[ 10 ] فإن بعضهم كانوا يقولون بنفي الحشر والنشر والثواب والعقاب، وبعضهم كانوا يقولون بالجبر بدليل قوله تعالى: * (وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آباءنا والله أمرنا بها) * والمراد بإخوانهم الأشاعرة حيث يلزمهم ذلك وإن لم يقولوا به صريحا (وخصماء الرحمن) لأنه تعالى نسب في آيات كثيرة أفعال العباد إلى أنفسهم فقال عز من قائل: * (وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى) * وقال * (من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها) * وقال: * (ليجزي الذين أساؤوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى) * وقال: * (لنبلوهم أيهم أحسن عملا) * وقال: * (أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات) * وقال: * (والله بصير بما تعملون) * إلى غير ذلك مما لا يعد ولا يحصى وصرح في كثير منها ببراءته من القبائح والظلم فقال * (إن الله لا يأمر بالفحشاء) * * (إن الله لا يظلم مثقال ذرة) * * (وما أنا بظلام للعبيد) * إلى غير ذلك. وهؤلاء يقولون نحن براء من القبائح وأنت تفعلها ولا مخاصمة أعظم من ذلك (وحزب الشيطان) لمتابعتهم إياه فيما يلقيه إلى نفوسهم الشريرة * (ألا أن حزب الشيطان هم الخاسرون) * (وقدرية هذه الامة ومجوسها) قد عرفت آنفا أن القدرية تطلق على الجبرية القائلين بأن الله تعالى قد جبر عباده على ما قدره وقضاه، وعلى المفوضة فإن كان المراد هنا الجبرية تعين العطف على الإخوان وإن كان المراد المفوضة، وجب العطف على عبدة الأوثان، والأشاعرة كما أنهم إخوان عبدة الأوثان كذلك إخوان المفوضة لتحقق المشابهة وتأكد روابط الاخوة بينهم في كونهم من أصل ________________________________________ = بمنزلة الطبيعة غير الشاعرة لا يميز بين المطيع والعاصي والخير والشرير والصالح والطالح بل ليس دليل الطبيعيين على رأيهم ومذهبهم إلا ما يرون من آفات وجوائح الطبيعة ودليل الألهيين ما يرون من عناية الباري بمصالح الموجودات وآيات العمد والتقدير والحكمة فيها، ودليل الثنوية الجمع وقد سبق مرارا، منها في الصفحة 66 من المجلد الثالث وفي الصفحة 17 منه عن قول أرسطو طاليس ما يفيد هنا، فإن قيل: إن الفلاسفة أيضا مع أن كثيرا منهم إلهيون نفوا الغرض والاختيار في فعله تعالى ولا ينافي التوحيد مع الجبر. قلنا: الإلهيون منهم أرادوا بالغرض ما يكمل به الفاعل الناقص ولذلك نفوه عن فعل الله تعالى ولم ينفوا الغاية والفوائد والمصالح التي قدرها في المخلوقات لتكميل المخلوقات عن نقصهم كيف ولو كان كذلك لم يذكر الامام (عليه السلام) أرسطو طاليس ولم يحتج بكلامه في اثبات العمد والتدبر في فعله تعالى خلافا للطبيعيين القدماء، ومانفوه عن الله تعالى هو العزم بعد الترديد وسموا عزمه تعالى من غير سبق ترديد عناية وقد ملؤوا كتبهم في التشريح والطب والطبيعيات من آثار عناية الباري تعالى ومصالحه وحكمه التي راعاها في خلق الأشياء فراجع. (ش) (*) ________________________________________