعدل والايمان، ومنبع العلم والجود والكرم والاحسان، وقد جعله الله سبحانه ريا لعطش العلماء وربيعا لقلوب الفقهاء، معراجا لعقول الصلحاء، ودواء ليس بعده داء، فمن أراد معارضة أقصر سورة من سوره حلت به الندامة وظهرت فيه الجهالة والسفاهة إذ هو مصادر لأطوار الفصاحة، ومظاهر لأسرار البلاغة التي يعجز عن فهمها عقول الفصحاء ويقصر عن دركها فحول البلغاء، ويتحير فيها أذهان مصاقع الخطباء ولذلك بعدما خيروا بين المعارضة باللسان والمقابلة بالسيف والسنان أعرضوا عن الأول مع طول المدة وكثرة العدة وشدة القوة وغاية العصبية ونهاية الأنانية وكمال الحرص في الغلبة والرسوخ في إظهار المفخرة لعلمهم بأن ذلك خارج عن قدرتهم وفايق على صنعتهم وبعيد عن طريقتهم فعلم أن ذلك وحي أنزله لهداية العباد من ظلم الضلالة ونور أظهره لارشادهم في بيداء الجهالة اللهم اجعله وسيلة لنا إلى أشرف منازل الكرامة، وسببا لنجاتنا في عرصة القيامة وذريعة نقدم بها على نعيم دار المقامة، وفيه دلالة واضحة على أن إعجاز القرآن لاشتماله على امور غريبة وألفاظ رشيقة ومعان دقيقة ونكات لطيفة، إلى غير ذلك من الامور الخارجة عن قدرة البشر. وسر ذلك أن الله تعالى عالم الغيب والشهادة لا يعزب عنه مثقال ذرة فإذا رتب لفظا فلاحاطته علما بكل بشئ يعلم الكلمة التي تصلح أن تليه ويعلم وجوه المعاني ومواضع استعمالات الكلام وحسن ابتدائها واختتامها حتى لو أريد تغيير شئ منها بأحسن من ذلك لم يمكن ولم يوجد وليس في قدرة البشر أن يحيطوا علما بكل شئ فلذلك تجد الفصيح منا قد يصنع الخطبة ثم لا يزال ينقح ويبدل. وما ذلك إلا لأنه ظهر له الآن ما لم يكن له ظاهرا قبل فلذلك صار القرآن حجة على الناس ________________________________________