[ 14 ] أنه لو تحقق الجبر لكان إرسال الرسل وتبشيرهم عبثا لأن الغرض من ذلك هو الإخبار بالأحكام واظهار مناهج الحلال والحرام والتقريب بالطاعة والتبعيد عن المعصية ومع الإجبار لا فائدة في الإخبار والإظهار ولا نفع في التبشير والإنذار، ومالا فائدة فيه فهو لغو عبث. ثم اقتبس من القرآن الكريم لجذب الشيخ من ورطة الهلاك إلى سبيل النجاة فقال (ذلك) أي ذلك الظن المذكور وهو ظن أن القضاء كان حتما والقدر كان لازما (ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار) في حديث الأصبغ بعد هذا القول، فقال له الشيخ: " فما القضاء والقدر اللذين ما سرنا إلا بهما ؟ قال: هو الأمر من الله والحكم ثم تلا قوله: تعالى * (وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه) * ". أقول: المراد بالأمر والحكم الأمر التكليفي والحكم التخييري دون الحتمي الاجباري وقد أشار إليه (عليه السلام) بقوله: " إن الله كلف تخييرا ونهى تحذيرا " (فإنشاء الشيخ يقول) في كتاب العيون " فنهض الشيخ وهو يقول ": أنت الإمام الذي نرجو بطاعته * يوم النجاة من الرحمن غفرانا أوضحت من أمرنا ما كان ملتبسا * جزاك ربك بالإحسان إحسانا ________________________________________ = والحيوان ولا يعقل أن يرسل رسولا يأمرهم بأن يحركوا نبضهم ويهضموا طعامهم بل التأمل في أفعالنا يكفي في الفرق بين الجبر والاختيار والاعتراف بأن فعل الإنسان باختياره إذ لا ريب أن الإنسان يعرف في ذاته مبدأين لفعلين متخالفين، الأول: قوة تحرك نبضه ونفسه وتهضم ولا يسطيع الإنسان أن يمنع من فعلها أصلا وإن عجزت القوة لا يستطيع أن يقهرها وإلا لجاز أن يسلم المريض باختياره، والثاني: قوة تحرك عضلاته وجوارحه باختياره كالمشي وهذان المبدءان متخالفان ربما يتمانعان كفاعلين متضادين فيريد الإنسان أن يثب خمسة أذرع في الهواء أو يطير ويفوق على السطح ويمنعه ثقله فيسقطه على الأرض فيغلب المبدأ الاختياري في الوثوب مقدارا قليلا ثم يغلب المبدأ الغير الاختياري عليه وبذلك يستدل على أن النفس غير الجسد وإلا لكان أحدهما متسلما للأجر ومطيعا له منقادا وليس في القوى الطبيعية التكوينية اختيار أصلا بل فيها الجبر فقط ولو كان النفس عين الجسد أو حالة من حالاته أو عارضا لمزاجه لتبعه في الجبر ولم يمانعه ولم يضاده، وإن قلنا: أن الجبر من لوازم مذهب الملاحدة والطبيعيين والاختيار من لوازم دين الموحدين والألهيين لم نقل جزافا لأنا لا نعرف من الطبيعة غير الشاعرة إلا الجبر ولا يتصور فيها الاختيار أصلا ولما وجدنا في أنفسنا مبدأ الاختيار واذ ليس جميع أفعالنا نظير حركة النبض عرفنا أن فينا مبدءا غير جسماني وليس المؤثر في الوجود منحصرا في الطبيعة الجسمانية غير الشاعرة وأن ما ليس في ذاته جسما أو جسمانيا كالعقول فهو الاختيار المحض والله تعالى ليس عنده جبر. (ش) (*) ________________________________________