[ 4 ] تلك الامور بعده عن يد ذلك السلطان وعن تحت حكمه وتدبيره، والقدر بهذا المعنى وهو المسمى بالتفويض أيضا هو المراد هنا وهو مذهب طائفة من المعتزلة ونحن نسميهم تارة بالقدرية وتارة بالمفوضة، وهاتان الفرقتان وهما الجبرية والقدرية خارجتان عن طريق العدل أولاهما في طرف الإفراط واخراهما في طرف التفريط، والمراد بالأمر بين الأمرين: أمر لا هذا ولا ذاك بل طريق متوسط بينهما وهو أن أفعالهم بقدرتهم واختيارهم مع تعلق قضاء الله وقدره وتدبيره ومشيئته وإرادته وتوفيقه ولطفه وخذلانه بها، وهذا التعلق لا ينافي اختيارهم لأن القضاء والقدر والإرادة وغيرها على قسمين: حتم وغير حتم، والمنافي للاختيار هو الحتم دون غيره، وستعلم وجه بطلان الأولين وتحقق الثالث في مضامين الأحاديث الآتية، وينبغي أن يعلم أن القدرية قد تطلق على الجبرية (1) بناء على أن القدر جاء بمعنى الجبر أيضا والقدر بهذا المعنى أيضا مذكور في هذا الباب، وإنما بسطنا الكلام طلبا للبصيرة فيما هو المقصود في هذا المقام. " الأصل " 1 - " علي بن محمد، عن سهل بن زياد، وإسحاق بن محمد وغيرهما رفعوه قال: " " كان أمير المؤمنين (عليه السلام) جالسا بالكوفة بعد منصرفه من صفين إذا أقبل شيخ فجثا بين يديه، ثم قال له: يا أمير ________________________________________ = والممكن قسمين مباينين كل في عرض الآخر مستقلين وأحدهما يقهر الآخر على مالا يريد وليس كذلك. (ش) 1 - قوله " قد تطلق على الجبرية " وينبغي أن يكون هذا هو الاستعمال الشائع كما في نظائره يطلق الإمامية: على القائلين بالإمامة دون المنكرين، والجبرية: على القائلين بالجبر دون المنكرين، والعدلية: على القائلين بالعدل وأمثالها، فالقدرية: هم القائلون بالقدر، أي من يقول كل فعل من أفعال الأنسان بقدر الله لكن الأشاعرة لم يستطيعوا أن يردوا الحديث المنقول عن النبي (صلى الله عليه وآله) " القدرية مجوس هذه الأمة " ولم يروا أن يعترفوا بأنهم أنفسهم قدرية فسروا القدرية بمن ينفي القدر وما وجدنا نظيره في كلام العرب، ولو جاز ذلك جاز أن يقال: النحوي من ينكر علم النحو، والصرفي: من ينكر علم الصرف، واللغوي: هو الذي لا يعرف من اللغة شيئا والاثنا عشري: من ينكر إمامة الأئمة الاثني عشر. والاسطرلابي: من لا يعرف الاسطرلاب، والاخباري: من ينكر الأخبار، والسني: من لا يتمسك بالسنة النبوية. ولكن لما اشتهر تفسيرهم القدرية بنفي القدر جاء في بعض الأخبار أيضا جريا على اللفظ المشهور وربما يقال: إذا أكثر رجل من ذكر شئ وإن كرهه ينسب إليه وهو غير صحيح فإن الجبرية أيضا يكثرون ذكر القدر بل أكثر من المفوضة. (ش) (*) ________________________________________