[ 16 ] بقدرته وحكمته لا من شئ فيبطل الاختراع، ولا لعلة فلا يصح الابتداء، خلق ما شاء كيف شاء متوحدا بذلك لاظهار حكمته، وحقيقة ربوبيته، لا تضبطه العقول، ولا تبلغه الأوهام، ولا تدركه الأبصار، ولا يحيط به مقدار، عجزت دونه العبارة، وكلت دونه الأبصار، وضل فيه تصاريف الصفات، احتجب بغير حجاب محجوب، واستتر بغير ستر مستور، عرف بغير روية، ووصف بغير صورة، ونعت بغير جسم، لا إله إلا الله الكبير المتعال " * الشرح: أبتدأ باسمه الحميد مقتديا بالسلف وبالقرآن المجيد ومعتمدا بما قاله سيد البشر " كل أمر ذي بال لم يبدء فيه باسم الله فهو أبتر " وفي ذكر الاسم إيماء إلى أن المراد بهذه الأسماء الشريفة المسميات وأن الاستعانة في الاستفاضة وقعت بأسمائها، لأن لتلك الأسماء من الشرف والكمال ما لا يعرف قدره الغواصون في بحار آثارها والوصافون بشرح منافعها وأسرارها، على أن الاستعانة بالاسم تدل على الاستعانة بالمسمى قطعا دون العكس، وإنما خص هذه الأسماء بالذكر لأنها أصل لاصول الفيض عاجلا وآجلا. ومبدئا بحصول الرجاء ظاهرا وباطنا. (الحمد لله) اختلفوا في تحديد الحمد والأحسن ما ذهب إليه بعض المحققين من الصوفية ومال إليه المحقق الشريف العلامة الدواني، وهو أن الحمد إظهار صفات الكمال بالقول أو بالفعل، والثاني أقوى من الأول، لأن الأفعال التي هي آثار السخاوة مثلا تدل عليها دلالة عقلية قطعية لا يتصور فيها التخلف بخلاف الأقوال فان دلالتها عليها وضعية وقد يتخلف عنها مدلولها، وعلى هذا كان حمده تعالى على ذاته حمدا على سبيل الحقيقة، بل هو من أفضل أفراده لأنه تعالى كشف عن صفات كماله ببسط بساط الوجود على ممكنات لا تحصى، ووضع عليها موائد كرمه التي لا تتناهى، إذ كل ذرة من ذرات الوجود تدل عليها، ولا يتصور في العبارات مثل هذه الدلالات. وما اشتهر من أن الحمد في اللغة الثناء باللسان على الجميل، وفي العرف أعم منه ومن عقد الجنان وفعل الأركان، فهو باعتبار أن هذه الامور من الأفراد الشايعة لذلك المفهوم، لا أن الحمد مختص بها كما فهمه الأكثر وحكموا بأن حمده تعالى على ذاته مجاز، واللام في " الحمد " للجنس أو الاستغراق وفي " لله " للاختصاص يعني أن جنس الحمد أو جميع أفراده مختص به سبحانه وبينهما تلازم، وصح ذلك لأنه تعالى مبدء كل كمال ومرجع كل جلال. (المحمود بنعمته) للحمد أركان أربعة: الحامد، والمحمود، والمحمود به والمحمود عليه. والأولان قد يتحدان بالذات كحمده تعالى على ذاته، وقد يتغايران كحمدنا له تعالى، وكذا الأخيران كحمده تعالى بالنعمة لأجلها. وحمده بالعلم لأجل إنعامه. إذا عرفت هذا فنقول: النعمة في قوله: " بنعمته " ________________________________________