[ 16 ] والنهي والتصرف والتدبير والامتحان والاختبار حتى أنة لا تقع طاعة إلا بعونه ولا معصية إلا بخذلانه كما قال * (ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم) * - الآية - وقال * (أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون) * وقال: * (ليبلوكم فيما آتاكم) * وقال * (ليبلوكم أيكم أحسن عملا) * وأمثال ذلك كثيرة وكلها بمعنى الأختيار، وسر ذلك أن النفس إذا توجهت إلى الطاعة ومالت إلى الانقياد أقبلها الله تعالى بالإعانة واللطف والتوفيق، وإذا توجهت إلى المعصية ومالت إلى المخالفة ناداها بالزواجر فإن سمعها أقبلها بما ذكر وإلا فيتركها على حالها وهو عبارة عن الخذلان، يدل عليه ما روي من " أن من تقرب إلي بشبر تقربت إليه بذراع - الحديث " وما روي من " أن قلوب بني آدم أصبعين من أصابع الرحمن " وما روي " من أن للقلب اذنين فإذا هم العبد بذنب قال له روح الإيمان لا تفعل، وقال له الشيطان افعل وإذا كان على بطنها نزع منه روح الإيمان " وأيضا لو تحقق التفويض لبطل أمر الدعاء والاستعاذة لا حول ولا قوة إلا بالله (قلت: فجبرهم على المعاصي ؟ قال: الله أعدل (1) ________________________________________ 1 - قوله " الله أعدل من ذلك " الوهم العامي كما يتصور فعل الله التكويني مضادا للأسباب الطبيعية أو مبائنا لها كذلك يزعم الأفعال الاختيارية للعباد شيئا مضادا أو مباينا لأمره ومشيئته تعالى ألا ترى أن العوام يستدلون على وجوده تعالى بما يرونه مخالفا للعادة والطبيعة أو بخلع الطبيعة والأسباب عن تأثيرها فإذا رأوا شجرة نمت من البذر لم يستدلوا بها على وجود الله تعالى وإنما يستدلون إذا رأوها نمت لا عن بذر وغرس كمعجزات الأنبياء فيتصورون الأسباب شيئا والله تعالى شيئا آخر عدوا مبائنا لها فإن اعتقدوا أن لكل شئ سببا في الطبيعة قالوا: لا نحتاج إلى الله تعالى وإن اعتقدوا عدم التأثير في الأسباب نسبوا المسببات إلى الله تعالى، وأما طريقة العقل والقرآن فهي أن يستدل بالحكم والمصالح والنظم والاتقان الموجودة في الأشياء الطبيعية على أنها مسخرة بأمر الله تعالى كما أشرنا إلى ذلك مرارا فليس وجود الأسباب سواء كانت مجردة روحانية كالعقول والنفوس والأسماء الإلهية أو جسمانية طبيعية كالأدوية لشفاء الأمراض والسقي لنمو النبات مبائنا لتأثير مشيئة الله وإرادته وقدرته فجميع الوسائط مسخرة بأمره والدليل على ذلك الاتقان والنظم في فعل الطبائع كذلك أرادة الإنسان واسطة وسبب وليس فعل الله تعالى ومشيئته وإرادته شيئا مضادا بل ولا مبائنا لفعل أحد من عباده بل العبد يدبر والله يقدر * (وما تشاؤون إلا أن يشاء الله) * فالإنسان مختار والله تعالى شاء أن يكون مختارا فإذا قتل ظالم رجلا ظلما أرسل الله تعالى ملك الموت لقبض روحه ويعذب القاتل على القتل وليس القتل قتلا إلا بازهاق الروح الذي لا يقدر عليه القاتل وانما يقدر على مقدمات إزهاق الروح قتلا موجبا للقصاص وكذلك صانع الخمر يعصر أو ينبذ ويضع الإناء في مكان مناسب للتخمير ولا يقدر على تحصيل طبيعة الخمر وايجاد الصورة النوعية = (*) ________________________________________