[ 272 ] والتفضل عليهم، أما الأخيران فظاهران وأما الأول فلأنك قد عرفت آنفا أن أصل الإرادة من خلق الله تعالى وإن كانت الإرادة الجازمة من العبد، من الله تعالى عليهم بذكر هذه الأمور (وبنعمتي قويت على معصيتي) فيه توبيخ لك بالظلم والكفران ووعيد باستحقاق العقوبة والخذلان، وذلك لأن حكمة التكليف المورث لاستحقاق الثواب والعقاب تقتضي إمكان تعلق القوة بالضدين وصلاحية ارتباطها بالطريق وتلك لكونها جسمانية تقوى وتضعف بسبب توارد النعمة وعدمه اقتضت الحكمة لأجل تكميل الحجة تقويتها بالنعمة، والغرض الأصلي من تقويتها هو أن تصيرها إلى أشرف الضدين وتميلها إلى أفضل الطرفين أعني الطاعات والخيرات، فإذا جعلها مايلة إلى المعاصي والشرور فقد صرف أثر النعمة في سبيل الظلم والطغيان وحصل لك استحقاق العقوبة والخذلان (جعلتك بلا سبق استحقاق سميعا) بما نطقت به ألسن الشرايع والرسل (بصيرا) بما دل على أشرف المناهج والسبل (قويا) على سلوك طريق الاستقامة والزلل. (ما أصابك من حسنة) طاعة كانت أو نعمة (فمن الله) (1) تفضلا منه عليك وإحسانا منه إليك فله الفضل والحق عليك أما الطاعة فلأخذ لطفه عنان مشيتك إليها وإقامة توفيقه جواد إرادتك عليها، وأما النعمة سواء كانت دنيوية أو أخروية فلظهور رجوع جلها بل كلها إلى التفضل والإحسان، لأن الإنسان وإن صرف عمره في سبيل الطاعة والرضوان واجتنب دهره عن طريق المعصية والطغيان فهو بعد لم يأت بما يكافي نعمة الوجود فكيف يستحق بعمله نعمة أخرى، ولذلك ورد من طريق العامة والخاصة " لا يدخل أحد الجنة إلا بفضل الله ورحمته " وفيه دلالة على نفي التفويض (وما أصابك من سيئة) معصية كانت أو بلية (فمن نفسك) لكونها فاعلة لها وجالبة إياها، أما المعصية فلصرف النفس عنان القدرة القادرة على الطاعات والمعاصي إلى سبيل المعاصي، وأما البلية فلاستجلاب النفس إياها بارتكاب المناهي كما روى المصنف في باب " تعجيل عقوبة الذنب " بإسناده إلى أبي عبد الله (عليه السلام) قال: " قال أمير المؤمنين (عليه السلام) في قول الله عزوجل * (وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير) * ليس من التواء عرق ولا نكبة حجر ولا عثرة قدم ولا خدش عود إلا بذنب - الحديث " ________________________________________ 1 - قوله: * (ما أصابك من حسنة فمن الله) *، لأن تسبيب الاسباب وتمكين المكلف وخلق الآلات والهداية إلى الخير جميعا من الله تعالى وإن كان اختيار الخير من العبد إذ لو لم يكن الأسباب لم يقدر على الحسنة أصلا وأما السيئة من حيث هي سيئة فليست من الله تعالى وإن كان تسبيب أسبابها وإقدار المكلف عليها منه تعالى كأسباب الطاعة والحسنة إلا أنه تعالى لم يخلق الآلات والأسباب للسيئة بل خلقها للحسنة وإنما صارت سيئة بسوء اختيار العبد، وبعبارة أخرى: الفائض منه تعالى الوجود وهو خير محض وكون السيئة شرا إنما هو من جهة العبد فقط حيث صرف ما يمكن أن يصرف في الحسنة في السيئة. (ش) (*) ________________________________________